زادها الإقبال على المساجد سكينة وجمالا

ليالي "العاصمة" في رمضان.. عبادة وتسوق وشيء من الفن

ليالي "العاصمة" في رمضان.. عبادة وتسوق وشيء من الفن
  • القراءات: 441
نسيمة زيداني نسيمة زيداني

يشهد وسط الجزائر العاصمة حركة كبيرة مع العد التنازلي لأيام الشهر الفضيل، وهذا ابتداء من شارع ديدوش مراد وصولا إلى ساحة الشهداء؛ حيث يزداد عدد المصلين القاصدين المساجد للصلاة وتلاوة الذكر الحكيم؛ سعيا منهم للتقرب إلى الله في أجواء نورانية، تدعو إلى السكينة والرحمة والمغفرة. وقد لاحظت "المساء" خلال خرجتها الميدانية، انتشارا كبيرا للنسوة في ليالي رمضان لاقتناء ألبسة العيد من المحلات التجارية، فيما يستمتع آخرون بالسهرات الفنية والترفيهية.

تشهد العاصمة، هذه الأيام، توافدا كبيرا من المواطنين ليلا، وتزاحما؛ حيث اختلفت وجهة كل واحد؛ فمنهم من اختار الفضاءات الرحبة؛ على غرار منتزه "المسمكة"، وشاطئ "كيتاني" لتناول وجبة الإفطار، والسمر إلى وقت متأخر من الليل. ومنهم من اختار التسوق من أجل اقتناء ملابس العيد، مشكّلين بذلك زحمة، امتزجت بنكهة رمضانية عاصمية مميزة، فيما فضّل الكثيرون التوجه نحو بيوت الله لأداء صلاة التراويح. ووسط هذه الأجواء الروحانية، حاولت "المساء" نقل تلك الصورة التي عمت شوارع وأحياء الجزائر الوسطى، والقصبة، وباب الوادي، والمعززة بحضور أمني؛ ما شجّع العائلات على البقاء خارج البيوت إلى ساعات متأخرة من الليل.

"ديدوش" و"حسيبة".. الوجهة المفضلة للفتيات والشباب

تجوُّلنا بشوارع ديدوش مراد بالجزائر الوسطى، جعلنا نلاحظ فتح المحلات التجارية لبيع الألبسة، التي تثير اهتمام النسوة خلال الأيام المتبقية من شهر الصيام؛ حيث تعج هذ الفضاءات التجارية بالعائلات بحثا عن كسوة العيد، صانعة أجواء جميلة. ومنهم من يقصد العاصمة لاقتناء الشاي والمكسرات، وحتى الحلويات.

وتُعد المحلات التجارية بديدوش وحسيبة المفضلة عند غالبية الفتيات والذكور على حد سواء؛ حيث إن جل ملابس الفتيات عبارة عن تشكيلة من التنانير الطويلة بالقصة الضيقة عند الخصر، مطبوعة بالورود من الأسفل بسعر 5000 دج، وهي من صناعة تركية. أما القمصان التي تتلاءم معها فسعرها ما بين 4000 و4200 دج. وقد رُسم على جانبها وردة باللون الأحمر.

أما السراويل القصيرة عند الكعبين، فشهدت زيادات؛ إذ وصل سعرها إلـى 4200 دج، خصوصا الملونة كالبنفسجي، و "البوردو"، و "السومون" بمختلف تدرجاته. وحجة البائع في كل مرة، أنها بضاعة جُلبت عن طريق "الكابة"، وهي مفقودة في السوق.

وقالت إحدى الفتيات كانت تلتقط صورة لفستان كي تضعه في مجموعة "فايسبوكية" ليعطوها آراءهم حوله: "لم أجد شيئا مميزا واستثنائيا لارتدائه في العيد؛ فجميع الملابس المعروضة في المحلات متشابهة".

"ميسونيي" وساحة الشهداء قِبلة الزوالية

الزيارة الثانية كانت إلى سوق "ميسونيي" . وما لفت انتباهنا خلال جولتنا هو عرض بعض المحلات بضاعة قديمة؛ فبعض الفساتين تم عرضها السنة الماضية قبيل عيد الفطر، وأعيد عرضها بنفس الأسعار؛ منها فساتين من "الشيفون" مطبوعة بالورود والأشكال المختلفة، وأخرى من الدانتيل بأسعار معقولة، وهي الأنواع التي تقبل عليها المحجبات بكثرة.

وبالمقابل، اكتفت بعض الفتيات بفحص الألبسة، والتقاط صور بالهاتف النقال لها، أو حتى تجريبها، ثم مغادرة المحل. وبسوق "الزوالية" بساحة الشهداء، كما يلقب، تختلف أسعار الثياب من المنخفضة جدا إلى الباهظة. وفي هذا السوق كانت الحركة شبه "مستحيلة" ؛ فقد غُصّ بالسيدات الوافدات عليه من مختلف الأحياء، بل وحتى من خارج العاصمة.

ومع أن الجودة كانت هي السمة الغائبة جدا عن الأثواب المعروضة، إلا أن الزبونات لم يأبهن بذلك؛ فكانت عبارة "الروبات" بـ 1200 دج كافية لجلب الزبونات، وهو نفس سعر القمصان "ليكات" . أما أسعار التنانير فاختلفت ما بين 700 دج للضيقة و1000 دج للواسعة و"البليسيه".

السلعة نفسها ولا جديد في الأسواق

سألنا أحد الباعة عن سبب تشابه السلعة؛ وكأنك في محل واحد! فردّ علينا بأنها موضة هذه السنة، والتجار يفضلون جلب البضاعة التي في متناول الزبائن؛ فمثلا بعض الملابس التركية مثل التنانير والفساتين "غالية جدا"، وهو ما يجعل الإقبال عليها قليلا؛ فالذي يتعامل مع الزبائن البسطاء يدرك أنهم يبحثون عن السعر ولا تهمهم الجودة والنوعية. أما إحدى الشابات التي اشترت سروالا بـ 1000 دج وقميصا، فالمهم بالنسبة لها هو ارتداء ملابس جديدة، فقط بسعر يتناسب مع ميزانيتها، وهي منحتها الجامعية.

ويبدو أن غلاء أسعار الملابس هذه السنة، كان نعمة على باعة "المحجاب" ؛ فقد شهدت محلاتها إنزالا من الفتيات، اللواتي شدتهن الموديلات الحديثة والجميلة لتشكيلات تشبه الفساتين بألوان رائعة وأسعار لا تتجاوز 3000 دج، وهو ما شجع الكثيرات على العودة إلى الحجاب بدلا من التجوّل والبحث عن ملابس وتنسيقها.

مسجد "السنّة" بباب الوادي بدون منازع

الملاحَظ ببلدية باب الوادي إقبال المصلين على مسجد "السنّة" لتأدية صلاة التراويح؛ حيث يعرف المسجد اكتظاظا يوميا لا مثيل له. ويقصده المصلون من مختلف الأحياء "العاصمية" ؛ للاستمتاع بقراءة الإمام" عبد الرحمان رحمون" صاحب الصوت الشجي، الذي تقشعر له الأبدان.

ونظرا للإقبال الكبير على هذا المسجد، فقد خصصت كل المساحات المجاورة له، مكانا لتأدية الصلاة؛ فالمار بباب الوادي تشده تلك الحركة الكبيرة، وتسارع المصلين إلى هذا المسجد، الذي أصبح مقصدهم المفضل؛ بسبب الفصاحة التي يتميز بها الإمام الذي يؤم المصلين في صلاة التراويح، وتمكنه في قراءة آيات القرآن الكريم بدون أخطاء، مع صوته الشجي في الترتيل.

ولم يعد إقبال المصلين على مسجد "السنة"، يقول البعض، مقتصرا على سكان الحي أو الأحياء المجاورة، بل تعدى صيت الشيخ القارىء أبعد من ذلك؛ لأن بعض سكان الولايات المجاورة يقصدونه كذلك؛ فبمجرد الانتهاء من تناول الفطور اعتاد البعض على تأدية صلاة التراويح في هذا المسجد منذ مدة طويلة؛ باعتبار أن المقرئ فصيح ولا يخطئ في القراءة، إلى جانب تلاوته العطرة، وهو ما جعل الحاضر يبلّغ الغائب.

ومع مرور السنوات أصبح لهذا المسجد طابع خاص، جعل المصلين يتوافدون عليه من كل حدب وصوب؛ يقول "محمد. ف« أحد المترددين على هذا المسجد خلال شهر رمضان: "أنا أقصد هذا المسجد منذ عدة سنوات لتأدية صلاة التراويح. وقد اعتدت على ذلك. وما يشدني إليه الصوت القوي للشيخ، وقراءته المميزة".

حفلات شعبية بساحة "البريد المركزي"

تعيش ساحة "البريد المركزي" أجواء مميزة تزامنا مع أيام الشهر الفضيل؛ حيث تعرف إقبالا كبيرا من المواطنين من مختلف البلديات؛ للاستمتاع بالنشاطات الفنية والترفيهية التي تنظمها مؤسسة فنون وثقافة لولاية الجزائر، في إطار نشاط مدينة الجزائر خلال العطل المدرسية والأعياد والمناسبات الدينية والوطنية.

ويعرف المكان، حسبما لاحظت "المساء"، حركة كبيرة تزامنا مع شهر رمضان المبارك. فبعد خروج عابري السبيل الذين يتناولون وجبة الإفطار في مطاعم الرحمة، وبعد صلاة التراويح في حدود الساعة العاشرة ليلا، تُخرج المدينة أثقالها، لتعج بحشود من العائلات؛ للاستمتاع بالحفلات "الشعبية" المنظمة كل يوم.  ولا يمكن المرءَ أن يجد مكانا يجلس فيه من كثرة الازدحام في الفضاءات الخارجية. وتبقى ساحة البريد المركزي نقطة الالتقاء خلال شهر رمضان، بفضل وفرة وسائل النقل، خاصة "الميترو" نزولا بمحطة "أودان"، وهو ما مكّن أصحاب البلديات المجاورة من التجول في أمان خلال السهرة؛ باعتبار أن وسائل النقل لم تعد عائقا.