مختصون يتحدثون عن دور الحركة الطلابية في تاريخ الجزائر:

ضمير الأمة الجزائرية الذي اختار قضية شعبه

ضمير الأمة الجزائرية الذي اختار قضية شعبه
  • القراءات: 4402
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

لعبت النخب المثقفة في الجزائر دورا كبيرا في تأجيج الوعي السياسي التحرري منذ السنوات الأولى للاحتلال، ثم اشتدت وتيرة النضال وتجسدت في الحركة الطلابية الجزائرية إبّان تلك الفترة الاستعمارية. وعلى هامش أشغال الملتقى الدولي الحادي عشر حول «الحركة الطلابية الجزائرية والمسألة الوطنية» الذي احتضنته مؤخرا جامعة 20 أوت 55 بسكيكدة، التقت «المساء» بعدد من المختصين الذين تحدثوا عن علاقة الحركة الطلابية بالكفاح المسلح.

في هذا السياق، يرى الدكتور محمد الأمين بلغيث، أستاذ بكلية العلوم الإسلامية من جامعة الجزائر1 «يوسف بن خدة»، أن الثورة الجزائرية استفادت كثيرا من النخب التي التحقت بالثورة، فضل عناصرها طريق الشهادة على مقاعد الدراسة. ويذكر أن عددا تم تصفيتهم من خلال حادثة ما يعرف بـ«أكفادو» (لبوليت).

وأشار إلى أنّ هذه الحركة الطلابية تختلف اختلافا كبيرا عن طلاّب المشرق العربي، وطلاب الجامعات الفرنسية المتشبعين بالثقافة الفرنكوفونية، فطلبة الأزهر والزيتونة التحقوا بالثورة مع انفجارها في الفاتح من نوفمبر 54، أما من سمحت لهم الظروف بأن يكونوا في باريس، فاختاروا «لامارسياز»، و المحظوظون هم الذين بقوا في الجامعات الفرنسية، حيث أكملوا دراستهم هناك، ثم استفادوا بعدها وحصلوا على مناصب هامة بعد الاستقلال، لذا أكد المتحدث أن قراءة تاريخ وتطور مسار الحركة الطلابية يحتاج إلى تثبّت من خلال الوثائق وكذا من خلال الشهادات،  وحتى من خلال مواقف الفاعلين، لكن الصورة الجميلة في كل هذا هو أنّ قيادات الثورة آنذاك وعلى رأسهم عميروش، كانت ضد التحاق الطلبة بالعمل المسلّح، على اعتبار أن هؤلاء كانوا طلاب ثانويات في أغلبهم، أما الجامعيون فيعدون على الأصابع، لذلك طلبوا منهم البقاء، والذين التحقوا بالثورة تم إرسالهم في بعثات علمية إلى دمشق أو بغداد أو القاهرة بهدف تحضيرهم لمرحلة الاستقلال، معتبرا أن الطلبة المتعلّمين سواء كانوا أبناء زوايا أو أبناء مدارس، كانت لهم صورة جيّدة عن قضايا الوعي السياسي فشكلوا نخبة الشبّان الجزائريين الذين حاولوا أن يلتصقوا ببرنوس الأمير خالد، ليؤكد بأن المثقفين هم زخم الحياة.

من جانبه، اعتبر الأستاذ يوسف قاسمي، عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية وأستاذ التاريخ بجامعة قالمة، أن السياق العام لظهور الحركة الطلابية هي المؤسسات التعليمية خلال الحقبة الاستعمارية، بالخصوص في فترة ظهور الحركة الوطنية وأثناء الثورة، ويرى الأستاذ يوسف قاسمي بأنّ الفئات الشبانية عامة والطلابية المتعلّمة والمثقفة بوجه خاص، مثلث شريحة واسعة وهامة في المجتمع الجزائري، كما لعبت دورا رياديا في تحرير العمل النقابي من الاحتكار النقابي للتنظيمات الطلابية الفرنسية من ناحية، وتأطير العمل الطلابي الوطني الذي غدا الزخم السياسي لنشاط لأحزاب والجمعيات الوطنية في نضالها التّحرري ضد المستعمر من ناحية أخرى، ويقول الدكتور يوسف قاسمي، إذا كانت الثورة لم تولد صدفة، فإنّ الحركة الطلابية كانت لها صيرورة تاريخية يمكن إرجاع امتدادها التاريخي إلى العشرينات، معتبرا مدارس حزب الشعب الجزائري ومدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والمدارس الحرة والزوايا حضنا طبيعيا لميلاد الفكر التحرري الذي كان نتاج مرحلة قاسية من القهر الاستعماري، مضيفا بأنّ الثورة الجزائرية قبل انطلاقها هي التي هيأت المناخ لظهور الوعي الطلابي الذي كان بمثابة الوسيط بين السياسي وهموم الشعب.

وعن أيهما أكثر تأثيرا، الحركة الوطنية التي أسسها ميصالي الحاج أو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، يرى الدكتور بأن الدور بينهما كان تكامليا، ليكون المنتوج في النهاية أول نوفمبر الذي حرّر الوطن.

كما أكد الأستاذ محمد عبد الرحمان عريف من مصر، على الدور التاريخي المهم الذي لعبه الطلبة الجزائريون بمصر في تاريخ الحركة الوطنية وثورة التحرير، وكذا دورهم الفعال من خلال الصحافة المصرية، ومنها مشاركتهم في برامج صوت العرب من القاهرة، مضيفا بأنّ الطلبة الجزائريون ساعدوا إخوانهم في مصر ضد الاحتلال البريطاني.

وفيما يتعلق بعلاقة جامع الزيتونة بتونس في الجزائر، قال الدكتور حبيب أحسن ملولة من تونس، ورئيس مركز البحوث والدراسات باتحاد من أجل المغرب العربي، بأنها كانت علاقة قوية جدا وتواصلية، وقد تجسّد ذلك من خلال معهد الشيخ عبد الحميد بن باديس وكذا مدرسة الكتّانية بقسنطينة، وخلال سنة 1945، أصبح هذان الأخيران فرعان من جامع الزيتونة، حيث كان الطلاّب الجزائريون يزاولون فيهما الدراسة لمدة أربع سنوات، فيما يشرف جامع الزيتونة على الامتحانات ومنح شهادة الأهلية، أما سنة 1952، فقد كان جامع الزيتونة يقوم بإرسال مشايخه إلى قسنطينة للإشراف على الامتحانات، معتبرا الطلاب الجزائريين المتخرجين من الزيتونة بالشمعة التي أضاءت ظلمات فرضها المستعمر الفرنسي، ومنه فقد كان لهم كل الشرف لإعداد الجيل الذي فجر الثورة، فكانوا من الأوائل.

واعتبر الأستاذ توفيق صالحي أستاذ تاريخ بجامعة 20 أوت 55، أن الطلبة المسلمين ومنذ عام 1908، تبوؤوا طليعة حركة المطالب الأهلية ونشطوها بكل حيوية إلى غاية سنة 1954 وما يليها،  بالرغم من أنّهم لم يسيطروا على قيادتها بعد سنة 1936، مؤكدا بأنّ النشاط السياسي كان في بداية الأمر من مهام الطلبة الذين أنهوا دراستهم الجامعية، فيما انصب الاهتمام بعدها على الدراسة، لكن لم يمنعهم ذلك من متابعة وبحماس كل الأنشطة السياسية لقدماء الطلبة الذين سبقوا في النضال، لكن الوعي السياسي عندهم تنامى بفعل الأحداث المتتالية، مشيرا في هذا الصدد بأنّه وخلال الفترة الممتدة من 1936 إلى غاية 1943،  صار أغلبهم يعلنون انتسابهم إلى الأمة الجزائرية، معلنين صحوة الوعي الوطني لديهم.