بعدما تراجعت أدوارهم في العائلة الممتدة

المسنون.. من ضبط بوصلة الأسرة إلى تهميش قاتل

المسنون.. من ضبط بوصلة الأسرة إلى تهميش قاتل
  • القراءات: 394
رشيدة بلال رشيدة بلال

أثرت التغيرات التي عرفها المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة على أدوار المسنين، لاسيما بعد تلاشى مفهوم الأسرة الممتدة أو الكبيرة، ما تسبب في تهميش المسنين، خاصة فئة الرجال، حيث أصبحت حياتهم اليومية منقسمة بين المساجد والمقاهي والحدائق العمومية وإثارة النزاعات، في ظل الفراغ الذي يعيشونه، بينما ذهب آخرون إلى البحث عن فرص عمل أخرى لدعم القدرة الشرائية. والسؤال المطروح: "هل حقيقيةً تغير المجتمع، وهو الذي أسهم في تهميش المسنين اجتماعيا، بعدما كان ينظر إليهم أنهم بركة المنازل"؟ 

يرى المختص في علم الاجتماع، الأستاذ حسين زوبيري، في معرض حديثه مع "المساء"، بأن التغيرات التي عرفها النسق الاجتماعي الجزائري، في السنوات الأخيرة، أثر بشكل كبير على الأدوار الهامة، التي كان يلعبها المسن في الأسرة الممتدة، والتي كانت تسمح له بالقيام ببعض المهام، على خلاف ما يحدث اليوم، حيث فقد كل أدواره، بما في ذلك الدور التربوي، بسبب الانقسام الذي حدث في الأسرة، والانتقال إلى مفهوم الأسرة النووية المكونة من الأب والأم والأبناء.

يشرح المختص الاجتماعي بقوله: "في ما مضى كانت الأسر التقليدية أو الكبيرة تشكل منظومة اجتماعية متماسكة، حيث مارس الآباء والأمهات مهامهم بشكل طبيعي، وبعد كبرهم أصبحوا يمارسون ما يسمى بالضبط الاجتماعي، حيث كان عملهم بمثابة المراقبين، فمثلا الجدة كانت تحل محل الروضات والمربيات، وكان الجد هو المسؤول على إدارة شؤون البيت.

إلا أن التغيرات التي عرفها المجتمع، خاصة ما تعلق منها بالانتقال إلى العيش في عمارات لا تتسع للعائلة الكبيرة، أثر على الأدوار الاجتماعية الكلاسيكية للمسنين، وغابت حتى البركة من المنازل، وبعدما كان الجد والجدة يعتبران استمرارا وامتدادا للتربية في الأسرة، أصبح دورهما ضيقا جدا، محصورا في الزيارات العائلية في بعض المناسبات  المحدودة"، ما يعني، حسب المختص الاجتماعي، بأنهم "تحولوا إلى مزار موسمي يلجأ إليه أفراد العائلة، لإحياء الروابط الاجتماعية الدينية، بالتالي فإن دور المسنين، سواء الجد أو الجدة، في السنوات الأخيرة، تراجع بشكل ملحوظ وطالهم التهميش إلى حد كبير".

من جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أنه تبعا للملاحظة في الأحياء، فإن حياة المسنين من فئة الرجال، أصبحت مشتركة في عناصر معينة، ممثلة في النهوض باكرا والذهاب إلى المقاهي أو المساجد وإثارة بعض المشكلات، بحكم التقدم في العمر، وكذا التجمع في الحدائق العمومية أو ممارسة بعض الألعاب الشعبية لشغل وقتهم، مثل لعب الدومينو".

ولكن ما يمكن التأكيد عليه "أن الاستعدادات الثقافية والاجتماعية لهؤلاء المسنين، هي التي عززت لديهم هذه الأدوار وأسهمت في تهميشهم"، لأن المسنين في الجزائر يرفعون شعار "ميت قاعد"، لذا فإن الكثيرين لا يرغبون في مغادرة مناصب عملهم، لأنهم غير مهيئين لمرحلة ما بعد التوقف عن العمل أو مرحلة الشيخوخة، نتيجة التقاعد، لأنهم سيتعرفون على المجتمع بشكل مختلف، لم تسمح لهم ارتباطات العمل باكتشافه، بالتالي يردف المتحدث: "حالة الفراغ تجعل الكثيرين يصابون باضطرابات نفسية، وفي غياب الاستعداد لهذه المرحلة الانتقالية، يجدون صعوبة في الاندماج والتكيف، الأمر الذي يقودهم إلى الانعزال في بعض المرافق لإمضاء الوقت، خاصة بالمساجد والمقاهي، بينما يتجه آخرون إلى البحث عن عمل لتغطية بعض الاحتياجات"، لافتا إلى أن "المسنين في المجتمع الجزائري يعيشون حالة من التهميش، لفقدانهم الأدوار التي مارسوها على مدار سنوات".

يعتقد المختص الاجتماعي الأستاذ زوبيري، بأن "تغير حالة هذه الفئة مرهون بالمسنين في حد ذاتهم، من خلال البحث عن سبل لتعزيز أدوارهم الاجتماعية، ورفض حالة التهميش التي أسهمت في تفشيها المنشآت العمرانية التي عززت النزعة الفردانية، مؤكدا بأنه بعيدا على التغيرات الاجتماعية، نجد بأن الأساس الاجتماعي والديني لا يزال يحفظ القليل من الاهتمام العائلي اتجاه هذه الشريحة من المجتمع، باسم صلة الرحم.