"المرأة الجزائرية" لمبروك برواق "عائشة حداد"

إيقاعات أنثوية بألوان التراث

إيقاعات أنثوية بألوان التراث
  • القراءات: 398
مريم . ن  مريم . ن

حطت الفنانة التشكيلية نجية مبروك بلوحاتها في رواق "عائشة حداد"، من خلال معرضها "المرأة الجزائرية"، الذي تستمر فعالياته إلى غاية 24 أفريل الجاري، تجمع فيه ألوان الحياة وطلاقتها وزهو المرأة المقبلة دوما على كل ما هو جميل، والحارس الأمين التي ظلت ملتزمة بدوره في الحفاظ على التراث والهوية.

كل اللوحات تقريبا تحمل ألوان الربيع الزاهية التي يفوح منها عطر المرأة، هذا الكائن الجميل والغامض في آن واحد، يستطيع بصبره وتبصره أن يحول الألم والإحباط للحظات فرح وغبطة.

تنتشر ألوان الزينة في كل مكان من المعرض، حتى في تلك اللوحات التي لا تظهر فيها المرأة، فمثلا لوحة الميناء التي تجاور فيها قوارب الصيد البيوت الجميلة والطبيعة الخضراء الأجمل، تحمل ألوانا أنثوية بامتياز، فيشعر الناظر إليها بخيوط الأنثى تتسلل لكل ركن فيها، فلون الخدود الوردية مفروش على الرمل والشفاه الحمراء على قرميد البيوت وألوان الزهر التي تفضلها المرأة في فساتينها منتشرة في كل مكان، ما يعطي للوحة بهجة ورونقا وانطباعا باستقرار الربيع فيها.

استحضرت الفنانة في لوحاتها، التراث والتقاليد وجمال المرأة والطبيعة، أي أن لكل جميل نصيب، ناهيك عن عراقة المضمون وأصالته الذي يرسخ الهوية الجزائرية في مشاهد ممتدة من الحضر للبدو والريف، قلما توجد الظلال في هذه اللوحات، فالغالب هي الأنوار المستمدة من أشعة الشمس الدافئة، وباليوميات الحية التي تعج بالحركة في البيوت وفي الأزقة وفي الطبيعة الغناء.

تقدم الفنانة نجية سلسلة بورتريهات لنساء منفردات أو مجتمعات يمثلن مناطق مختلفة من الوطن، منها مثلا، سيدة حسناء ترتدي "الكاراكو" البنفسجي المطرز، وتضع على رأسها محرمة الفتول، وبسروالها المدور الوردي وحليها الثمينة المتناسقة، مع إبراز لافت لعينيها ولشعرها الأسود، وخلفها ديكور للبيت التقليدي الجزائري المطل على الواجهة البحرية.

في لوحة أخرى، تظهر جلسة نسوية في إحدى البيوت الراقية، حيث الغناء والرقص الراقي المحتشم والعزف على الآلات الموسيقية، ما يوحي بجلسات ليالي الأندلس أو ليالي ألف ليلة وليلة، ناهيك عن مظاهر العز والبذخ في الأكل والزرابي والأثاث وغيرها، كدليل على ماضي الجزائر الزاخر، وهنا استعانت الفنانة ببعض تقنيات الزخرفة والمنمنمات، كذلك الحال مع جلسات أخرى في أسطح مباني القصبة، قبالة البحر أيضا، تقوم النسوة بممارسة بعض الأشغال، من ذلك الطرز على الحرير.

يتواصل هذا التأثر بالتراث، كما هو الحال في لوحة لمجموعة من النسوة بأعمار مختلفة، يجلسن في الطبيعة ليتسامرن ويضحكن وهن يرتدين الزي التقليدي الجميل، ويداعبن بحب رضيعا يشتركن في تدليله، يحضر أيضا لباس الحايك بقوة في المعرض ترتديه النسوة منهن المسنات وهن يعبرن أزقة القصبة رواحا ومجيئا يبقى ناصعا لا تلوثه تقلبات الزمن، كما يظهر الحايك في بعض "القصور" بالصحراء وبعض مدن الجنوب الأخرى يزيده بهاء وأصالة لون مباني الطين الشامخة .

خصصت الفنانة في معرضها، بورتريها للمرأة الترقية ذات الملامح الجميلة واللباس التقليدي المميز، بما يرافقه من حلي فضية، وعمدت لإبراز نظرة ثاقبة لهذه المرأة، كدليل على حكمتها ومكانتها في المجتمع الصحراوي.

بالمقابل، رسمت الفنانة في إحدى اللوحات يد امرأة تبدو ناعمة وجميلة، تحمل شمعة تشتعل وتحترق على يدها، كمعنى للتضحية والصبر، ثم امرأة أخرى تلبس الأزرق وتخرج من أعماق البحر متجهة صوب السحاب، كدليل على التطلع والإرادة، في حين أن لوحة أخرى كبيرة وضعت في بهو المعرض، تظهر فيها شابة حسناء بشعرها الناعم المتطاير في الأفق، ذات نظرات حزينة ومنكسرة، بفعل يد غريبة تلجم فمها وتمنعها من الكلام.

لوحات أخرى كثيرة ذات شؤون نسائية خالصة، تشترك في الجمال وفي الألوان الزاهية وفي الأمل الذي يبقى قائما، رغم كل ما حدث.

للإشارة، الفنانة نجية مبروك من مواليد سنة 1962 ببئر خادم في العاصمة، تعلقت بالرسم منذ طفولتها، ورغم انشغالها بشؤون أسرتها فيما بعد، إلا أنها قررت أن ترافقها هذه الموهبة في مشوار حياتها، لتلتحق بمدرسة الفنون الجميلة كمترشحة حرة، ثم تدرس بـ«ايدوكاتل" ببلجيكا، لتنطلق في معارضها بالجزائر عبر الشمال والجنوب، وكذلك بالخارج، من ذلك ألمانيا والولايات المتحدة، ملتزمة في ذلك بإيقاعاتها الأنثوية وبفيض ألوانها وأشكالها الزاهية المعبرة عن الحياة، وعن قناعتها في ضرورة صون تراثنا الوطني.