الأخصائي في علم الأوبئة والطب الوقائي البروفيسور عبد الوهاب بن قونية ضيف ”منتدى المساء”:

الجزائر لها الإمكانيات والكفاءات لضمان خدمة صحية ذات نوعية

الجزائر لها الإمكانيات والكفاءات لضمان خدمة صحية ذات نوعية
  • القراءات: 1341
حسينة/ل حسينة/ل
أكد البروفيسور عبد الوهاب بن قونية، رئيس مصلحة علم الأوبئة والطب الوقائي بالمركز الإستشفائي الجامعي مصطفى باشا، أن الجزائر تزخر بالإمكانيات المادية والكفاءات العلمية اللازمة التي تجعلها تنجح في ضمان منظومة صحية تضاهي تلك الموجودة في البلدان المتقدمة، مشيرا إلى أن المشكل الأكبر الذي يعيق تحقيق ذلك هو سوء تحديد الأولويات وانعدام الرؤى بعيدة المدى. وأوضح الأخصائي ـ خلال نزوله ضيفا على ”منتدى المساء” ـ أن الآلية الناجعة والتي من شأنها ضمان الحلول المناسبة وتحسين الخدمة الصحية، وعلى الخصوص ضمان وقاية فعّالة من خلال رصد التهديدات الصحية المحتملة، تكمن في ضرورة الإسراع في إنشاء المعهد الوطني لليقظة الصحية.
ويرى الأخصائي أن المخطط الوطني لليقظة الصحية، الذي أطلقته مؤخرا وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات من ولاية غرداية، لا علاقة له بالمعهد الذي يطالب بإنشائه تحت وصاية الوزير الأول لتوجيه السياسة الصحية للبلاد، ولا يمكن أن يحقق الأهداف المرجوة كون التجربة المكتسبة عبر عشرات السنين تؤكد أن المخططات لا تضمن قوة الوصول إلى الهدف والاستمرارية لأنها يمكن أن تتغير برحيل المبادرين بها بينما يضمن المعهد السيرورة والاستمرارية كونه هيكلا قائما بذاته وهو مؤسسة بها إدارة والإدارة تعني استمرارية الدولة مما يضمن بقاءه مهما كانت حجم التغيرات بالقطاع، وخير دليل على ذلك، يضيف المتحدث، هو المعهد الوطني للصحة العمومية الذي تم إنشاؤه منذ 50 سنة ولا يزال يقوم بدوره، بينما زالت مئات العشرات من المخططات التي مات البعض منها عند ولادتها، ولم تطبقا أصلا.
وأكد أنه آجلا أم عاجلا سيكون للجزائر معهد لليقظة الصحية كونه الحل لكل معضلة تتعلق بالمنظومة الصحية.. ونظرا لأهميته في المراقبة الدائمة لوضعية الصحة العمومية بالجزائر والكشف المسبق للأمراض التي تشكل خطرا على السكان، وكون الجزائر دولة كبيرة وهي في حاجة إلى مثل هذه الهياكل التي لا نجدها إلا في بعض الدول المتقدمة، موضحا أن مهمة المعهد هي القيام بالبحوث ودارسة كل صغيرة وكبيرة تطرأ على الوضعية الصحية للسكان حتى ولو كانت مجرد إشاعة يجب أن تؤخذ محمل الجد والبحث في صحتها من عدمها لتحويل نسبة التهديد والخطر المحتمل إلى الصفر. وينبه الأخصائي بن قونية، السلطات العمومية إلى أهمية إنشاء هذا المعهد الذي يبقى هدفه الأساسي في وقاية المجتمع من أي خطر صحي محتمل كظهور بعض الفيروسات لاسيما في الوقت الراهن الذي تؤكد كل المؤشرات أن المستقبل يخبئ الكثير من المفاجآت بسبب التحول المتكرر للوضعية الوبائية في العالم وظهور من حين إلى لآخر فيروسات خطيرة تهدد حياة ملايين الأشخاص في العالم على غرار فيروس إيبولا وكورونا، فضلا عن فيروسات الأنفلونزا بشتى أنواعها التي خلفت العديد من الوفيات.
وتأسف المتحدث، في ذات السياق، لاختفاء خلية اليقظة التي أنشئت على مستوى وزارة الصحة و التي كان من الممكن أن تلعب دورها في انتظار إنشاء المعهد، علما أنه كانت توجد خلايا ولائية عبر كامل ولايات الوطن. وتحدث في هذا السياق عن الأمراض التي تسجل ارتفاعا في عدد المصابين، من سنة إلى أخرى وذكر من بينها مرض السرطان، الذي رغم تخصيص مخطط وطني كامل له إلا أنه يرتفع بسرعة مروعة حيث بلغ أكثر من 50 ألف إصابة جديدة في 2014 مقابل 39 ألف إصابة في 2009. 
وتطرق الأخصائي بالمناسبة إلى تحقيق وطني حول الصحة العمومية، كان قد قام به المعهد الوطني للصحة العمومية سنة 1990، أبرز أن الأمراض التي تشكل خطرا وتهديدا على الصحة بالجزائر هي السكري والضغط الدموي والسرطان، مؤكدا أنه لو تم تسيير المعلومات المستقاة من هذا التحقيق لما كان انتشار هذه الأمراض بالشكل الذي هو عليه اليوم، ناهيك عن الكلفة الباهضة التي تتحملها خزينة الدولة للتكفل بالمرضى.

مهمة اليقظة الصحية شاملة وكاملة
وتتكفل آلية اليقظة الصحية التي يطالب باستحداثها الأخصائي عبد الوهاب بن قونية والمتمثلة في المعهد الوطني، حتى بالمسائل المرتبطة بشكل غير مباشر بالصحة مثل مسألة استغلال الغاز الصخري، أو سياسة القضاء على البيوت الهشة وغيرها من المجالات التي يمكن أن تمس بالصحة العمومية. ولفت ضيفنا في هذا السياق الانتباه إلى ضرورة إعادة النظر المعمق والجدي في السياسة الصحية الحالية التي قال إنه لا بد أن ترتكز على الطب الوقائي أكثر من الطب العلاجي وكذا على التوزيع العادل للمراكز الصحية والمستشفيات، علما أن الأرقام تشير إلى وجود اختلالات بين مختلف مناطق الوطن. وكشف أن الهياكل الصحية المتوفرة حاليا تعكس فرقا واضحا بين جهات الوطن بحيث تتمركز أهم الأقطاب الصحية في الشمال في وقت ما تزال مناطق الجنوب تعاني نقصا كبيرا في الخدمات الصحية والمختصين. وأوضح البروفسور بن قونية أن مطالبته بإنشاء المعهد الوطني لليقظة الصحية، تفرضه الوضعية المقلقة للصحة العمومية بالجزائر، مضيفا أن المهام التي يضطلع بها هذا المعهد هي رصد الحالة الصحية للسكان، بالاعتماد على القطاعين العمومي والخاص المشاركين في الشبكة الوطنية للصحة العمومية، بهدف تجميع وتحليل وتحديث المعارف حول أسباب وتطورات المخاطر الصحية المتعلقة سواء بالأمراض المتنقلة أو غير المتنقلة، للتكفل الجيد بالمواطن. بالإضافة إلى تنبيه السلطات العمومية في حالة وجود خطر على الصحة العمومية، مهما كان مصدرها. ويوصي بالتدابير الملائمة التي يجب اتخاذها، وكذا ضمان جميع إجراءات المراقبة الصحية لتحديد الأسباب لحدوث تغيير في الحالة الصحية للسكان لاسيما في وضعية الاستعجالات. ونفى بن قونية أن يكون للمعهد الوطني للصحة العمومية القدرة والإمكانيات لكي يلعب دور معهد اليقظة، مؤكدا أن هذا الأخير يستفيد من معهد الصحة العمومية كمصدر لا أكثر.   
وفي هذا الصدد، قال البروفيسور بن قونية إن المعهد سيضع فور إنشائه المعلومات الناتجة عن اليقظة والملاحظة الصحية الضرورية التي تساعد في بلورة سياسة وطنية صحية ناجعة، مشيرا إلى أن مصادر هذا المعهد هي الإحصائيات الصحية، المنشورات العلمية، وغيرها، كما أن موارده البشرية يجب أن تتكون من أفضل الأطباء الأخصائيين في ميادين العلوم الدقيقة والبيولوجية والإنسانية والجيولوجية التكنولوجيات، الإعلام والاتصال والشؤون الدينية والعلوم القانونية وكل مجالات الحياة الإنسانية. واعتبر أن العمل التنبؤي والاستكشاف المسبق من شأنه المساهمة أيضا في الحد من سوء التسيير الإداري على مستوى المستشفيات والنفقات المكلفة جدا التي تصرف على القطاع التي لم تساهم في تحسين الصحة العمومية للمواطن، مشيرا إلى أن إصلاح قطاع الصحة كلف الدولة مبالغ باهظة بسبب التبذير وسوء التسيير وغياب التنظيم، علما أن سنة 2014 سجلت ديون لـ 622 مؤسسة استشفائية قدرت بـ25 مليار دينار، داعيا في الأخير إلى ترشيد النفقات واستيراد الأدوية.
وأبدى البروفيسور من جهة أخرى تأسفه لامتناع وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات عن إبداء رأيها في ملف استغلال الغاز الصخري بصفتها أهم المعنيين بالصحة العمومية وبالبحث في تحديد الأضرار المحتملة المنجرة عن استغلال هذه الطاقة غير التقليدية  على السكان وطمأنة المواطنين.