في الوقت الذي تتهم فيه المرأة بتعطيل حركة السير

الرجال أكثر تسببا في حوادث المرور

الرجال أكثر تسببا في حوادث المرور
  • القراءات: 1834
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة
قيادة السيارة فن ومسؤولية، من هذا المبدأ والشعار ينطلق المرشحون للحصول على رخصة السياقة، في رحلتهم لتعلم مهارات القيادة بغض النظر عن أعمارهم، لكن ما نرصده ويحدث في الشارع اليوم بات يأخذ ذلك المنعرج الخطير بسرعة فائقة، فعدد كبير من السائقين لا يلتزمون بقواعد المرور بعد فترة قصيرة من نيل الشهادة، مما يتسبب في الكثير من الحوادث الخطيرة وأحيانا المميتة، ليبقى الرجال والنساء يتبادلون الاتهامات حول الأفضل في القيادة على الطريق، لتكون الأفضلية ـ حسب البعض ـ للرجال الذين هم في الوقت نفسه يتربعون على عرش المتسببين في الحوادث المرورية القاتلة بسبب تهورهم، وتبقى المرأة وراء أزمات السير بسبب خوفها وتأنيها على الطريق.
إن مسؤولية تعلم قواعد المرور تبدأ من مدارس تعلم السياقة، والتأني في الحصول على شهادة السياقة يجعل الفرد يتعلم من أخطائه ويجتاز الاختبار بتفوق، هذا ما أوضحه بعض الطلبة خلال اجتيازهم لاختبارهم بدرارية مؤخرا، مؤكدين أن التسامح مع الطالب خلال هذه المرحلة وغض النظر عن بعض أخطائه خلال الامتحان لا تخدم مصلحته، كما يعتقد البعض، وإنما قد يودي ذلك بحياته وحياة أشخاص آخرين عند خروجه إلى الطريق لجهله أسس القيادة السليمة.
لا يمكن أن نغفل الدور المهم والحيوي الذي تلعبه مدارس تعليم السياقة سواء الخاصة أو العمومية، في بناء روح المسؤولية على الطريق في نفوس طلابها، وما تنظمه من دروس وأساليب لتحسين عملية تدريب سائقين متمكنين قادرين على القيادة بشكل جيد، مما يساهم في تقليل الحوادث، مع عدم التغاضي عن الأخطاء التي قد تتسبب مستقبلا في حوادث الطرق، فهذه الصرامة مع المرشحين تصب في مصلحة المجتمع ككل.
ويطمح بعض الطلبة خلال اجتيازهم لامتحان رخصة السياقة، إلى أن يكون ممتحنهم شخص لين ولطيف يتسامح معهم ويغض النظر عن بعض الأخطاء التي يقومون بها خلال الاختبار، في حين ينتابهم شعور بالفزع والقلق عندما يصادفهم ممتحن صارم لا مجال معه لأبسط الأخطاء، وهي الذهنية التي انتشرت منذ القدم وسط الطلاب، متناسين أن الامتحان هو للتفوق الشريف ومسؤولية على الطريق وليس مجرد امتحان بسيط لنيل شهادة عبارة عن قطعة من الورق فقط.
يعد تعلم السياقة من الأهداف التي يسطرها كل فرد داخل المجتمع مهما كان مستواه الدراسي ومهما كان وضعه المالي،  سواء كانت لديه مركبة أو لا، ويعد فن السياقة ضرورة من جهة ومسؤولية من ناحية أخرى، تتمثل في حسن اجتياز هذا الاختبار مع التركيز التام حتى يحسن طالب رخصة السياقة فهم وتعلم قوانين المرور للعمل بها على الطريق وليس فقط لاجتياز الاختبار بها والنجاح، ثم نسيانها.
اقتربنا من صبرينة 50 سنة، مقبلة على اجتياز رخصة السياقة من الصنف "ب"، كانت تتأهب للصعود مع الممتحن لاختبار القيادة، كان التوتر باديا على وجهها، لاسيما أنها المرة الأولى التي تجتاز فيها هذه المرحلة من الاختبار، أوضحت لنا قائلة: "أتمنى عدم الفشل في هذه المرحلة، لكن في نفس الوقت إذا رسبت سأقول في نفسي بأنني لا أستحق هذه الرخصة مادمت لا أحسن القيادة أو ارتكبت أخطاء قد أجدها بسيطة وساذجة إلا أنها على الطريق وعند السياقة قد تكون سبب حادث مرور أؤذي به نفسي أو عائلتي أو أشخاصا آخرين".
من جهته، أوضح زبير 25 سنة، يتأهب لاجتياز رخصة من صنف "ج" ورسب في امتحان القيادة مرتين، في المرة الأولى بسبب عدم استعماله للضوء الوامض عند تركه لمكان توقفه، والثانية بسبب عدم استعماله حزام الأمن قبل الانطلاق، ولقد اعترف الطالب أن كلا الخطأين غير مسموح بهما، فكلاهما يمثلان خطرا على السائق وسائقي المركبات الأخرى في آن واحد، فعدم استعمال الوامض عند الخروج من مكان التوقف لتحذير المركبات القادمة من الخلف لا تسمح لهذا الأخير بتنبؤ الخطر والتخفيف من السرعة، مما يجعل السيارتين تصطدمان وقد تخلفان ضحايا، لاسيما إن كانت السيارة من الخلف قادمة بسرعة فائقة.
اقتربت "المساء" من طالبة 22 سنة، مجتازة لصنف "ب"، كانت جالسة على الرصيف وأخذت في البكاء بسبب فشلها للمرة الثالثة في اختبار القيادة، قائلة بأن ذلك مضيعة للوقت، وأنها مجرد أخطاء بسيطة ترتكبها بسبب التوتر، ففكرة رفضها للفشل جعلتها تظن أن الممتحن تعمد عدم إنجاحها لأنه، حسبها، غير لطيف وكان بإمكانه غض النظر عن الخطأ إذا كان بسيطا.

للأسف "البحر يدي العوام"

وعلى صعيد آخر، يقول أحد المهندسين بمدرسة عمومية لتعلم السياقة، أن بعض المدارس عليها تحمل جانب من مسؤولية الحوادث المرورية، لأن الأمر بات واضحا لأن بعض المدارس أصبح لها هدف واحد، وهو الربح فقط، وبات الضمير لا يؤنبهم في عدم تعليم الطلبة الأساليب الصحيحة للقيادة السليمة، والتساهل مع الطلبة، ليكون أحيانا نجاحهم مجرد "صدفة"، حتى ينطلقون بمركباتهم في الطرق مشكلين خطورة حقيقية على السلامة المرورية.
وأوضح نفس المتحدث أنه لا يمكن القول بأن الممتحن جيد أو يتميز بالسلبية، لأن عمله يأخذه على محمل الجد ومسؤوليته تكون أمام الله، ثم أمام العبد في تسليم أو عدم تسليم الشهادة، وأن الخبرة الواسعة لهؤلاء الممتحنين تجعلهم يتبنون نوعا من المعرفة التي تجعلهم فور حديثهم مع السائق المجتاز للشهادة عما إذا كان تحت تأثير التوتر فقط أو أنه يجهل أسس السياقة وقواعد المرور، مما يجعلهم يرسبون بعض المرشحين لأبسط الأسباب، ليس لأنه لا يحب المرشح أو لأنه ليس في مزاج جيد، كما يعتقد البعض، لأن الامتحانات الخاصة تتضمن عدة مهارات، على غرار الركوب الآمن، التصرف الآمن داخل المركبة، التعامل مع باقي المركبات على الطريق، ربط حزام الأمان، استخدام المرايا لمراقبة باقي المركبات الخلفية، معرفة أنواع إشارات المرور، وآداب الطريق واحترام نظام المرور.
وعن الأسباب الحقيقية للرسوب في امتحان السياقة، تكون عديدة وعلى رأسها الخوف والارتباك، بالإضافة إلى الاستعجال في دخول الامتحان، لأن معظمهم غير ملمين بشكل كامل بمهارات القيادة، فيؤدي في نهاية الأمر إلى الرسوب، خصوصا أن الممتحنين لديهم تعليمات واضحة في هذا الشأن، بالتدقيق في أسلوب قيادة الممتحن وعدم التغاضي عن أي خطأ حفاظا على أرواح مستعملي الطريق والمساهمة في التقليل من حوادث المرور.
من جهته، يقول "سمير.م" مهندس في مدرسة خاصة لتعليم السياقة بشارع حسيبة بن بوعلي، بأن هناك اتهامات متبادلة  تدين المرأة بتعطيل حركة وسير المرور، وتلصق بالرجل صفة المتهور صانع الحوادث المروعة على الطريق، وهي حقيقة منذ سنوات عديدة، وأن الرجال لاسيما الشباب، وراء أكبر عدد من الحوادث المرورية، ويتسببون فيها بعد سنوات قليلة من حصولهم على شهادة السياقة، فبمجرد مرور سنوات على نيلهم شهادة السياقة ينطلقون في الطريق كأنهم في سباق السيارات "الفورمولا"، ويؤكد المتحدث أن القيادة ذوق وفن وأخلاق، ويضيف من يتخلف عن تلك القواعد سواء كان رجلا أو امرأة، يقع عليه اللوم، وعلى مدارس تعليم السياقة التحلي بروح المسؤولية أمام الخالق في تعليم المرشحين الأسس السليمة لثقافة القيادة حتى تترسخ لديهم طيلة حياتهم ولا يتناسون تلك القواعد بعد سنوات قليلة، لأنه ـ كما يقول ـ المثل الشعبي "البحر يدي العوامة" فالشخص الذي يظن نفسه قادرا على التحكم في مركبته، رغم السرعة الجنونية التي يستعملها وتؤدي بحياته إلى التهلكة وحياة من حوله من السائقين والركاب الآخرين.