"المساء" ترصد خطوات التكفل بالأشخاص بدون مأوى في العاصمة

تجربة رائدة لترسيخ ثقافة التضامن والتكافل الاجتماعي

تجربة رائدة لترسيخ ثقافة التضامن والتكافل الاجتماعي
  • القراءات: 2324
 هدى . ن   هدى . ن

مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لإعادة المسنين والمختلين عقليا إلى ذويهم

قوافل للتضامن بمعدل أربع عمليات يوميا لجمع المشردين

فتح مركز للاستقبال والتوجيه

  إدماج 50 ٪ من عديمي المأوى في الوسط العائلي

 توجيه 20 ٪ من مفترشي الأرصفة إلى المراكز المتخصصة

تختلف الأسباب التي تقف وراء وجود ظاهرة الأشخاص بدون مأوى في بلادنا، من حالة إلى أخرى. وبين هذا وذاك، يتم التكفل بهم حسب كل فئة، في إطار السياسة الاجتماعية التي تنتهجها الدولة، والتي ترتكز، في الأصل، على مبدأ التضامن الوطني، والذي منه التكفل بالفئة المذكورة. ويتم في هذا الإطار جمع المشردين، ومعاينتهم حالة بحالة. كما يتم إدماج العديد منهم في وسطهم العائلي، وإلحاق كبار السن من الذين لا عائلة لهم، بمراكز متخصصة.

كما يتم إلحاق الذين لا ملجأ لهم، بمراكز الإيواء، حسب الحالات، إلى حين تمكينهم من الخروج من  دائرة هذه الفئة. وبلغت نسبة الذين تم إدماجهم في وسطهم العائلي، حسب خالد عمارة رئيس جمعية "نجوم الشباب" لولاية الجزائر ـ وهو أحد القائمين على تسيير مركز لاستقبال وإيواء هذه الفئة بالعاصمة ـ 50 ٪، وهي نسبة معتبرة، تعيد للكثيرين الأمل في الحياة من جديد، حسب المتحدث. 

يُعد التضامن الوطني سمة لصيقة منذ الأزل، بالمجتمع الجزائري. وهو توجه تعتمده الدولة منذ الاستقلال، للأخذ بيد الفئات الهشة، ومساعدة المحتاجين وذوي العوز. وتخصص لذلك ميزانية معتبرة في إطار سياستها الاجتماعية، والتي منها فتح دُور للتكفل بفئة المسنين، ومراكز لإيواء الفئات الهشة.

والأخذ بيد فئة الأشخاص بدون مأوى والتكفل بهم، أحد محاور هذه السياسة. ويتم في هذا الإطار، تنظيم قوافل تضامنية طوال أيام السنة، تسهر عليها مصالح الولاية؛ من خلال الدوائر ومختلف الفاعلين؛ على غرار مصالح الأمن، والحماية المدنية، وممثلي المجتمع المدني، بالإضافة إلى المؤسسات العمومية للصحة الجوارية، لنقلهم إلى مراكز الاستقبال، ومن ثم إلى مراكز متخصصة، حسب كل حالة.

حالات مختلفة والمقصد واحد

تقف المصالح المختصة خلال معاينتها مختلف حالات الأشخاص بدون مأوى، على وجود  كبار السن، والمختلين عقليا، وآخرين خرجوا طوعا من بيوتهم؛ لأسباب اجتماعية. ومنهم من لا مأوى لهم، بالإضافة إلى النساء العازبات. وآخرون يطرقون باب عاصمة البلاد، إما للتسول، أو للعمل في ورشات البناء، حيث يتخذ هؤلاء أزقة العاصمة مكانا للمبيت في انتظار الظفر بشغل آخر. وتفيد مصالح مديرية النشاط الاجتماعي والتضامن لولاية الجزائر، بتسجيل رفض العديد منهم المساعدة؛ حيث يعودون إلى الشارع بعد نقلهم إلى مركز الإيواء، خاصة الفئة التي تمتهن التسول. وبين هذه الفئة وتلك يتم العمل على إدماجهم اجتماعيا، والتكفل بهم صحيا، ومرافقتهم نفسيا.

حالات يفضّل أصحابها المبيت في الشارع

أفادت سيدة في تصريحها لـ "المساء" ـ وهي عيّنة من المتسولات ـ بأنها اتخذت مكانا لها في شوارع بلدية برج الكيفان شرق العاصمة، للتسول برفقة أطفالها الصغار. وتتنقل من ولاية إقامتها إلى العاصمة، لجمع ما يجود به عليها المارة، ثم تعود أدراجها إلى مسقط رأسها نهاية كل أسبوع. والغرض من ذلك ـ حسبها ـ جني المال. ولم تذكر محدثتنا أن العوز هو الذي أدى بها إلى "امتهان" التسول، لكنها تؤكد أن فعلها هذا يسمح لها في أحيان كثيرة، بإيجاد مكان معيّن للمبيت مع أطفالها في العاصمة. 

عيّنة أخرى من الذين يفضلون المبيت في الشارع، وهي حالة السيد مصطفى ذي الأربعين عاما الذي يقيم ببلدية باب الوادي. فضّل الشارع على البقاء في المنزل العائلي الذي يضم، حسبه، غرفتين لا أكثر، مؤكدا لـ "المساء" أنه اختار طوعا الانزواء بأحد شوارع المدينة بعد وفاة والديه وزواج شقيقه الوحيد. ولم يجد محدثنا رغم كونه محل احترام أخيه الأصغر، إلا العيش خارج البيت العائلي كحل وحيد؛ خوفا من حدوث مشاكل، قد تعقّد حياته، وتؤثر على العلاقة الطيبة التي تربطه بأخية، فلم يجد سبيلا إلا ترك المسكن العائلي.

مركز للاستقبال والتوجيه

أكد خالد عمارة رئيس جمعية "نجوم الشباب" ، في تصريح لـ "المساء"، أن والي العاصمة أوكل لجمعيته مهمة تسيير مركز لاستقبال وإيواء الأشخاص بدون مأوى في الولاية، وتحديدا ببلدية السمار "جسر قسنطينة" . ووصف محدثنا اعتماد الجمعية لتسيير المركز، بالثقة التي تم وضعها في أعضائها بعد الخبرة التي اكتسبوها في تسيير مركزين خلال فترة جائحة كورونا، تم تخصيصهما، آنذاك، لاستقبال من لا مأوى  لهم، فضلا عن الأشخاص الذين كان يتعذر عليهم الالتحاق ببيوتهم؛ بسبب الحجر الصحي الذي فُرض آنذاك جراء فيروس "كورونا"، وغياب وسائل النقل ما بين الولايات.

وحسب محدثنا، تبدأ مهمة القائمين على المركز عند استقبال فئة الأشخاص بدون مأوى، الذين يتم نقلهم من قبل مصالح دوائر الولاية، في إطار عمليات تنظم يوميا طوال أيام السنة وتكثف حلال فصل الشتاء، اثنتان في الصباح، وعمليتان في الليل. وبمجرد وصولهم يتم تقديم الخدمات الأولية لهم؛ من تنظيف، وإطعام، ولباس، ومعاينة طبية. ثم يباشر المؤطرون إجراء تحقيق اجتماعي مع كل حالة.

توجيه الفئات حسب كل حالة

يفيد محدث "المساء" بأن توجيه الأشخاص إلى المراكز المتخصصة لا يتم مباشرة، وإنما بعد استقبالهم في المركز الذي يُعد الأول من نوعه في الولاية، ليتم بعده تحديد وجهة المراكز التابعة لمصالح التضامن الوطني المؤهلة للاستقبال.

ومن الحالات من تجده مصالح الدائرة في حالة مرضية، فيتم إجلاؤهم بمعية مصالح الحماية المدنية، إلى المستشفى. وبعد المعاينة الطبية والتأكد من سلامة الشخص، يُنقل إلى المركز.

وفي إطار التحقيق الاجتماعي، يتواصل  مؤطرو المركز من مختصين وعاملين ومسيرين، مع كل فرد من المقيمين، للوصول إلى تحديد هويته، والوقوف على أسباب هروبه إلى الشارع، وطبيعة مشكلته.

ويؤكد السيد عمارة وجود عدد من العوائق التي تساهم في تحديد هوية المعنيين؛ منها الكذب، وإخفاء المعطيات الشخصية الخاصة بالهوية؛ كثيرون منهم يؤكدون عدم حيازتهم لها. ويضيف أنه يُمنع عن إدارة المركز تفتيش حافظة الوثائق والنقود الخاصة بالمقيم باستثناء حقيبة ملابسه، التي يتم الاطلاع على ما بداخلها، للتأكد من عدم وجود أي أداة حادة، قد تشكل خطرا عليه وعلى غيره. كما لا يتم الإلحاح عليهم لتحديد هويتهم، وإنما يعتمد المختصون ومنخرطو الجمعية على أسلوب الروية والتريث؛ " حتى نصل إلى كسب ثقتهم، ويسترسل كل واحد منهم في الحديث بحرية" ، كما قال.

ومن جملة الحالات التي يتم الوقوف عليها، فئة تمثل أُجراء يوميين من خارج العاصمة، يقصدون الولاية للعمل في ورشات بناء على سبيل المثال. وبعد اكتمال الأشغال يبيتون في الشارع. ومنهم من يعود إلى ولايته بعد انقضاء مدة عمله. ومنهم من يبيت في الشارع، لكن المصالح المعنية تُجبر من لا مأوى ولا شغل لهم في العاصمة، على العودة إلى ديارهم. والأغلبية يفضلون البقاء في العاصمة للبحث عن عمل آخر.

ويتم على ضوء التحقيق الاجتماعي توجيه كل شخص إلى المركز المؤهل لاستقباله حسب كل حالة. ومن جملة الحالات التي يجد فيها المؤطرون صعوبة في التواصل معهم، فئة المختلين عقليا، والمصابين بمرض الزهايمر، وكبار السن.

وبعد التعمق في التحقيق الاجتماعي وتعذر الوصول إلى عائلة المعني، تعتمد الجمعية على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تلك التي تشهد عددا كبيرا من الرواد، فيتم نشر أرقام هواتف وعنوان المركز، وعرض الحالات؛ عسى أن يتعرف عليهم أحد أفراد عائلاتهم.

ويؤكد محدثنا أن المؤطرين تمكنوا من الوصول إلى أهالي عدد من المقيمين من الفئة المذكورة، والتواصل معهم، واستقبالهم لنقل ذويهم. 

أما الحالات التي لا يتجاوب معها أحد، فيتم تكوين ملف خاص بهم في إطار مديرية النشاط الاجتماعي للولاية؛ حتى يتسنى إرسالهم إلى المراكز المتخصصة؛ منها دُور العجزة، التي تستقبل الفئة الأكثر من 60 سنة، أو مستشفيات الأمراض العقلية.

الإدماج الأسريّ والمهني .. مهمة يتم التركيز عليها

إدماج الأشخاص بدون مأوى في محيطهم الأسري، مهمة رئيسة ـ حسب محدثنا ـ في إطار مساعي وعمل وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، التي تركز على إدماج هذه الفئة اجتماعيا ومهنيا، والبحث عن إعادة الكثيرين إلى حضن عائلاتهم؛ حيث تفوق نسبة المدمجين في أسرهم، حسب السيد عمارة، 50 ٪ من مجموع الذين يستقبلهم المركز. و30 ٪ لا يُعرف عن ذويهم شيء، في حين أن 20 ٪ يفضلون مغادرة المركز بمحض إرادتهم بعد شهر أو شهرين من الإقامة به؛ إذ يوقّع قبل ذلك المعني على تصريح شرفي ويبصم عليه بعد الاطلاع على فحواه، يؤكد فيه عدم المبيت في الشارع، وهي حالات غالبا ما يكون هروبها إلى الشارع، بسبب نزاع عائلي حول الميراث وعدم حسن التصرف فيه، إلى أن يجد المعني نفسه بدون مأوى.

ويتسع المركز المتخصص لاستقبال الأشخاص بدون مأوى بالعاصمة، لاستقبال ما يفوق 60 شخصا، وهو يأوي حاليا أكثر من 30 مقيما من الذين لم يتم التوصل إلى تحديد أماكن إقامتهم، والوصول إلى ذويهم.

ويتكفل بهذه الفئة فريق متكامل من المؤطرين، منهم ملحقون من مديرية النشاط الاجتماعي؛ من مختصين في علم النفس، والاجتماع، وإداريين وطباخين، إلى جانب متطوعي الجمعية، الذين يتناوبون على العمل ليل نهار بمعية متطوعي جمعيات أخرى.

وأكد المحدث أن نظام المركز لا يقيّد حرية المقيمين به، ويمنح لهم حرية الخروج منه والدخول إليه، على أن لا يتعدى توقيت هذا الأخير السابعة والنصف مساء.

ويقدَّم للمقيم يوميا فطور الصباح، ووجبة الغداء، وقهوة المساء، ووجبة العشاء على الساعة الثامنة مساء.

وإذا أراد أحد الخروج والتجول فله الحرية في ذلك، لكن عليه أخذ بعين الاعتبار، مواعيد توفر وسائل النقل في حال ابتعاده عن الإقليم، خاصة في فصل الشتاء. كما يحاول القائمون على المركز بالتعاون مع المحسنين، إدماجهم في العمل؛ من خلال توفير مناصب شغل، ويدخل هذا في إطار الإدماج المهني.

ومن المقيمين من يستحسن البقاء طوال النهار في المركز. وآخرون يفضلون الخروج منه صباحا ثم العودة إليه آخر النهار. وبين هذا وذاك يجد كل واحد  منهم مأوى له، إلى حين خروجه من دائرة من لا مأوى لهم.