عبد الحميد عفرة المندوب الوطني للأخطار الكبرى لـ "المساء"

مقاربة جديدة في مجابهة الأخطار الكبرى على مدار 10 سنوات

مقاربة جديدة في مجابهة الأخطار الكبرى على مدار 10 سنوات
عبد الحميد عفرة المندوب الوطني للأخطار الكبرى
  • القراءات: 9724
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

❊ المندوبية تدعمت بكفاءات وتجهيزات رصد متطورة لتحقيق الاستباقية والتنبؤ بالكوارث 

❊ اقتنينا 2000 محطة لقياس نسبة التساقط ودراسات جارية لمواجهة حرائق الغابات

❊  أطلقنا دراسات بـ20 ولاية لتحديد درجة الهشاشة وطبيعة التدخل أثناء الكوارث

❊ الدولة تنفق سنويا زهاء 35 مليار دينار كتعويضات للمتضررين

❊ على المواطن أن ينخرط في منظومة المجابهة باحترام قوانين الطبيعة

يتحدث المندوب الوطني للأخطار الكبرى، عبد الحميد عفرة، في هذا الحوار الذي خص به المساء عن الاستراتيجية الوطنية لمجابهة الكوارث الطبيعية، وجملة التحسينات والتغييرات التي طرأت على قوانين المندوبية وتوسيع مهامها وصلاحياتها كي تكون حاضرة وفعّالة، وبما يستجيب للقوانين الدولية التي تتبنّ[ى مقاربة تحدد عدة أوليات تتمثل في فهم الأخطار، تسييرها والاستثمار فيها، مؤكدا أن مجابهة الكوارث الطبيعية لم يعد مجرد تدخّل مصالح الحماية المدنية، بل تعداها إلى الاستباقية والتنبؤ والتحضير والتجهيز للتقليل من حجم الأضرار وتخفيف الأعباء عن الخزينة العمومية.

❊ بداية مهمتكم التنسيقية بين عديد القطاعات سواء ما قبل أو أثناء أو بعد الكوارث، هل ترون أن هذا التكليف هو أقصى ما يمكن أن تفعله هيئتكم؟

❊❊منذ 2004 كانت المندوبية عبارة عن مشروع وتم استحداثها في 2011 وتم تنصيب أول مندوب في 2012، حيث وضعت المندوبية في البداية تحت وصاية الوزير الأول، نظرا لأهميتها وكلفت ببعض المهام أهمها التنسيق بين القطاعات الوزارية، التي كانت تتدخل خلال الكوارث بطريقة منفردة، فجاءت هذه الهيئة الجديدة لتنسق الجهود.

❊ هل كانت الصلاحيات المخولة للمندوبية والإمكانيات المادية والبشرية كافية لجعل هذه الهيئة فعّالة؟

❊❊ منذ إنشاء المندوبية في 2011، لم يكن لها الوسائل اللازمة للعمل من الموارد البشرية والمادية، وكانت طريقة العمل حينها تعتمد على توصيات مؤتمر هيوغو للأمم المتحدة باليابان في 2005، التي تتبنّى مقاربة رد فعلية في تسيير الكوارث، لكن منذ 1015 تغيرت النظرة من مرحلة تسيير الكارثة إلى مرحلة تسيير خطر الكارثة من رد الفعل إلى الفعل بما فيه التنبؤ، طبقا لتوصيات مؤتمر "سنداي" للأمم المتحدة في 18 مارس 2015، الذي كان لي الحظ للمشاركة فيه ضمن الوفد الجزائري،  لذلك فمنذ 2011 لم تكن صلاحيات المندوبية لا كافية ولا فعّالة، لكن اليوم بدأنا تغيير ومراجعة القانون وجلب الكفاءات وإنشاء شبكات الرصد والمراقبة، واقتناء تجهيزات متطورة لجعل عمل المندوبية فعّالا.

هل من تفصيل حول المقاربة والتوصيات التي جاء بها مؤتمر سنداي؟

❊❊ مؤتمر الأمم المتحدة العالمي الثالث المعني بالحد من أخطار الكوارث المنعقد في سنداي باليابان في الفترة بين 14 و18 مارس 2015، غيّر إطار العمل كليا وحدد أربع أولويات تتطلب ترجمتها من طرف الدول الأعضاء في استراتيجياتها الوطنية للحد من خطر الكوارث، وتتمثل الأوليات في فهم الأخطار، تسيير الأخطار، الاستثمار في الأخطار وثالثا التحضير والتجهيز والاستباقية والتنبؤ ورابعا التعافي والاستشفاء.

❊ معنى ذلك أن موافقة الجزائر على إطار عمل "سنداي" كان دافعا لمراجعة القوانين؟

❊❊ طبعا، قامت الجزائر بعد مؤتمر سنداي بمطابقة قوانينها ومراجعتها، سواء بالنسبة للتوصيات المتعلقة بفهم الأخطار، من خلال اعتماد البحث والتحسيس والتوعية، حيث أضفنا في مهام المندوبية صلاحية إمكانية القيام بالدراسات والأبحاث والمشاورات لفهم هذه المخاطر، بالعمل والتنسيق مع الجامعات ومراكز البحث، وهو ما يمكّننا من توظيف الكفاءات المختصة وتعديل ميزانية التسيير بما يتوافق والهيكلة الجديدة للمندوبية.

ونحن بصدد توظيف خبراء وباحثين لوضع الهيكل العام للمندوبية التي تضم 23 وظيفة عليا، ما بين رؤساء أقسام، مديرين، ومديرين فرعيين، ولم تعد عملية التدخل اليوم تقتصر على فِرق الحماية المدنية أثناء الكارثة، ولكن لابد من اعتماد الاستباقية التي تقوم على أساس الرقمنة والإنذار المبكر والتنبؤ، وكل هذا يتطلب تكنولوجيا وعتادا ووسائل مادية متطورة، وهو ما تقوم به حاليا المندوبية، من خلال إنشاء شبكة للرصد والإنذار المبكر سواء بالنسبة للفيضانات أو حرائق الغابات.

❊ تحصي الدولة 865 منطقة معرضة للأخطار مصنّفة ومعرّفة من حيث الحوض المائي، نوعية التربة، الغطاء النباتي ودرجة الانحدار، هل توجد دراسات لكل هذه المناطق؟

❊❊ أولا الاستراتيجية الوطنية للوقاية ومجابهة خطر الفيضانات المعتمدة في مجلس الحكومة في 18 أفريل 2020، حددت مستوى الخطر والمناطق المعرضة للكوارث ودرجة الخطر، وكل الأعمال التي يجب القيام بها في ظرف 10 سنوات منها النشاطات التنظيمية والفيزيائية، كشبكة صرف مياه الأمطار، السدود، منع البناء على صفاف الأودية، وبتحديد هذه العوامل يتم حساب وتقدير درجة أو معامل الهشاشة و"التعرّض" وعلى ضوئها يتم إعداد مخططات الوقاية، حيث أنه بضرب المعاملين السابقين نتحصل على درجة الخطر.

❊ هل كل المناطق المحصاة المعرضة للأخطار الكبرى أعدّت لها دراسات خاصه بها؟

❊❊ أطلقنا لحد الآن الدراسات في أكثر من 20 ولاية، بخصوص خطر الفيضانات لحساب درجة التعرض أو الهشاشة، ونفس الشيء بالنسبة لحرائق الغابات، التي توجد لها دراسات سابقة تحدد وتصنف كل الغطاء الغابي عبر الولايات،  المتربع على مساحة 4 ملايين هكتار.

❊ كيف يتم حساب درجة الخطر بالنسبة لحرائق الغابات؟

❊❊ يتم تحديد خطر حدوث الحرائق حسب نوعية الغطاء الغابي أو كما يصطلح عليه "البنزين النباتي" وتقدير "احتمالية نشوب الحرائق" وذلك بحساب نسبة الرطوبة، درجة الحرارة القصوى، سرعه الرياح واتجاهها، وكل هذه العوامل معرّفة الآن، وتسعى المندوبية لإنجاز دراسة تمكّن من إدماج هذه المعطيات للخروج بعمل ميداني يحدد مخطط الوقاية والتدخل، كوضع حواجز طبيعية لمنع مرور النيران من منطقة إلى أخرى، وتجنيد فرق التدخل.

❊ ما هي مراكز البحث والهيئات التي تعاقدتم معها لإنجاز هذه الدراسات؟

❊❊ بالنسبة للدراسات الخاصة بالفيضانات نقوم بها عن طريق الوكالة الوطنية للموارد المائية، بالتعاون مع الوكالة الوطنية الفضائية، بالتنسيق مع المندوبية التي لها حق إبداء الرأي، وكذلك بالنسبة لخطر لحرائق الغابات والزلازل.

❊ الإنسان في بعض الأحيان لا يتكيف مع منطق الطبيعة ويعرض محيطه وحياته للخطر؟

❊❊  بالطبع، الإنسان يقوم أحيانا بأشغال يتعدى فيها على الطبيعة التي يكون لها رد فعل عاجلا أو آجلا، فالإنسان هو الذي يحوّل الظاهرة الطبيعية إلى كارثة بسبب عدم اكتراثه بقوانينها، كالبناء على ضفاف الوديان، وفي مناطق ذات نشاط زلزال عالي دون احترام قوانين العمران، وغيرها من السلوكات التي تتعارض ونواميس الكون فتحدث الكارثة.

❊ كيف يمكن نشر ثقافة احترام قوانين الطبيعة، ومَن تقع عليه مسؤولية التوعية والتحسيس، وهل تتحمّل المندوبية جزءا من ذلك؟

❊❊أمام ضعف التطبيق الصارم لقوانين التعمير، كان لزاما على الدولة القيام بالتوعية والتحسيس عن طريق وزارة الداخلية، حيث وضعت المندوبية برنامجا لهذا الغرض عبر وسائل الإعلام الوطنية، خاصة ما تعلق بالإجراءات التي لابد من أخذها بعين الاعتبار قبل وقوع الكارثة، حيث نقوم بين ماي وأفريل، بحملات تحسيسية بالتنسيق مع الداخلية، الدرك الوطني، الاتصال، الحماية المدنية، الغابات والشؤون الدينية، لكن عدم احترام المواطن للتحذيرات من خلال النشرات الجوية الخاصة التي ترسل في أوانها للولاة والمؤسسات، يجعله يخاطر بحياته فلا يحترم التعليمات وتوجيهات مصالح الحماية المدينة، الدرك وغيرها، ولذلك نسجل دائما ضحايا بسبب هذه التصرفات سواء في الفيضانات أو الحرائق وغيرها.

❊ ما هي التوجيهات والتدابير التقنية التي تسدونها لمواجهة آثار فوضى العمران وغياب هندسة المدن؟

❊❊  المعروف أن سياسة العمران في بلادنا مقننة منذ 1990، من خلال قانون 90/29 عن طريق المخطط التوجيهي للتهيئة والعمران ومخطط شغل الأراضي في كل التراب الوطني، حيث تحدد القوانين المناطق غير القابلة للبناء وتلك القابلة للبناء وفق شروط تقنية، تحترم فيها طبيعة الأسس وعدد الطوابق وغيرها، لكن للأسف نسجل نقصا في تطبيق واحترام هذه القوانين وهو ما يسبب الكارثة في كل مرة.

❊ هل توظف المندوبية ممثلين لها على مستوى الولايات؟

❊❊في إطار إعادة هيكلة المندوبية طالبنا بإنشاء فروع تمثيلية للمندوبية في الولايات، لكن هذا الإجراء لم يتجسد في الميدان، فتوصلنا إلى حل يتمثل في اختيار ملحقين بديوان الولاية من مهندسين وإطارات كفأة يعيّنهم الولاة بصفتهم مكلّفين بالأخطار الكبرى بالولاية.

❊ ما هي المهام المنوطة بالمكلف بالأخطار الكبرى على مستوى الولاية؟

❊❊ المكلّف بالأخطار الكبرى على مستوى الولاية يعينه الوالي، بالارتكاز على المرسوم الوزاري 19 /59 المتعلق بمخططات النجدة الذي تضمّن استحدث هذا المنصب، ويقوم المكلف بجرد وإحصاء كل الأضرار التي تحدث بالمنطقة وإعداد خريطة المخاطر ورقمنتها، وهناك على مستوى كل ولاية خلية يقظة ورصد ينشئها الوالي، وهي تابعة للخلية الوطنية لليقظة ومتابعة الأخطار الكبرى التي تشتغل على مدارس الساعة، ومتكونة ـ حسب الحالة ـ من ممثلي وزارة الداخلية في الفلاحة، والموارد المائية للفيضانات والغابات الدرك، الأمن والحماية.

نحن على موعد مع موسم الأمطار الخريفية، ما هي الإجراءات والتحضيرات التي تقومون بها لمواجهة خطر الفيضانات؟

❊❊ككل موسم نقوم بمراسلة الولاة لتذكيرهم بالإجراءات الخاصة بتنظيف وتنقية المجاري المائية وشبكة صرف مياه الأمطار، وكذا القيام بالتحسيس والتوعية، ولما تكون هناك نشرة جوية خاصة مبكرة نقوم بمراسلة الولاة المعنيين وحتى الولاة غير المعنيين في الولايات الأخرى، ويقوم المكلّف بفضل التطبيقية الموجودة بحوزة الخلية الولائية بملء كل المعلومات آنيا سواء بنسبة تساقط الأمطار أو الأضرار المترتبة، كما تعمل المندوبية على تطوير هذه التطبيقية عن طريق برمجيات تمكّن من حساب الظاهرة وتقدّر ما إذا كانت ستتحول إلى فيضانات أم لا، وإبلاغها الجهات المعنية قصد التحسيس وتحديد طريقة التدخل.

ما هو المطلوب من المواطن والسلطات العمومية في مجابهة هذه الأخطار؟

الأمور معروفة.. فقانون "سنداي" يحددها ويحدد الأولويات وأولها فهم الظاهرة والاستثمار في الوقاية، لأنها مربحة جدا وغير مكلفة، والقاعدة الدولية تشير إلى أن استثمار دولار واحد في المرحلة القبلية يوفر للدولة 15 دولارا في مرحلة التدخل والإنفاق على التعويضات والمساعدات العينية.

كم تنفق الدولة سنويا جراء التعويضات والمساعدات التي تخلّفها الكوارث؟

❊❊ الدولة تبذل جهودا كبيرة وتنفق أموالا ضخمة تصل إلى 35 مليار دينار سنويا، كتعويضات ومساعدات مالية وعينية للمتضررين من الكوارث الطبيعية، لكن لو يتم استثمار جزء واحد من 15 جزء في عملية الوقاية، فإنه لا يكلف خزينة الدولة أكثر 2.3 مليار دينار يتم من خلاله توفير أموال طائلة.

* ما هي الوسائل التقنية التي تعملون على توفيرها لمجابهة أخطار حرائق الغابات؟

❊❊استطعنا ضمن التوجه الجديد للمندوبية تمكنا بالنسبة لمجابهة خطر الفيضانات اقتناء 2000 محطة رصد لقياس درجه التساقط، من صنع محلي، منها 1000 محطة لصالح الوكالة الوطنية للموارد المائية ومثلها للمرصد الوطني للأرصاد الجوية، أما بالنسبة لعملية الرصد والإنذار المبكر لأي اندلاع للحرائق، فقد كلفنا مركز بحث جزائري باقتناء  التجهيزات اللازم لرصد حرائق الغابات ونعوّل على الكفاءات الجزائرية لإنجاح ذلك.وعليه فإنه يتوجب على المواطن أن يكون يقظا وأن ينخرط في هذه المنظومة، علما أن إطار سنداي جعل من المجتمع المدني بصفة عامة طرفا فاعلا يشارك في إعداد الاستراتيجية الوطنية للوقاية من أخطار الكوارث الكبرى، ولذلك أدرجنا لأول مرة، المجتمع المدني ضمن تركيبة اللجنة التي تضم 34 عضوا منها الاتصال وكذا الجالية الجزائرية في الخارج.

كلمه أخيرة؟

❊❊أخيرا أود القول إنه لابد من إزالة أعباء الكوارث عن عاتق الدولة، وإقحام المواطن في معادلة الإسهام في التعويضات عن طريق تطبيق قوانين التأمين، فليس معقولا أن تقوم الدولة في كل مرة بالتعويض عن خسائر لا دخل لها فيها، فقانون التأمين الذي هو إجباري على كل مواطن يمتلك سكنا أو محلا تجاريا غير مطبق في الميدان، وبالتالي تتحمّل خزينة الدولة في كل مرة الأعباء كاملة، رغم أنها مطالبة فقط بمنح مساعدات وليس تعويضات، فهذه الثقافة لابد من تغييرها، ومعلوم أن التأمين في الخارج إجباري، ويساهم بشكل كبير في تعويض المتضررين، وإعادة الإعمار، ومثال ذلك ما حدث في تركيا جراء الزلزال المدمر، حيث وضعت شركات التأمين 50 مليار دولار تحت تصرف الدول للتعويض وهو ما يكفي لبناء دولة بأكملها.