الكتل البرلمانية تطالب بصرامة أكبر في تجسيد الحلول الاقتصادية

لا اعتراض على مخطط الحكومة

لا اعتراض على مخطط الحكومة
  • القراءات: 584
 محمد / ب محمد / ب

حظي مخطط عمل الحكومة بمباركة المجموعات البرلمانية بالمجلس الشعبي الوطني، لا سيما لما تضمنه من تأكيد لتمسك الدولة بطابعها الاجتماعي، ولم يسجل نواب الشعب في مجملهم أي اعتراض على هذا المخطط، إلا أنهم طالبوا بصرامة أكبر في تجسيد الحلول الاقتصادية التي يقترحها المشروع، من خلال ضبط رؤية مستقبلية واضحة مرفوقة بآليات تطبيق ناجعة، وفرض مرونة في تشجيع الاستثمار على المستوى المحلي، علاوة على فرض الجدية المطلوبة في تنظيم عمل المؤسسات الاقتصادية ومنع الاحتكار ومراقبة الغش والتهرب الضريبي. 

بالرغم من إبداء بعض المجموعات البرلمانية لتحفظات ترتبط أساسا بغياب الأرقام الدقيقة التي تساير تنفيذ الحكومة لمخطط عملها في آجال مضبوطة، وكذا بالتساؤلات التي تبقى مطروحة ـ حسبها ـ حول طريقة التمويل التي ستعتمدها الحكومة لتجسيد المشاريع المسجلة في ذات البرنامج، إلا أن هذه المجموعات لم تجد ما يدفعها إلى الاعتراض على مخطط حكومة عبد المجيد تبون، «والتي بدت نواياها طيبة في الصورة الشاملة للمخطط» على حد تعبير رئيس كتلة الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء» لخضر بن خلاف، «غير أن وثيقتها تبقى جسدا بدون روح» ـ حسبه ـ لاكتفائها بالأسلوب الإنشائي وافتقادها لمؤشرات إحصائية دقيقة وكذا لآجال التنفيذ وآليات إنجاز المشاريع المدرجة في مخططها»

كما اعتبر رئيس مجموعة تحالف «حمس» حمدادوش المخطط الذي صوت عليه النواب سهرة أمس، بعيدا في مضمونه عن برنامج العمل الذي يفترض أن يكون ـ حسبه ـ مدعما بالتحليل المعمق ويفتقد إلى تحديد للأولويات والأهداف، داعيا بالمناسبة إلى ضرورة اعتماد أسلوب المصارحة في الحديث عن المؤشرات الحقيقية الصعبة التي تعيشها البلاد، والعمل على إيجاد البدائل الحقيقية التي تمكن الجزائر من تجاوز الأزمة، وتقوية دعائمها على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

نفس الملاحظات أثارها رؤساء المجموعات البرلمانية لكل من حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية، وحتى جبهة المستقبل التي وصف رئيسها الحاج بلغوثي، المخطط بكونه مجموعة أمنيات غير مؤكدة التحقق لافتقادها لميكانيزمات التنفيذ، معلنا رغم ذلك دعم كتلته وحزبه للحكومة ولمخططها في صورته الكاملة.

ودعا رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العمال جلول جودي، الحكومة إلى بذل مزيد من الجهود من أجل تكريس الأحكام الدستورية التي تضمنها مخطط عملها ضمن محاوره، فيما يتعلق بدعم الحقوق الأساسية والحريات كالحريات النقابية وحرية التعبير وحقوق المرأة.

وإذ ثمّن قرار الحكومة عدم اللجوء للاستدانة الخارجية اقترح ممثل حزب العمال، إعداد قانون لصد التهرب الضريبي، وفرض احتكار الدولة «ولو ظرفيا» للتجارة الخارجية، ونشر حصيلة لعمليات الخوصصة والمزايا التي استفاد منها رجال المال في إطار تشجيع الاستثمار وتقييم حصيلة الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار. ودعا إلى اتخاذ إجراءات استعجالية لمعالجة حالة الفوضى التي تعرفها الجامعة والمستشفيات الوطنية، مجددا رفض حزبه لمشروع قانون الصحة في شكله المطروح للنقاش.

في نفس الاتجاه ذهب رئيس المجموعة البرلمانية للـ»أفافاس»، شافع بوعيش، الذي اعتبر بأن «الواقع المعيش يخالف كافة التدابير التي نص عليها مخطط عمل الحكومة في الجانب المتعلق بتكريس دول الحق والقانون»، وانتقد المتحدث عدم تقديم الحكومة السابقة لبيان سياستها العامة، وبناء مخطط الحكومة الجديدة على مؤشرات تعود إلى فترة الحكومة القديمة، مشيرا في هذا الصدد إلى أنه «كان من الأجدر بناء المخطط على مؤشرات منتصف 2017 ليكون أكثر واقعية».

في المقابل جددت المجموعات البرلمانية لكل من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية وكذا كتلة الأحرار، دعمها الكامل لكل ما تضمنه مخطط عمل الحكومة من محاور اعتبرتها مكملة لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، ومجسدة لكل ما تضمنه برنامج الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها الرئيس، وحملها فصولها الكبرى الدستور الجديد

والتقت مداخلات رؤساء المجموعات البرلمانية المذكورة، عند الإشادة بالرؤية الإقتصادية التي تضمنها المخطط والتي وصفتها بالواضحة والمكملة لتدابير تجسيد التحول الاقتصادي، لاسيما ما تعلق منها بتشجيع الاستثمار وبناء نمط اقتصادي متفتح يقدم البدائل عن اقتصاد الريع القائم على المحروقات، مثمّنة في الوقت نفسه تمسك الدولة بوظيفتها الاجتماعية والتضامنية تماشيا مع مبادئ ثورة التحرير المجيدة، ورفض العودة إلى الاستدانة الخارجية حفاظا على سيادة القرار الوطني. كما دعت في سياق متصل إلى ضرورة مرافقة جميع الفعاليات الوطنية لخيار الدعم المستهدف الذي لا يخرج عن إطار سياسة ترشيد النفقات وتجسيد مبادئ العدل والإنصاف.

وكانت أشغال مناقشة مشروع مخطط عمل الحكومة تواصلت أول أمس الخميس، في جلستي قبل وبعد الإفطار، حيث تم استكمال مداخلات الـ295 نائبا الذين أبدوا آراءهم ومقترحاتهم حول المخطط.

وسارت غالبية المداخلات في اتجاه تثمين المحاور الاجتماعية لهذا المخطط وتكريسه لمبادئ الهوية الوطنية، ومسعى بناء دول الحق والقانون والحريات الديمقراطية، مع الإعلان عن تأييد خيار الحكومة بعدم العودة للاستدانة الخارجية، فيما ركز نواب أحزاب المعارضة السياسية في المجلس على غرار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وتحالفا «حمس» و»الاتحاد من أجل النهضة والعدل والبناء»، على ما وصفوه بغياب نظرة مستقبلية واضحة في المخطط «بسبب غياب الأرقام والإحصائيات الدقيقة».

كما ركز العديد من نواب الشعب خلال جلسة سهرة أول أمس، التي عرفت مناوشات كلامية أثارتها النائب خيرة بونعجة، التي حاولت الاعتراض على استعمال نواب الأرسيدي اللغة الأمازيغية في مداخلتهم، قبل أن يتدخل رئيس المجلس سعيد بوحجة، وزملاؤه في المجموعة البرلمانية لدعوتها إلى التعقل واحترام مبادئ الدستور، على أهمية ترتيب أولويات التنمية في مخطط عمل الحكومة، في ظل الصعوبة التي تميز الوضع الاقتصادي الحالي وقلّة الموارد المالية ما يستدعي ـ حسبهم ـ اعتماد تدابير وآليات تسيير جديدة تمكن من تحقيق إقلاع اقتصادي يرتكز على الاستثمار المنتج وعلى موارد متنوعة المصادر.

ودعا عدد من النواب إلى مرافقة جهود تشجيع الاستثمار بوضع أنظمة معلوماتية لتجميع المعطيات والمعلومات المتعلقة بالفرص الاستثمارية على مستوى البلديات لتمكينها من التعريف بالفرص المتاحة للمستثمرين، وكذا الاحتياجات والمزايا التي تزخر بها المنطقة، مع فتح مراكز تكوين في البلديات الريفية وفق ما يقتضيه واجب تثمين الخصوصيات المحلية.

كما شدد المتدخلون في نفس السياق على ضرورة العمل على تحقيق الأهداف المسطرة في مجال تشجيع استحداث المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولاسيما منها تسهيل إنشاء هذه المؤسسات التي لا يتعدى عددها ـ حسبهم ـ اليوم مليون مؤسسة صغيرة ومتوسطة فيما تستهدف الحكومة الوصول إلى مليوني مؤسسة.

وشملت مقترحات النواب أيضا دعم الديناميكية المحسوسة التي يشهدها مجال تكنولوجيات الاعلام والاتصال في جانبه المتعلق بمحاربة البطالة ودعم إنشاء المؤسسات الصغيرة الناشطة في هذا المجال، حيث طالبوا في هذا الشأن بإلزام المتعاملين الأجانب بالتكوين الاجباري للكفاءات الوطنية في إطار عقود شراكة ضمانا للنقل الفعلي للتكنولوجيا.

للإشارة فإن مشروع مخطط عمل الحكومة الذي تم التصويت عليه أمس، بالغرفة البرلمانية السفلى بعد رد الوزير الأول عبد المجيد تبون، على الانشغالات التي طرحها النواب، سيتم عرضه الأربعاء القادم على أعضاء مجلس الأمة من أجل مناقشته، على أن تتم المصادقة عليه بهذه الغرفة العليا يوم الجمعة القادم.