"المساء" ترصد آراء الأثريّين حول استرجاع الممتلكات الثقافية في الخارج

المطالبة بتوسيع مهام الصندوق الوطني للتراث

المطالبة بتوسيع مهام الصندوق الوطني للتراث
  • القراءات: 1089
لطيفة داريب لطيفة داريب

خرجت الجلسات الوطنية حول مراجعة المنظومة القانونية المتعلقة بحماية التراث الثقافي التي نظمتها مؤخرا وزارة الثقافة والفنون، بجملة من التوصيات، يأتي في مقدمتها تمويل الصندوق الوطني للتراث، لعمليات استعادة الممتلكات الثقافية من الخارج.. وبالمناسبة، اتصلت "المساء" بمختصين في التراث، وطرحت عليهم تساؤلا حول فحوى هذه التوصية، وكذا دور الصندوق الوطني للتراث محليا، فكان هذا الموضوع.

المهندس خير الدين قروش: الاستخدام الواسع للصندوق.. حتمية

قال المهندس خير الدين قروش إن التراث الثقافي الجزائري الغني والمتنوع، يمثل شهادة أساسية للتاريخ والهوية الوطنية. ومن هذا المنظور، فإن استخدام الصندوق الوطني للتراث الثقافي لاستعادة الممتلكات الثقافية في الخارج، أمر ضروري؛ ما يعزّز الشعور بالانتماء من خلال إعادة عناصر تراثنا الثقافي إلى أرضها الأصلية. كما تساهم هذه الخطوة، بشكل كبير، في الحفاظ على التنوع الثقافي، وبالتالي ترسيخ الهوية الوطنية، يضيف قروش.

كما أشار المتحدث إلى أنه وفقا للتشريع الجزائري، يُعدّ الاستخدام واسع النطاق للصندوق الوطني للتراث الثقافي، ضروريا؛ لضمان حماية الممتلكات الثقافية وتعزيزها. ويشمل ذلك تمويل الدراسات، وأعمال الترميم، وتكاليف التنقيب الأثري، والتحسيس والترويج، علاوة على التكلفة المرتبطة بحق الدولة في الشفعة، وكذلك التعويض عن عمليات مصادرة الملكيات.

وطالب قروش بتخصيص اهتمام أكبر لإدارة المواقع الجزائرية المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وكذا تمويل الدراسات، مع أخذ، بعين الاعتبار، الرهانات التراثية والبيئية والاجتماعية؛ من أجل ضمان الإدارة المستدامة والمسؤولة عن هذه المواقع.

بالإضافة إلى ذلك، دعا المهندس إلى إجراء دراسات تهدف إلى إدراج مواقع جديدة في هذه القائمة. وينطوي ذلك على التحديد الدقيق للمواقع، والقيم الثقافية، ووضع تدابير الحماية الكافية، فضلا عن المساعدة التقنية اللازمة؛ لضمان الحفاظ عليها على المدى الطويل.

وأشار المهندس إلى أن آخر موقع جزائري تم إدراجه في قائمة اليونسكو، يعود إلى أكثر من ثلاثين سنة (قصبة الجزائر العاصمة 1992)، مضيفا: "حالياً، ظهرت ستة مواقع في القائمة الإرشادية منذ عام 2002، بدون تقديم ملفات للتصنيف. ويبدو لي أنّ هذا الوضع يسلّط الضوء على ضرورة اتخاذ إجراءات استباقية تجاه تسجيل مواقع جديدة، والحفاظ المستمر على تراثنا الثقافي المدرج في قائمة التراث العالمي".

الباحث عبد الحق عيد: دعوة إلى دعم الاستكشافات المستجَدة في المواقع الأثرية

أشار الباحث في التراث عبد الحق عيد، إلى اعتماد الجزائر بعد الاستقلال، نظما وقوانين تنص على حماية وتثمين التراث الثقافي بدءا بإصدار أمر (ordonnance) سنة 1967، تم تحيينه بعد ذلك إلى صياغة قانون 98- 04 الذي صدر في 15 جوان 1998 المتعلق بحماية التراث الثقافي في شقيه المادي وغير المادي، مضيفا أن هذا القانون بقي ساري المفعول رغم ما يحمله من نقائص وثغرات؛ مثل غياب مادة حول التعامل مع الآثار الوقائية، وكذا تمويل مشاريع الأبحاث الأثرية.

كما تحدّث الدكتور عن إعادة تحيين وصياغة القانون لتدارك النقائص، وهذا من خلال استحداث بنود تتماشى مع التداعيات العصرية، بعدما تأكدت الجهة الوصية من ضرورة تعزيز الحفاظ عليه، وشروعها في إعداد خطة حماية بتطبيق صياغة جديدة.

وهكذا في إطار السياسة المنتهجة، نظمت وزارة الثقافة والفنون، مؤخرا، ورشة عمل، جمعت كل أطقم المختصين في مجال الآثار؛ من أثريين ومعماريين ومؤرّخين ومختصين في القانون؛ من أجل التوفيق بين ضروريات الحفاظ عليه، والتنمية الاقتصادية، يضيف المتحدث. وتابع أن من مخرجات المناقشة، تقديم توصية تتعلق بتمويل الصندوق الوطني للتراث لعمليات استعادة الممتلكات الثقافية من الخارج، والتي تصبّ في حماية التراث الثقافي، وتعزيز الانتماء الوطني، علما أن وزارة الثقافة والفنون قامت خلال أكتوبر الماضي، باسترجاع قطعة نادرة؛ سيف الأمير عبد القادر، الذي كان من المقرر طرحه للبيع في مزاد علني بباريس. وأضاف الدكتور من جامعة سطيف 2، أن هذا الأمر يبيّن الجهود والمساعي المتواصلة التي تبذلها السلطات العليا في البلاد لاستعادة تراثنا المسلوب، مثمنا في السياق نفسه، المساعي المبذولة من طرف الوزارة الوصية؛ للحفاظ على التراث الثقافي، وحمايته.

وكمقترح إضافي في ما يتعلق بالصندوق الوطني، فإن الباحث عبد الحق عيد، يرى ويأمل أن لا يقتصر هذا التمويل في الشؤون الخارجية، بل يمكنه تقديم دعم أكبر للمسائل والقضايا المحلية؛ مثل تقديم تحفيزات، وتخصيص اعتمادات مالية من هذا الصندوق للباحثين، المساهمين في إثراء الرصيد الأثري المتحفي وما يخدم البحث العلمي؛ كمثال عن ذلك الاكتشافات المستجدة في كل من موقع مداوروش بولاية سوق هراس، وملاكو بولاية بجاية؛ باعتبار أن مثل هذه التحفيزات تدفع إلى تقديم المزيد من الجهود؛ من أجل النهوض بالتراث الثقافي؛ ما يصبّ في دفع ومواكبة الاقتصاد الأخضر، والمساهمة، على الأقل، بقسط في التنمية الوطنية.

الدكتورة سميرة أمبوعزة: أدعو إلى شراء الممتلكاتِ الثقافية المحلية من خلال الصندوق

دعت الدكتورة سميرة أمبوعزة إلى تخصيص صندوق التراث الوطني أيضا؛ لشراء الممتلكات الثقافية المحلية من عند أصحابها عوض أن يقوم هؤلاء ببيعها لجهات محلية أو أجنبية لا تعرف قيمتها، وربما حتى هويتها. وأضافت مديرة مركز الفنون والمعارض بتلمسان، أنها تتحدث عن هذا الموضوع ليس بصفتها مديرة لمركز تابع لوزارة الثقافة والفنون، بل كمواطنة ودكتورة في علم الآثار، لتستطرد أنّ هناك العديد من الناس من يبيعون ممتلكاتهم الثقافية خاصة منها الألبسة التقليدية التراثية الجزائرية، لمن لا يعرفون قيمتها، وربما حتى هويتها؛ أي كونها جزائرية أم لا؛ لهذا فلو اهتم الصندوق الوطني للتراث بهذه الممتلكات من خلال شرائها من مالكيها ثم توزيعها على المتاحف، أحسن بكثير من أن تُترك في يد المواطن، يتصرّف فيها كما يشاء، تضيف الدكتورة.

وتابعت محدثة "المساء" أنها بصفتها مختصة في الآثار ومحبة لتراث وطنها المادي منه وغير المادي، تدعو الشعب الجزائري إلى التزوّد بالوعي الثقافي؛ من خلال البحث عن هويته الوطنية، وتراثه العريق من دون الاعتماد على تحسيس التلفزيون والإذاعة بهذا الموضوع المهم جدا؛ لأن من لا تاريخ له لا مستقبل له أيضا. وتابعت مجددا أن الجزائر قارة غنية بتراثها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها. وتملك خزانة تراثية لا يملكها أحد في العالم من حيث ثراؤُها وتنوّعُها، لتطلب من كل جزائري المحافظة على هذا الموروث الثقافي، وهكذا لا أحد يمكنه هزم الجزائر لا ثقافيا ولا اقتصاديا ولا تجاريا، ولا