يعمل الحرفيون على ضمان دوام صناعته

المهراس.. إرث حضاري لا يفرّط فيه أهل الحضنة

المهراس.. إرث حضاري لا يفرّط فيه أهل الحضنة
  • القراءات: 530
دنيا. م دنيا. م

لاتزال حرفة صناعة المهراس الخشبي تحافظ على ريادتها بمنطقة الحضنة، كأداة حصرية لتحضير طبق "السلاطة مهراس" أو "الزفيطي" ، وفق تسمية أهل الحضنة، أو "الباطوط" ، حسب تسمية أهل طبنة "ريكة". ويتوارث الحضنيون صناعة المهراس الخشبي جيلا بعد جيل. ولم تتمكن مختلف الظروف سواء الناتجة عن التقدم الصناعي أو أخرى، في التأثير على إنتاج واستعمال هذه الأداة التي يحضَّر ويؤكَل فيها الطبق في نفس الوقت.

تعرف حرفة صناعة المهراس في منطقة الحضنة، إقبالا ملحوظا؛ حيث لاتزال هناك ورشات مفتوحة، تعمل على صنع هذه الأداة التي تمر عبر مراحل عديدة؛ من أجل الحصول على شكله النهائي. ويختصرها عمر فوضيلي، حرفي في المجال من مدينة بوسعادة بولاية المسيلة، بالقول: "إن صناعة المهراس قد تستغرق أسبوعا كاملا حتى يكون جاهزا؛ إذ يعمد الحرفي إلى البحث مطولا، لاختيار الجذع المناسب لنحت المهراس، على أن يكون هذا الجذع، عادة، لشجر البلوط، أو الصنوبر، أو الكاليتوس، أو اللوز في أحيان أخرى".

وأضاف أن "العمل على الجذع يكون باختيار حجم مناسب حسب الطلب. ويُشرع في إزالة الزوائد وتحضيره لعملية الحفر؛ حيث يتم تثبيته في موقع خاص، لتبدأ عملية الحفر الداخلي للجذع بشكل دائري، لبلوغ مهراس قطره حوالي 20 إلى 25 سم".

وأوضح المتحدث أن صناعة المهراس تتم يدويا بالاعتماد على أدوات بسيطة في غالب الأحيان، تتلخص في مطرقة وسندان، وقادوم، ومسحج ومثقاب يدويين.

ويتعامل الحرفي بكل دقة وحذر مع الجذع المراد حفره؛ خوفا من تشققه أو أن يصبح غير صالح للاستعمال، فيذهب المجهود سدى، ليتم بعد ذلك صنفرة الخشب وتحضيره لأخذ شكل المهراس، ثم تبدأ مرحلة أخرى، وهي وضع المهراس في موقد لحرق الجهة الخارجية، ومن ثم صباغته بلون يكون حسب طلب الزبون، وغالبا ما يكون بنّيا أو مزيجا بين البني والأسود.

وأكد، من جهته، عياش دخوش، حرفي في صناعة المهراس الذي يتخذ من منطقة خباب ببلدية السوامع بولاية المسيلة، موقعا لورشته، أن تكلفة المهراس تختلف حسب حجمه أو نوع الخشب المصنوع منه؛ ما يصل إلى 2000 دينار أو حتى 12 ألف دينار بالنسبة للمهراس المصنوع من شجرة البلوط أو ما يُعرف عاميا بـ "الكروش" بالنظر إلى صلابته وجودته. ويليه المصنوع من شجر الصنوبر، ثم تأتي الأنواع الأخرى.

وفي هذا السياق، أكد مبرود دفي رئيس الجمعية البوسعادية الخيرية لتطوير الصناعات التقليدية، أن حرفة صناعة المهراس لاتزال تحافظ على مكانتها في المجتمع البوسعادي. ويعمل الحرفيون على ضمان توارث هذه الحرفة بين الأجيال، وترقيتها، والتعريف بها، والترويج لها من خلال المشاركة في المعارض والمناسبات المختلفة.

وأشار عمار توامة، وهو تاجر في محل يقع بسوق الصناعات التقليدية في مدينة بوسعادة، إلى أن الإقبال على اقتناء المهراس لم يصبح حكرا على أهل المنطقة، بل أضحى يجذب زوار المدينة من السياح. وأضاف أن مهمة التجار والحرفيين هي الترويج للمهراس رغم هامش الربح "البسيط"، على حد قوله.

وخلال جولة في سوق الصناعات التقليدية، التقينا أحمد، وهو سائح قدم من الجزائر العاصمة خصيصا لاقتناء المهراس، قال: "أصولي تنحدر من مدينة بوسعادة، ولا يمكننا التفريط في المهراس بالمنزل"، مضيفا أنه من الأواني الأساسية في كل بيت، خاصة خلال فصل الشتاء.

وأكد مدير السياحة والصناعات التقليدية بولاية المسيلة، رياض قاسيمي، أن "المهراس يمثل جزءا وإرثا حضاريا وتاريخيا؛ لارتباطه الوثيق بالعادات القديمة للمجتمع المسيلي، وأنه لا يُستغنى عن هذه الآنية الخشبية في المطبخ المسيلي إلى اليوم".

كما أبرز أهمية الحفاظ على هذا النوع من الصناعة التقليدية عن طريق المساهمة في تكوين وتأهيل الحرفيين المختصين في مجال صناعة الأواني الخشبية، وكذا إقامة معارض وتظاهرات ترويجية للمنتجات التقليدية، وخاصة الأواني الخشبية التي تعاني من ضعف التسويق.

وللحفاظ على البيئة والغطاء الغابي اعتبارا من أن صنع المهراس الخشبي قد يضر بشكل أو بآخر بالثروة الغابية إذا تم قطع جذوع الأشجار بطريقة عشوائية، أوضح المكلف بالإعلام بمحافظة الغابات محليا، علي بن زاهية، أن قانون الغابات 21/23 المؤرخ في 23-12-2023 يمنح رخصا خاصة باستغلال هذه الفئة؛ من أجل تماشي ديمومة الغابة مع الدور الاقتصادي لها؛ حيث تم تشكيل جمعية منتجي الخشب في كل ولاية؛ لكي تمارس نهجا تشاركيا في إدارة الغابات، مضيفا أن هذه الرخص يتم الحصول عليها عبر مزايدات لبيع الخشب، لصالح الحرفيين والتجار والنجارين.