ملتقى "حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه" بقصر الرياس

التصدي للمخاطر باعتماد أحدث التقنيات وانتهاج سياسة التحسيس

التصدي للمخاطر باعتماد أحدث التقنيات وانتهاج سياسة التحسيس
  • القراءات: 317
مريم . ن مريم . ن

نظم مركز الفنون والثقافة بقصر "رياس البحر"، بالتنسيق مع المركز الوطني للبحث في علم الآثار والمركز الجامعي "عبد الله مرسلي" بتيبازة، مؤخرا، يوما دراسيا خاصا بـ"حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه"، استعرض فيه الخبراء المشاركون، العديد من التجارب والرؤى التقنية، علما أن التجربة الجزائرية لا تزال فتية على مستوى الخبرات، وتتطلب بعضا من الوقت والجهد وإشراك مختلف الأطراف.

ألقى المحاضرة الأولى، خبير الآثار الغارقة في المياه ورئيس مخبر الدراسات التاريخية والأثرية، بمعهد العلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة "عبد الله مرسلي" في تيبازة، البروفيسور رفيق خلاف، حيث تناول "أمواج تسونامي والفيضانات البحرية وخطرها في تدمير المواقع الأثرية الساحلية في الجزائر"، مؤكدا في بداية تدخله، أن الكثيرين يعتقدون أن البحر الأبيض المتوسط ليس به تيارات وأمواج تسونامي، على اعتباره بحرا مغلقا وليس بمحيط، بينما العكس موجود.

وحدثت هذه الظاهرة عدة مرات في التاريخ القديم والحديث، كما قدم بالمناسبة، تعريف "اليونسكو" للتراث المغمور بالمياه، ويخص جميع آثار الوجود البشري التي تتسم بطابع ثقافي أو تاريخي أو أثري، المغمورة تحت الماء لأكثر من 100 سنة، بالتالي الالتزام بحماية حطام السفن والمدن الغارقة والأعمال الفنية والموانئ القديمة وغيرها، كما أن التراث المغمور لا يقتصر على البحار والمحيطات، بل يشمل المياه الداخلية من أنهار وبحيرات وغيرها، مؤكدا أن حطام السفن هو أكثر تعقيدا من حيث الدراسة البحرية الأثرية، وقال من جهة أخرى، إن الآثار الموجودة في الوسط الرطب، هي أكثر حفظا وصيانة من تلك الموجودة في الوسط الجاف، عكس ما يعتقده البعض أيضا.

أشار المتحدث الذي شغل منصب رئيس اللجنة الوطنية للآثار الغارقة، إلى أنه في بعض الأحيان، توجد سفينة تاريخية تحت البحر، وتكون أخرى فوقها، وهما ليستا من نفس الفترة التاريخية، ما يتطلب التدقيق، خاصة إذا كان بهما قطع أثرية متنوعة، وهنا مثلا، يتوجب تدخل المؤرخين والأثريين المختصين، منهم مثلا، المختصين في الحاويات (الصناديق الكبيرة) و(الخزانات) وغيرها.

وواصل المحاضر البروفيسور، بالإشارة إلى أن الدراسات الخاصة بالتراث المغمور بالمياه قبل الاستقلال (1962)، كانت دراسات هواة وليست لمختصين، واستمر هذا الحال إلى سنة 1987، مع مجيء مشروع الجامعة الإنجليزية التي قامت بدراسات في الجزائر وكذا بتونس، ثم في 2003، زارت أول بعثة أجنبية للغواصين الجزائر، ثم تأسيس المتحف العمومي البحري في 2017، الذي كون أثريين مختصين في الغوص، وهنا أشار إلى أن جامعة تيبازة تتعاون مع هذا المتحف فيما يخص التكوين والزيارات التحسيسية، وكذا تأطير الطلبة مع المركز الوطني لرياضة الغوص.

وبالنسبة للمتحدث، فقد أكد أنه يدير مخبر بجامعة تيبازة "عبد الله مرسلي" منذ 2020، وقد تكفل بمشروع الأشغال الاستباقية في ميناء الحمدانية، وبالنسبة لعوامل الخطر على التراث البحري، قال إنه يكون مهددا أحيانا من الغواصين الهواة ومن الصيادين ومن مشاريع التهيئة والإنجاز على السواحل، علما أن عدد الموانئ يتزايد، ما أصبح يفرض إجراء دراسات استباقية (قبلية) عن البيئة والتراث، مطالبا بضرورة الجرد والتحسيس بإشراك المجتمع المدني.

عن خطر موجات تسونامي على التراث والسواحل، قال البروفيسور، إنها حدثت في الجزائر، وهي موجودة وتتمثل في الموجة العملاقة التي غالبا ما تنتج عن الزلازل، ويزداد حجمها كلما ارتطمت بالسواحل وتُسبب الفيضان البحري، بينما العاصفة البحرية تُسبب الأمواج العالية، مؤكدا أن سواحل الجزائر كغيرها من سواحل المتوسط، معرضة لتسونامي، خاصة أثناء الزلازل، مستحضرا حادثة جزيرة في اليونان أخفت موقعا أثريا، كما تذكر الدراسات التاريخية حادثة البشكي بقوراية، التي وقع بها تسونامي، كذلك بسواحل جيجل، حسب المصادر التاريخية، حيث تراجع البحر من الساحل مبتعدا، ثم عاد ليضرب بقوة ويسبب الدمار للمباني، ويشهد الكثيرون ما وقع سنة 2003، في زلزال بومرداس، حيث تراجع البحر وكأنه اختفى من الساحل، وهو الأمر الذي يتطلب، حسب الخبير، الكثير من الوقاية والحيطة لتفادي الموجة الكبرى من تسونامي، كي لا تدمر الموانئ والإنجازات، عارضا بالمناسبة، بعض الأفكار، منها الحواجز المعدنية التي وضعت بسواحل البندقية في إيطاليا.

بدوره، تحدث الدكتور نزيم بن صالح من المركز الوطني للبحث في علم الآثار، عن بعض المخاطر التي تهدد التراث البحري، مثمنا جهود نوادي الغطس المتعاونة، وتوقف عند القطع الأثرية في البحار والمحيطات، وحتى في السبخة (بحيرة مالحة)، التي تكون مهددة بفعل نسبة الملوحة، وكذلك التيارات البحرية القوية التي تعيق التنقيب والإخراج. استعرض المتحدث أيضا وسائل التنقيب عن الآثار في البحر، وهي خاصة تعتمد أحيانا على شفط المياه، مستعرضا الفرق بين المهندس البحري وعالم الآثار البحري، مستحضرا تجارب البحار العالمي كوستو الذي وضع تقنيات البحث حين عمله بمرسيليا، وقال إن البحث يتناول أيضا الحياة الإنسانية والاجتماعية التي كانت في البواخر المغمورة بمياه البحر.

استعرض المتحدث أيضا بعض المخاطر على هذا التراث، منها أشغال التهيئة ونشاط الغطاسين الذين تجب توعيتهم، وكذلك الصيد باستعمال الشباك ومثبتاتها المعدنية التي تهدد القطع الأثرية وتكسرها، كما أشار إلى وجود 16 ألف موقع تاريخي بشمال الجزائر، وغيرها الكثير، وضياعها، خاصة عبر السواحل، يعني ضياع جزء من تاريخنا الوطني في فتراته المختلفة.

من جهتها، تناولت الأستاذة ريمة دالي شاوش، من المركز الوطني للبحث في علم الآثار "حماية التراث المغمور بالمياه من خلال الأنشطة التحسيسية والاستكشافية"، وعرضت صور ناقلة بترول متجهة للبحرين، قادمة من سيريلانكا، غرقت بعمق 6 أمتار سنة 2023، وغاب أثرها، ومع ذلك لاقت الاهتمام ليس في جانبها الاقتصادي، بل أيضا كتراث، فالبترول أصبح تراثا وثقافة، رغم أنه ليس من التاريخ، وهو لا يزال حاضرا ولا تتجاوز هذه القطعة 100 سنة، بالتالي تم استعمال السونار وتصوير الموقع وإخراج ما غرق، وتحدثت أيضا عن دورات التكوين في نوادي الغطس، خاصة فيما يتعلق بحطام البواخر، كما عرضت بعض التقنيات، منها الحواجز المعدنية في أعماق البحار، التي تمنع السفن من النزول أكثر نحو القاع في حال غرقها، متوقفة عند علاقة الجمهور بهذا الجانب، ليس تاريخيا فقط، لكن أيضا من الجانب السياحي.