معرض تشكيلي جماعي بالمركز الثقافي "عبد الوهاب سليم" بشنوة

تحايا لحواء مطوّقة بالورد

تحايا لحواء مطوّقة بالورد
  • القراءات: 1296
مريم. ن مريم. ن
يحتضن المركز الثقافي "عبد الوهاب سليم" بشنوة إلى غاية 31 مارس الجاري، معرضا تشكيليا جماعيا ينظَّم بمناسبة عيد المرأة، وجمع العديد من الأسماء الفنية المحترفة والمكوّنة التي أسهبت في الحديث عن رمزية المرأة وما تحويه من معاني الحب والجمال والطبيعة والبؤس والحرمان، وغيرها من المتناقضات التي توقّع مشهد الحياة بكلّ ألوانها وتفاصيلها التي تمر عليها عادة العين مرور الكرام.
تنقسم قاعة العرض الكبرى بالمركز إلى فضاءين امتلآ باللوحات التي تحكي موضوعا واحدا برؤى وأساليب فنية مختلفة. وشارك في المعرض الفنان جمال قوراية المنبهر بكلاسيكيات الفن التشكيلي العالمي الذي تحفظه المتاحف الوطنية، لذلك ينعكس هذا الميل في أعماله المعروضة، إضافة إلى فن المنمنمات الذي يعطيه لمسة خاصة.
جمال قوراية خرّيج المدرسة العليا للفنون الجميلة سنة 1996، ظلّ من الأوائل في التحصيل، وهذا بفضل إطلاع جيد واجتهاد كبير بعدما وجد بالمدرسة العليا للفنون الجميلة كلّ الإمكانيات والظروف التي ساعدته كثيرا في بلوغ درجة عالية من المعرفة النظرية والتطبيقية، واستفاد كذلك من الأقسام وورشات البحث، تحت إشراف أساتذة كبار في المنمنمات والخط العربي والزخرفة.
وتحصّل قوراية على دبلوم الدراسات العليا بتفوّق من المدرسة العليا للفنون الجميلة بمعدل 18.25. وأرفق معرضه ببينات خاصة عن مساره المهني والأكاديمي، وبعد التخرّج التحق بعالم التدريس كأستاذ في التربية الفنية.
تحمل أعمال قوراية رسالة فنية عميقة مستمَدة من التراث والواقع الجزائري بكلّ أبعاده، مع توظيف خاص لأسلوب عصري متميز. وتَقيّد في هذه المشاركة بالمرأة التي تصوّرها من خلال الأساطير، وهي تأتي كالحسناء من فوق السحاب، وكثيرا ما ربط الفنان هذا الكائن الجميل والودود والولود بالطبيعة؛ حيث لم يكن يضع حدا فاصلا بينهما؛ فحتى المرأة المرضعة كانت تمسك مولودها وسط الأشجار التي كانت تناجيها ببركاتها، بينما كان النفور ملاحَظا في علاقة المرأة بالرجل، الذي هو رمز للمجتمع بأكمله.
شارك جمال قوراية في عدّة معارض وتظاهرات فنية وطنية ودولية، كتظاهرة عاصمة الثقافة العربية 2007، التي كان له فيها حضور قوي خاصة في المعارض التي أقيمت بالعاصمة والبليدة، منها معرض افتتاح المتحف الوطني للمنمنمات، والصالون الوطني الأوّل للفن التشكيلي (باية محيي الدين) بالبليدة، والمهرجان الثقافي للفنون والثقافة الشعبية لولاية تندوف سنة 2012 بحوالي 20 لوحة فنية... وغيرها من التظاهرات.
وتحصّل على عدة جوائز وتكريمات، منها شهادة تقدير في المسابقة الدولية للمنمنمات والزخرفة بالجزائر 2006، والجائزة الأولى بالصالون الوطني الأول للفن التشكيلي بالبليدة، والجائزة الأولى لجمعية هواة الفن التشكيلي 2007، وشهادة شرفية للمهرجان الثقافي الدولي للمنمنمات والزخرفة 2009، وشهادة شكر وعرفان من طرف شركة اتصالات الجزائر ووزارة التربية الوطنية 2010، وشهادة تقدير بالمهرجان الثقافي للفنون والثقافة الشعبية تندوف 2012 وغيرها من الجوائز.
وشارك في المعرض أيضا الفنان عبد الرحمن بختي، ليوقّع للمرأة عبر حيز كامل مشاركته لها في حياتها وآمالها نحو غد أفضل. ويطبع لوحات هذا الفنان الأسلوب السريالي، كما يعتمد على أسلوب التشخيص؛ فهو شديد التركيز على الملامح خاصة ملامح وجه المرأة.
ويعطي الفنان الظهور كاملا للمرأة، ويرسم الوجه بأبعاد وحالات مختلفة في هدوئها وحركتها الضاحكة ولون عيونها وهكذا.. وهو تعبير عن تنوّع جمال هذا الكائن الرقيق ذي الإحساس المرهف. وتحاول في لوحة "النظرة" ريشة الفنان التركيز على تقاسيم الوجه، ليبدو في أشكال هندسية تكعيبية، تُظهر المرأة في حالة سكون وفي حالات تذمّر.
ويربط المرأة ببعض الرموز التي تُنسب لها كالبيضة، التي ترمز للإنجاب، والشجرة التي هي رمز لكلّ أنثى. وتحضر المرأة أيضا من خلال الهدوء والحكمة والجمال الذي يتمثّل فيها على شكل وردة، كما يعكس مدى ارتباط المرأة بالعادات والتقاليد؛ في لوحة يتلاشى فيها الفرق بين رأسها والجرة.
للإشارة، عبد الرحمن بختي منسق بالاتحاد الوطني للفنون الثقافية بولاية تيبازة، وسبق أن أقام معارض عبر التراب الوطني، وذلك منذ 1986، إضافة إلى معارضه في الخارج.
من جهته، يجسّد الفنان سليم ركاح حضور المرأة من خلال الأسلوب التجريدي، علما أنّه خريج المدرسة العليا للفنون الجميلة. له قدرة على تصوير المرأة حتى من خلال البقع والخطوط، التي غالبا ما تكون قضبانية تعبرها النساء حتى وهن يضعن "العجار"، وهناك أيضا لوحة جميلة تصوّر امرأة صحراوية فاتنة تتأمل الطبيعة وعلى رأسها تتفتح جذوع نخلة مثمرة.
وحمل الفنان البلعباسي نور الدين مقدس من جانبه، لوحاته التي أهداها للمرأة، وأغلبها من الحجم الكبير، تلألأت فيها الألوان والأضواء الكاشفة عن تمكن وموهبة صقلها التكوين الأكاديمي. ويُعرف هذا الفنان بـ "البيكسي"؛ أي وحدة الصورة الرقمية وتحويلها إلى عمل تشكيلي بالألوان الزيتية، علما أنّه الأوّل في الجزائر وفي العالم العربي الذي استعملها، فأصبح الرائد في هذه التقنية الجديدة المستمدة من الحياة ومن واقعها.
وتتميّز هذه التقنية، كما سبق وأن شرحها مقدس لـ "المساء"، بتفكيك الصورة إلى مربعات صغيرة جدا، مثل حجر الحصى الصغير، وبالتالي فإنّها تعطي لمسة خاصة للعمل، وبعدا جماليا راقيا. كما تجعل المشاهد يدقّق في التفاصيل والألوان، ويكتشف الصورة أو المشهد الذي ألف مشاهدته كوحدة واحدة. 
وتظهر المرأة بالحايك والعجار، لا تُظهر منها سوى حليّها اللماعة؛ فموضوع المرأة كحال الريفية ذات الحلي الفضية، وذات الملامح البريئة والصافية. وفي "الأمومة" التي تعبّر عن الحنان الفائض للمرأة الجزائرية التي تحضن رضيعها بدفء وهي مغمضة العينين، وأيضا في "الترقية" التي تعكس الشموخ والأصالة. ونفس الحضور تسجّله الفتيات الصغيرات اللواتي كانت لوحاتهن الأكثر جلبا للجمهور، وكلهن فتيات جزائريات من الزمن الماضي، بعضهن قرويات بجمال ساحر يملأن الجرار في متعة، ولوحة أخرى لـ "فتاة القردون"، تتطلّع في احتشام لتنظر بعينيها العسليتين والقردون يتدلى على كتفيها بجمال جزائري خالص، ولوحة أخرى لـ "ابتسامة فتاة " مستمتعة بعالمها البريئ المزدحم بالحكايا والصور.
وبدورها، لم تترك الفنانة حفيظة مقدس أيّ فراغ في حضور حواء عرسها العالمي، كان ذلك من خلال الزخرفة والرسم على الزجاج بألوان أنثوية ساحرة تجذب العين والوجدان معا. أما داي سفيان المكنىّ بالشنفرى، فكانت له العلامة كاملة، هذا الفنان القادم من عاصمة الأوراس رصد المرأة المكافحة من أجل البقاء ومن أجل لقمة العيش التي تحفر من خلالها في الصخر، وكان قمة في توظيف الأسلوب الواقعي، لتبدو لوحاته كالروائع، لعل من أجمل ما رسم "المرأة الخياطة" المنكبّة على آلة الخياطة، تظهر عليها علامات الفقر الذي لم يرحم تقدّم سنها، وتزيدها أشعة الشمس الداخلة من إحدى نوافذ البيت الشبيه بالكوخ، كشفا لبؤسها ولتجاعيد وجهها الهادئ والخجول. وتبدو في لوحة أخرى في نفس الشقاء امرأة جزائرية ربة بيت تقدّم بها العمر، لتأخذ قسطا من الراحة، متكئة على جدار وهي تتأمل ماضيها.
واختارت الفنانة جميلة عبابسية التجريدي، كما اختارت معه الخطوط والبقع والألوان الصاخبة التي تتلاحم دوما لإظهار طيف المرأة، التي غالبا ما تظهر خائفة أو مختبئة لا تأمن الغير، وبالتالي فإنّ الألوان تحمل أيضا اضطرابا وغموضا في الرؤية، بعيدا عن الصفاء والنور.