"أقراو تلاوين" تخطّت العوائق

مسار استثناني لنساء رفعن تحدي الغناء

مسار استثناني لنساء رفعن تحدي الغناء
  • القراءات: 363
ق. ث ق. ث

بوزقان (على بعد أكثر من 70 كيلومترا بأقصى جنوب شرق ولاية تيزي وزو) والتي فازت بالجائزة الخاصة بلجنة تحكيم مهرجان الغناء التقليدي النسوي "أورار الخالاث" في طبعته الثانية هذه السنة، قصةَ مسار استثنائي لنساء ريفيات، عزمن على عيش هوايتهن في الغناء رغم العوائق.

فرقة "أقراو تلاوين" (مجموعة أو تجمع نساء) المتخصصة في الغناء التقليدي والتي تضم 15 امرأة معظمهن سيدات مسنات، هي حكاية قرويات رسمن طريقهن نحو النجاح والتألق بثبات ووعي بقيمة الموروث الثقافي الذي يحتفظن به لإيصاله للأجيال الناشئة. ويعود الفضل لهن في الحفاظ ونقل وتثمين الأغاني النسوية القديمة، أو ما يسمى في المنطقة "أورار الخالاث"، وهو التراث الثقافي غير المادي الموروث عن الأمهات، أوّلا داخل قريتهم تاكوشت، ثم بتقديمه للعالم على خشبة مسرح دار الثقافة "مولود معمري"، وأمام وسائل الإعلام.

وتُوّج هذا المسار في عام 2023 بالجائزة الأولى للطبعة الأولى من مهرجان "أورار الخالاث" الذي أطلقته مديرية الثقافة والفنون لتيزي وزو، ثم حصولهن في طبعة هذه السنة من نفس التظاهرة، على الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم؛ تقديرا "للأداء الممتاز لهذه المجموعة من النساء، اللاتي قدّمن عملا متقنا"، حسب أعضاء لجنة تحكيم الدورة الثانية من المهرجان (مارس الفارط). وفي هذا الصدد، روت رئيسة الفرقة فهيمة بساحة لوأج، رحلة هذه الفرقة القروية النسوية، التي قررت تولي زمام أمورها، وعيش شغفها بالغناء، والمشي قدما، ومواجهة مجتمع محافظ لا يتفهم رغبة هؤلاء النساء في النجاح.

وتذكر السيدة بساحة، وهي أيضا رئيسة الجمعية الثقافة "أغنجور" لتاكوشت، عندما جاءت إليها، منذ حوالي أربع سنوات، ثلاث سيدات يمثلن مجموعة مكوّنة من حوالي 30 امرأة يؤدين أغاني تقليدية بالقرية في المناسبات، وطلبن منها مساعدتهن لتطوير موهبتهن في الغناء، والخروج من نطاق القرية.

واستذكرت إحدى النساء الثلاث، باية حمومة التي تؤدي "أشويق" (غناء بدون آلات موسيقية)، في حديث لوأج، أنها وصديقاتها طلبن من السيدة بساحة مساعدتهن على المشاركة في تظاهرات خارج القرية، إلاّ أن السيدة بساحة اعتبرت أن الفرقة النسوية لتاكوشت لم تكن تحتاج إلا إلى "تأطير" ؛ لأنها كانت "تمتلك المادة الأولية، والتي تتمثل في مجموعة من الأغاني التراثية، ومعرفتها بالتقاليد التي ترافق أداءها" ؛ فما كان من جمعية "أغنجور" سوى إدماج الفرقة النسوية، التي أخذت اسم "أقراو تلاوين" ضمن برنامج التظاهرات التي تنظمها، لمنحها فرصة للغناء بمختلف المناسبات؛ كالأعياد الدينية، والتظاهرات الثقافية كـ "يناير" (رأس السنة الأمازيغية)، و "أماقر ن تفسوت" (الاحتفال بحلول الربيع).

واستمرت الفرقة على هذا المنوال إلى غاية عام 2023، عندما نُظم مهرجان "أورار الخالاث" في طبعته الأولى. وكان فرصة لفرقة تاكوشت لإبراز مواهبها.

واعترفت رئيسة الفرقة بأن الهدف من المشاركة في المسابقة، لم يكن الحصول على جائزة، ولا حتى بلوغ القمة، بل، فقط، خوض التجربة، والاحتكاك بالفرق الأخرى، خاصة أن "أقراو لخالاث" مكوّنة من نساء لم يدرسن الموسيقى. لكن الأمور أخذت مجرى آخر؛ فقد أُعجب الجمهور ولجنة التحكيم بأداء الفرقة.

و"كان الإعلان عن فوزنا بالجائزة الأولى بمثابة حلم؛ أشعرنا بفرحة وافتخار لا يمكن التعبير عنه؛ لأن الفوز لم يكن متوقَّعا"؛ وبالتالي شكلت مشاركة الفرقة في المهرجان فرصة للتعرف على قدراتها بفضل ملاحظات لجنة التحكيم. ومن بين مؤهلاتها وجود أعضاء يمتلكون مواهب جمّة كراقصة الفرقة وردية حاج علي البالغة من العمر 85 عاما حاليا، والتي تتقن الرقص التقليدي، وكذلك باية حمومة، 63 عاما، التي تؤدي أشويق بطريقة بارعة بنغمة صوت قوية ونبرة شفافة، بالإضافة إلى أداء سليم وتحكّم مطلق في طبقات الصوت، حسبما أكد أعضاء لجنة التحكيم وفنانون استمعوا إليها.

أضف إلى ذلك الحضور القوي للفرقة على المسرح، وكذلك الانسجام في الغناء بين أعضاء الفرقة 15، والتي تكبرهن وردية حاج علي البالغة من العمر 85 عاما، وتصغرهن سيليا ياحوي ذات 12 ربيعا، وهي شاعرة الفرقة. وأشارت السيدة بساحة إلى أن الفرقة استغلت هذه الميزات خلال مشاركتها في الطبعة الثانية من مهرجان "أورار الخالاث" ، الذي نُظم في شهر مارس الفارط.

المثابرة ورفع التحديات طريق النجاح

كان على الفرقة التي فازت بالجائزة الأولى في الطبعة الأولى للمهرجان، تقديم عمل مميّز أحسن من الأول؛ للمحافظة على مرتبتها؛ فليس من الممكن المشاركة في الطبعة الثانية والحصول على مرتبة أقل، كما قالت السيدة بساحة، لافتة إلى أن موضوع طبعة 2024 الذي تمثل في الغناء الثوري، "حفّز الفرقة، بشكل كبير، على المشاركة".

وقررت الفرقة المشاركة بـ"أيما عزيزن أورتسرو" (أمي العزيزة لا تبكي) للمجاهد الراحل والفنان فريد علي (واسمه الحقيقي علي خليفي (1919/ 1981)، التي تُعد من أجمل الأغاني الثورية المنددة بالاستعمار. وأُديت باللغة الفيتنامية في فيتنام في الستينيات.

وقالت رئيسة الفرقة إن هذه الأغنية "صعبة الأداء" ، ولم تتدرب عليها الفرقة من قبل. وكان على أعضائها "غناؤها بإتقان بدون أيّ مجال للخطأ؛ لتشريف ذاكرة المجاهد الراحل فريد علي". وفي يوم عرض فرقة "أقراو تلاوين" أمام لجنة التقييم، قدّمت باية حمومة أشويق "أيما عزيزن أورتسرو" باحترافية وبراعة. ثم أدّت فرقة النساء اللاتي وقفن مستقيمات كالجنود، رؤوسهن شامخة وأيديهن على قلوبهن، أغنية فريد علي، فكانت لحظة مؤثرة.

وبلغ التأثير ذروته عندما اعتلت الصغيرة سيليا ياحوي المسرح، حاملة العلم الجزائري، الذي قامت بتقبيله قبل لفه على أكتاف أكبرهن، وهي نا وردية، التي كانت جالسة على كرسي، لترمز بذلك إلى "يما" أو الأم التي يخاطبها فريد علي في أغنيته. ثم واصلت الفرقة تقديم بقية مراحل "أورار الخالاث"، بما في ذلك "الزذوى" ، وتقديم حفل زفاف تقليدي.

«أقراو تلاوين" "أكثر من مجرّد فرقة غناء نسوية؛ فهي مجموعة نساء يرغبن في عيش شغفهن، والحفاظ على التراث غير المادي"، كما أكدت السيدة بساحة، التي أعربت عن أسفها لعدم تقدير جهودهن من طرف بعض الأشخاص الذين لم يفهموا مغزى ما يقمن به، ويعتبرونه " بدون قيمة"، و"مضيعة للوقت".

وبالنسبة للسيدة باية حمومة، فإن مهرجان "أورار الخالاث" أتاح لعضوات الفرقة، فرصة عيش موهبتهن، وتنميتها، وممارسة نشاط ترفيهي؛ لأن النشاط الوحيد المتاح عادة للسيدات المسنات، هو العمل في الحقول. وقالت: "بفضل النساء اللواتي رفعن التحدي وشاركن في "أورار الخالاث"، تمكن الغناء التقليدي والموروث الثقافي من الاستمرار، والابتعاد عن خطر النسيان والضياع ". كما إن مهرجان "أورار الخالات" نافذة مفتوحة للتعريف بهذا الفن؛ لتراه الأجيال الناشئة.