في خمسينية رحيل المفكر أبي اليقظان

أفكار صالحة لكل زمان ومكان وتنبؤ بواقع فلسطين

أفكار صالحة لكل زمان ومكان وتنبؤ بواقع فلسطين
  • القراءات: 1070
شبيلة. ح شبيلة. ح

أجمع المشاركون في ذكرى خمسينية رحيل المفكر الصحفي والمصلح أبي اليقظان، على أنه من بين أهم الشخصيات الوطنية التي تركت بصمة واضحة في الأدب الجزائري الحديث، وتاريخ الحركة الوطنية الجزائرية والصحافة العربية بالجزائر، متصديا بذلك للهيمنة الاستعمارية الفرنسية الهادفة إلى مسخ الشخصية الوطنية.

أكد المشاركون في الندوة الفكرية، التي نظمت بمناسبة مرور 50 سنة على رحيل المفكر أبي اليقظان، على الدور الكبير لهذه الشخصية الوطنية في توعية الشعب الجزائري، ومحاربة الاستعمار بقلمها وأفكارها ورؤيتها الحضارية، من خلال مقالات شهدت على مواقف أبي اليقظان الثابتة تجاه الأمة والوطن، فضلا عن أنها ثراء معرفي متميز في الساحة الأدبية الجزائرية وحتى العربية. وأضاف المتدخلون في الندوة، التي جمعت ثلة من الأساتذة والمختصين، نهاية الأسبوع الماضي، ونظمتها جامعة "الأمير عبد القادر" للعلوم الإسلامية، بالتنسيق مع مؤسسة الشيخ أبي اليقظان، أن الفكر اليقظاني لم يعتن بالقضايا السياسية الوطنية فحسب، بل امتد ليشمل القضايا ذات الصعيد الدولي، وأبرزها القضية الفلسطينية التي اعتبرها مسألة مهمة وخطيرة في قضايا العالم الإسلامي، حيث حرص المفكر على نشر كل الأخبار ومنشورات التي كانت تصدرها اللجنة الفلسطينية العربية، مدركا أن الأحداث الدامية التي وقعت بين العرب واليهود، حول حائط المبكى سنة 1926م، إنما هي مؤامرة صهيونية، غرضها الاستيلاء على فلسطين. وتابع المشاركون في هذه الفعالية، أن المفكر تنبأ بالواقع الفلسطيني الذي آلت إليه، عندما كتب مقولته المشهورة "خذلها أصحابها وجيرانها وأشقاؤها، والعالم أجمع، وظاهر أعداؤها كل قوة وهب نحوهم كل ريح". كما أن المفكر استبشر خيرا من اتفاق الأحزاب الفلسطينية، وكتب مقالا في هذا الصدد يبارك فيه المشروع.

من جهتها، قالت الأستاذة أحلام بوساحة، التي تناولت في مداخلتها، قضايا الإصلاح الوطنية والعربية في فكر الشيخ أبو اليقظان، إن الشيخ تناول القضايا الوطنية من كل جوانبها الاجتماعية، كتلك المتعلقة بالمرأة، الشباب، الأخلاق، الوحدة والآفات الاجتماعية. كما قدم حلولا لكل المشاكل التي يمكن أن يواجهها المجتمع، مشيرة إلى أن للمفكر رؤية صالحة لكل زمان ومكان، بالإضافة إلى دراسة الشيخ للقضايا الثقافية والتربوية ومعالجته للأزمات الاقتصادية، التي يمكن أن تواجه المجتمعات ودعوته إلى الاهتمام بالزراعة والصناعة والتجارة. وأضافت المتدخلة، أن الشيخ ناقش قضية التنصير ومسألة الإلحاد، كأنه يعيش عصرنا وزماننا، حيث قدم نظرة استشرافية لكل القضايا التي يعيشها مجتمعنا الجزائري اليوم، موضحة أن المفكر لم يكن بعيدا عن قضايا أمته العربية والإسلامية، بل كان مدافعا عن القضية الفلسطينية، وعن حق الشعب الفلسطيني في استرجاع أرضه، وقد قال في هذا السياق "فلسطين أم القضايا، وهي قضية كل العرب والمسلمين، وبأن ضياعها سيكون بالتأكيد ضياع لكل الشعوب العربية، والدفاع عن مقدساتها وتاريخها واجب الجميع".

أما البروفسور السعيد دراجي، مدير جامعة "الأمير عبد القادر"، فقد أكد على دور الجامعة في إعادة إحياء القامات العلمية الجزائرية، والاستفادة من فكرهم وعلمهم وتعريف أجيال المستقبل، بمساهماتهم في الدفاع عن القضايا الوطنية والعربية، وهذا ما ينطبق على الشيخ أبي اليقظان، أحد أقطاب الصحافة الجزائرية وصاحب المواقف التاريخية الداعمة للثورة الجزائرية والقضية الفلسطينية، خاصة أننا نحيي ذكرى إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر. أما الدكتورة زكية منزل غرابة، فقد اعتبرت أبي اليقظان رائد الصحافة الجزائرية، لما أبانه من استماتة واضحة في نضاله الصحفي، وفي مواجهة صريحة ضد خصوم الحركة الإصلاحية والاستعمار الفرنسي المحتل، وهذا ما جسده، من خلال قلمه الفياض بالوطنية وعشق الحرية، وصحفه الثمانية التي سقطت الواحدة بعد الأخرى، ثمنا لحرية التعبير، ونضالا من أجل أن تعلو كلمة الحق في سماء الإعلام الهادف. للإشارة، عرفت خمسينية رحيل المفكر، عرض فيلم وثائقي لمؤسسة الشيخ أبو اليقظان، توثق فيها شغفه بالصحافة، حيث أنشأ أول جريدة سنة 1926م، تحت اسم "وادي ميزاب"، وكان يتم تحرير هذه الجريدة بالعاصمة، ثم في تونس حيث تطبع وتنقل في قطار إلى الجزائر، ليتم توزيعها، واستمر هذا الحال سنتين، ثم صدرت له جريدة "ميزاب" 1930م وجرائد "المغرب"، "النور"، "البستان"، "النبراس"، و«الأمة"، و«الفرقان" التي تعد آخر جريدة أصدرها المفكر عام 1938م.

إلى جانب نشاطه الصحفي، أنشأ أبو اليقظان المطبعة العربية التي تعرضت هي الأخرى لمضايقة ومراقبة البوليس الاستعماري. كما لم تكن نشاطات أبو اليقظان مقصورة على الصحافة والسياسة، بل كان رجل إصلاح من الطراز الأول، حيث انضم سنة 1931م إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ليتم انتخابه سنة 1934م عضوا بمجلسها الإداري، نائبا لأمين المال إلى غاية سنة 1938م. في المقابل، له ما يقارب 50 مؤلفا ما بين مطبوع ومخطوط من دينية وتاريخية، خصوصا في تاريخ منطقة ميزاب، إلى جانب ديوانه الشعري.