معرض الفن التركيبي بقصر "رياس البحر"

سبع حجرات بسبع نظرات فنية

سبع حجرات بسبع نظرات فنية
  • القراءات: 1580
لطيفة داريب لطيفة داريب

تحتضن سبع حجرات من قصر "رياس البحر"، سبع وجهات نظر فنية فريدة لفنانين يعرضون أعمالهم من خلال ترجمة نظراتهم الجمالية المتميزة والمعبرّة في معرض الفن التركيبي، بعنوان "ستة، واحد، سبعة".

آيت الحارة مريم، بلعيد محمد، شافع فطيمة، دويبي سعاد، حموش نور الدين، هاب لوهيبو وكوردوغلي أحلام، هم الفنانون السبعة الذين يعرضون حاليا بقصر "رياس البحر"، والبداية بهاب لوهيبو (حجوجة أحمد بن يوسف)، الذي التقت به "المساء" وتحدثّت معه عن مشاركته في هذا المعرض.

يشارك هاب لوهويبو بتركيبة فنية، تتشكّل من قصعة من الحطب، تتوسّطها رموز بربرية تقع وسط كسكس منثور على جانبيها وتحيط بهذا الجمع. وتضم أوراق من نفس الحجم رموزا غريبة، كما يُربط خيط هذه القصعة بقصعة هوائي مقعّر موضوعة في الأعلى.. فماذا يعني كل هذا يا ترى؟.

ويسارع هاب لوهيبو بالإجابة، فهو من خلال لفتته الفنية هذه، يحاول أن يتناول مسيرته الفنية التي انطلقت من اعتماده على القصعة الخشبية إلى قصعة الهوائي المقعر، وما يترجمه ذلك من انتقاله من التراث إلى عالم الفضائيات، ومن ثم العالم الرقمي، ليتحوّل إلى فنان "سمارت آرت".

كما أراد الفنان أن يحوّل الكسكس الطعام المقدّس إلى فن، وهو الذي يرمز إلى تراثنا الثري والضارب في الأزمنة، ليتساءل كيف يمكنه أن يضفي على هذا الطعام قدسية أخرى، تتمثّل في الفن؟ ليقوم بربط القصعتين مع بعضهما البعض؛ محاولة منه لتحقيق الهدف المنشود. بالمقابل، قال الفنان إنّه وضع تشقّقات على الكسكس؛ نسبة إلى الفنان الإيطالي لوتشيو فونتانا، الذي يعتمد على هذه التقنية لكي يجذب الجمهور إلى رؤية التحفة والتمعّن فيما بعد فيها.

وفي هذا السياق، عمل الفنان على غلق عين الهوائي المقعر جراء التشقّقات الحادثة في الكسكس، في حين صمّم على وضع رموز بربرية داخل القصعة الخشبية؛ نسبة إلى إلهامه من حركة "الأوشام"، ليختار رموز منطقة أولاد نايل، في حين تأخذنا الأوراق المحيطة بالقصعة والكسكس عند التقاط صور لها بواسطة الهاتف الذكي، إمّا إلى روابط توصلنا بمدوّنة هاب لوهيبو أو إلى حلقة من حلقات حكاية "القوري" الشخصية الأسطورية لفناننا، التي ترمز إلى حيوان الماعز، الذي ينظر إلى العالم عبر عينين بريئتين.

 من جهته، طرح الفنان المشارك أيضا في المعرض حموش نور الدين، تساؤلا "وين رانا رايحين؟"، واعتمد في لفتته الفنية على نعال حقيقية وأخرى مصنوعة من البلاستيك الرقيق، لوّنها وكتب عليها حكما وأقوالا وأمثالا شعبية وأخرى عالمية، ووضعها داخل الحجرة الخاصة به وأخرى تحيط بفناء القصر، كما وضع قبرا كتب فيه عنوان معرضه "وين رانا رايحين؟" وأيضا "هنا يرتاح فلان بن فلان بن فلان، كان هنا وذهب".

ومن بين المقولات التي حملتها النعال المرسومة والملوّنة الجميلة "ممنوع رمي الأوساخ"، "طاق على من طاق"، "عيش تشوف"، "يجب أن تضحك قبل أن تكون سعيدا؛ فقد تموت وأنت لم تضحك قط"، "لا يوجد أعز من الزمن لأنه ثمن الخلود"، "أخطيك من القيل والقال" و«ألي فاتو وقتو ما يطمع في وقت الناس".

ولم يقتصر الفنان على وضع النعال التي تعبّر عن الخطوات في الحياة على الأرض، بل ألصقها في الحيطان لتغزو المكان، وترتفع نحو الأعلى، وبعضها تقع بالقرب من وشاح على الأرض عليه طاقية وقبالته شمعة كبيرة، وكلّ هذا يرمز إلى الضريح.

وإذا كانت خطوات حموش تغزو المكان، فإن دمى سعاد دويبي تقوم بنفس المهمة، حتى إنّ بعضها موجود في حجرة حموش، والبعض الآخر معلَّق على النوافذ في الفناء الواسع للقصر، أمّا الأغلبية فنجدها في حجرة الفنانة التي عنونت مشاركتها بـ "ميلاد"، واستعملت فيها دمى كثيرة مصنوعة من القماش، مكتوب عليها قصص للفنانة وأخرى عن أشخاص آخرين، أرادت سعاد أن تخلّدها من خلال سردها على الدمى.

وكتبت سعاد عن دماها: "نحن دمى الأرض نحاول أن نخلّد أثرنا بعد الموت، ولكن قلة يحقّقون ذلك. أنا دمية، أنا الرجل، أنا المرأة، أنا المجهول، أنا ابن آدم وحواء متبوع بالخطيئة، أحاول أن أقص حكايا الناس وأكتب عن الإنسانية على جسدي". بالمقابل، وضعت الفنانة فيديو في الحجرة حول عرض لدماها في تظاهرة بالصحراء الغربية.وفي حجرة أخرى، نجد أنفسنا قبالة أربع صور كبيرة للفنانة شافع فطيمة، نجد في أعلى كلّ واحدة منها أسماء لنساء قُتلن من طرف الإرهابيين في الفترة الممتدة من سنة 1994 إلى سنة 2003 بسهل متيجة. أمّا في الجزء السفلي فنجد آيات من المعوذتين وسورة الإخلاص وآية الكرسي، إضافة إلى صور للكعبة. وفي الوسط، وضعت الفنانة "الخامسة" محاطة بـ "حسبنا الله ونعم الوكيل"، "ومن يتوكل على الله فهو حسبه"، "ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير".

ومع هذا الحزن الذي يخيّم على كلّ زائر لحجرة شافع فطيمة، قد تنتابنا الحاجة لترجمة ما يؤلمنا في رسالة قد نضعها في قارورة ونرسلها عبر البحر إلى وجهة طبعا مجهولة، وهو ما يتّضح في حجرة الفنانة آيت الحارة مريم، التي وضعت صندوقا مملوءا بالقارورات الحاملة للرسائل، وأخرى موضوعة على الرمال التي تحيط بها الحجارة، علاوة على قارورات أخرى وضعتها على نافذة من نوافذ الحجرة. هل تضم القارورات رسائل الخيبة والحزن فقط، أم أنّها تحمل أيضا رسائل أمل وحب وامتنان؟ أم أنّها تحكي يوميات لا جديد فيها فقط من باب الترويح عن النفس؟ ربما الكتابة لشخص مجهول أو حتى للبحر، فيها من السعادة الكثير.. ربما.من جهتها، اختارت كودرغلي أحلام شخصية زرياب، لتسلّط عليها الضوء في الغرفة المخصّصة لها، ووضعت جدارية زيّنتها بنوتات موسيقية وكلمة زرياب والرقم خمسة؛ نسبة إلى الوتر الخامس الذي أضافه زرياب إلى آلة العود. وقبالتها، نجد على الأرض مجموعة من الأسطوانات القديمة وآلة لسماع الموسيقى المنبعثة من الأسطوانات.أما المتخصّص في الخزف الفنان محمد بلعيد، فاختار أن يقدّم لنا التوابل في صحون عميقة بشكل فني، فها هو وعاء مزركش يتوسّط الفلفل الأحمر، وآخر يضمّ الزعفران، وثالث يتوسّط القرفة، الطحين، الحَب وهكذا.