أمام تراجع المقروئية داخل الأسر

التكنولوجيا ليست خير جليس

التكنولوجيا ليست خير جليس
  • القراءات: 496
رشيدة بلال رشيدة بلال

أجمع المختصون على تراجع المقروئية في السنوات الأخيرة بفعل التكنولوجيا التي جعلت البحث على المعلومة سهلا، حيث يكتفي الفرد بكتابة المطلوب على محرك البحث لتكون المعلومة في أي موضوع كان حاضرة في ثواني، ومع هذا يعتقد أصحاب الاختصاص أنه رغم كل التسهيلات التي تؤمنها التكنولوجيا، إلا أنها لا يمكن أن تحل محل الكتاب الذي لا يزال حضوره ضروريا رغم قلة الطلب عليه، وبحاجة لأن توليه الجهات المعنية ممثلة في وزارة التربية والثقافة مساحة أكبر من الاهتمام وجعله أولوية.

إن كنت ترغب في معرفة نسبة المقروئية يكفي أن تطرح سؤالا بسيطا على أي كان من عامة الناس، وهو متى كان آخر كتاب قرأته؟، وفي هذا السياق، رصدت "المساء" إجابات تصب في وعاء واحد وهي: "لست أدري متى كان آخر كتاب اطلعت عليه"..  بينما أشار بعض المتمدرسين والطلبة الجامعيين إلى أن الكتاب الوحيد الذي يتم حمله هو الكتاب المدرسي للقيام بالواجب أو التحضير للاختبارات، مرجعين ذلك إلى الهاتف النقال وما يحتويه من مواقع وأخبار نافست الكتاب وجعلت حمله لمجرد تصفحه أمرا صعبا.

تنقلت "المساء" إلى المكتبة البلدية، للبحث عن محبي المطالعة فكانت المفاجئة أيضا; حيث أكدت المشرفة على تسيير المكتبة بأنه على الرغم من توفر المكتبة على كم هائل من الكتب في تخصصات مختلفة، إلا أن الوافدين عليها محصور في بعض الطلبة الجامعيين وتلاميذ المدارس، من الذين يكلفهم معلموهم بالقيام ببعض البحوث من خلال البحث في الكتب، وبعيدا على هؤلاء من الصعب أن نجد الإقبال على المكتبة بغية المطالعة، وحسبها فإن مثل هذه المكتبات تصارع التكنولوجيا للبقاء من خلال توفير من عناوين لما يبحث عنه طلبة المدارس والجامعات.

هذا رأي أهل الاختصاص...

يقول الكاتب والمترجم محمد ساري، بأن الحديث عن المقروئية في الجزائر، يتطلب وجود إحصائيات يجري الاعتماد عليها لأخذ صورة واضحة، وأنه في غياب الإحصائيات من الصعب القول أن المقروئية تراجعت هذا من ناحية، ومن جهة أخرى يردف المتحدث "يجب أيضا الاحتكاك بدُور النشر التي تعتبر وسيلة أيضا لمعرفة نسبة المقروئية من خلال الاطلاع على ما تم طبعه وبيعه، مشيرا الى أنه فيما مضى كان الناشر يطبع أكثر من 5 ألاف نسخة ويتم بيع 3 آلاف نسخة، واليوم فإن أحسن الناشرين يطبع 100 نسخة، ولا يتم بيعها وإنما يتم توزيعها، ما يعكس تراجع الاهتمام بالكتاب قبل الحديث عن المقروئية.

يستحيل قراءة كتاب من خلال الوسائل التكنولوجية وإنما هو تصفح فقط

من جهة أخرى أشار المتحدث، الى أن التكنولوجيا حقيقة أضعفت نسبة المقروئية، ولكن في المقابل نجد ما يسمى بالكتاب الرقمي، الذي أصبح يباع عبر منصات التواصل الاجتماعي في الدول الأجنبية، ما يعني أن الكتاب لا يزال مطلوبا ويعكس وجود مقروئية، أما في الجزائر، فلا وجود لرؤية واضحة حول الكتاب المطبوع أو الكتاب الرقمي، الأمر الذي يجعل من الصعب معرفة إن كانت هناك مقروئية من عدمها. يقول: "وأكثر من هذا ما يحدث عن طريق التكنولوجيا لا يسمى مطالعة وإنما تصفح، لأنه من المستحيل في رأيي قراءة كتاب بالفضاء الافتراضي، وإنما نكتفي بقراءة فقرات فقط"، لافتا الى أنه لا وجود للقراءة عبر التكنولوجيا،

وإنما هناك ما يسمى بالتصفح، ويتم التركيز فيه على الصورة وليس النص المكتوب، وقال: "وهذا يوضح انطلاقا من تجربة شخصية، فعندما أنشر مقالا  أو ترجمة على صفحتي يكون التفاعل ضعيفا، وعندما أنشر صورة يكون التفاعل كبيرا، ما يعني بأننا اليوم بفعل التكنولوجيا انتقلنا من عصر القراءة والمطالعة إلى عصر الصورة، الأمر الذي أثر حتى على لغة التواصل بين الأفراد".

من جهة أخرى أعرب المترجم ساري، عن أسفه للتغيرات الحاصلة، التي تسببت في تراجع لغة التواصل بين الأفراد، وتفشي العنف بسبب ضعف القدرة على التعبير، وقال: "فصعوبة التعبير باللغة يدفع بالفرد إلى استعمال أسلوب آخر مثل: الشتم والسب واستعمال الأيدي". لافتا الى أن المسؤولية مشتركة من طرف الأسرة والمدرسة والمؤسسات الثقافية، وحسبه فإن تراجع المكتبات في السنوات الأخيرة، وانتشار عدد كبير لمحلات الأكل السريع، يعطي صورة واضحة على حال المجتمع.

الأسر تتخلّى عن تربية الأبناء على القراءة

من جهتها أكدت سلمى هلال، صاحبة دار النشر البرزخ في معرض حديثها، بأن المشكل المطروح ليس في التكنولوجيا فقط، بل إن الكتاب في حد ذاته لم يعد بالشيء المهم في المؤسسات التربوية والجامعات، ولم يعد يشكل أولوية تقول "بدليل أن الطلبة الجامعيين وحتى تلاميذ المدارس لا يحملون كتاب يقرؤونه"، مشيرة الى أن الأسر اليوم لا تربي أبناءها على المقروئية، وفي المقابل تدفع بغلاء الكتاب كمبرر لتراجع المقروئية، ما يعزز فكرة أن الكتاب لا يشكل أولوية"، موضحة "وعلى العموم فإن دور النشر منذ جائحة كورونا تراجعت بشكل كبير وجعلت المبيعات تتراجع بنسبة 50 بالمائة".

من جهة أخرى أشارت المتحدثة، بأن البعض يقر بأن المعرض الدولي للكتاب يعكس اهتمام المجتمع الجزائري بالمقروئية بالنظر إلى الإقبال الكبير عليه لاقتناء الكتب، ولكننا كدور نشر نعتقد العكس، لأن  اقتناء كتاب واحد مرة واحدة في السنة  بالمعرض الدولي لا يعني بأن هناك مقروئية، تختم المتحدثة"، وبالتالي أعتقد أن هنالك صعوبة في المقروئية، ونحن كدور نشر لدينا صعوبة في الطبع والنشر، وأن تراجع المقروئية مبررة بفعل التكنولوجيا من جهة، ولكون الكتاب لا يحظى بالأولوية في حياة المتمدرسين وطلبة الجامعات، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في السبل التي تجعل الكتاب أولوية من خلال الترويج له لاستقطاب القراء.