الذهنيات المقولبة تعطّل تنفيذ تخفيف الإجراءات الإدارية

إلغاء التصديق أراح المواطن

إلغاء التصديق أراح المواطن
  • القراءات: 1359
زولا سومر زولا سومر
رغم الصدى الإيجابي الذي تركته الإجراءات التي أقرتها وزارة الداخلية، للقضاء عن البيروقراطية ورفع المعاناة عن المواطن بتخفيف الوثائق الإدارية، فإن متاعب المواطنين ومعاناتهم مع الإدارة مازالت متواصلة ولا تكاد تنتهي، بسبب الذهنيات التي لم تتغير عند العديد من الموظفين الذين لا يحسنون معاملة المواطن عندما يقصد المصالح الإدارية.
يبدو أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، للقضاء على ظاهرة البيروقراطية التي ظلت تثقل كاهل المواطن، لم تجد آذانا صاغية فالبرغم من تخفيف الملفات الإدارية، وتمكين المواطن من استخراج الوثائق من أية بلدية عبر الوطن، فإن طريقة استقباله لازالت غير لائقة رغم التعليمات التي قدمتها الوزارة الوصية، لأعوان الدوائر والبلديات لتحسين معاملة المواطن، وترقية الخدمة العمومية وتقديم تسهيلات له بدل عرقلته. هذا ما لاحظناه خلال جولتنا الاستطلاعية بعدد من بلديات ودوائر العاصمة، حيث قدمنا أنفسنا على أساس أننا مواطنون جئنا للاستفسار عن طريقة استخراج الوثائق، حيث انتظرنا لعدة دقائق حتى يجيبنا أعوان الشبابيك الذين تحدثوا إلينا ببيروقراطية تعودوا عليها، ويبدو أنه من الصعب التخلّي عنها بين عشية وضحاها وكأنهم يمنّون علينا مع أن مهمتهم خدمة المواطن والإجابة عن استفساراته.
ورغم إلحاح السلطات العمومية في عدة مناسبات على ضرورة تغيير هذا السلوك، فإن بعض الموظفين لازالوا يكرسون بيروقراطيتهم ويذيقون المواطن مرارة تصرفاتهم، في الوقت الذي قدمت فيه الحكومة كل التسهيلات لرفع المعاناة عنه، حيث يضرب هؤلاء الموظفون عرض الحائط بتعليمات الحكومة، التي طالبتهم باستقبال المواطن بأدب والاستماع لانشغالاته وتقديم التسهيلات له.
وكانت وزارة الداخلية، وقصد محو هذه الصورة التي شوّهت الإدارة، أطلقت برامج تكوينية مكثفة انطلقت في أكتوبر الماضي، لتحسين أداء الموظفين التابعين للإدارة المحلية لمرافقة الإجراءات الجديدة التي تضمنها قانون الحالة المدنية.

١١٠٠: رقم مجاني يجعل المواطن في غنى عن الشباك
وعلّق العديد من المواطنين الذي التقيناهم ببلدية سيدي امحمد، والقبة عن أملهم في أن يحل مركز النداء لوزارة الداخلية، الذي وضعته تحت تصرف المواطنين مشكل البيروقراطية التي يواجهونها عند التوجه للبلديات والدوائر للاستفسار عن كيفية تشكيل ملف إداري ما، حيث يمكنهم الحصول على معلومات صحيحة عن طريق الاتصال بالرقم الأخضر الذي وضعته الوزارة، تحت تصرفهم من أي مكان كانوا فيه دون التنقل إلى البلديات والدوائر.
وقد دشنت وزارة الداخلية والجماعات المحلية مؤخرا، هذا المركز للرد على انشغالات المواطنين وتزويدهم بكافة المعلومات التي يطلبونها والمتعلقة بتكوين الملفات الإدارية مثل بطاقة التعريف الوطنية، الدفتر العائلي، شهادة الإقامة، كيفية إنشاء جمعية أو حزب وغيرها، وذلك من خلال الاتصال بالرقم الأخضر المجاني ١١٠٠.
وفي هذا السياق أكدت السيدة سليمة، التي التقيناها بدائرة حسين داي، أن "هذا الرقم الأخضر هو أحد الحلول التي من شأنها أن تخفف من وطأة البيروقراطية التي ظلت تعاني منها إدارتنا منذ سنوات طويلة ومازالت قائمة ليومنا هذا، وذلك من خلال اطلاع المواطن على بعض الإجراءات الإدارية وهو في بيته، ومن خلال هاتفه دون أن يتكبّد عناء التنقل إلى الإدارات العمومية التي تكون في غالب الأحيان مكتظة بالمواطنين".
وتباينت آراء المواطنين الذين استجوبناهم حول مدى تحسن مستوى أداء الخدمة العمومية بفضل الإجراءات المتخذة للتقليل من ظاهرة البيروقراطية الإدارية، والتقليل من ثقل الملفات وعدد الوثائق المطلوبة.
ففي الوقت الذي سجل فيه ارتياح عند بعض المواطنين، وأداء مصالح الحالة المدنية بالبلديات التي تدعمت بجملة من الإجراءات، خاصة منها توسيع نظام الإعلام الآلي عبر الشبابيك لتسريع وتيرة العمل وتحسينه بتجنب الأخطاء في الأسماء التي كثيرا ما اشتكى منها المواطن، وقادته إلى أروقة المحاكم لإجراء عملية التصحيح، نجد كثيرين يشتكون من طريقة التعامل معهم وعدم استقبالهم من طرف المسؤولين المحليين لطرح انشغالاتهم، حتى في أيام الاستقبال، وهو ما لمسناه بدائرة حسين داي، التي أردنا لقاء أحد مسؤوليها كصحفيين للاستفسار عن مدى تطبيق الإجراءات الجديدة في استخراج جوازات السفر البيومترية وغيرها، والتأكد من صحة ما يشتكي منه المواطن، غير أن المسؤولين رفضوا استقبالنا وتفاجأنا بطريقة حديث عون الأمن الذي طالبنا بالعودة مرة أخرى بحجّة أننا لم نحدد موعدا مسبقا، وأن المسؤولين منشغلون ولا يمكنهم استقبالنا. ومفاجأتنا كانت أكبر عندما تحول هذا العون إلى "رئيس تحرير" وراح يملي علينا عملنا، حيث قال لنا "بأن الموضوع غير مستعجل ويمكنكم تأجيله إلى مرة أخرى لأن الموظفين هنا ليسوا مخولين بتقديم معلومات للصحافة لأنها مهمة المسؤولين وهم مشغولون الآن بإجراءات الترحيل".
وإذا كان هؤلاء لا يسمحون للصحفي بمقابلة مسؤول للحصول على معلومات بسيطة تتعلق بالمعاملات اليومية للمواطن، يبقى السؤال مطروحا عن مصير المواطن البسيط الذي يريد مقابلة المسؤولين المحليين لنقل انشغالاته.
وماعدا الذهنيات التي لازالت تكرّس البيروقراطية فإن المواطنين الذين تحدثنا إليهم على العموم أبدوا ارتياحهم للإجراءات المتخذة مؤخرا، والتي سمحت بتقليص عدد الوثائق الإدارية التي كانت مطلوبة من قبل إلى ١١ وثيقة فقط بدل ٣٦ وثيقة. كما عبّر العديد منهم عن استحسانهم لتوسيع صلاحية شهادة الميلاد إلى ١٠ سنوات بدل سنة، وإمكانية استخراجها من أي بلدية وليس من مسقط رأس المعني بالأمر فقط، بما فيها شهادة الميلاد الأصلية وشهادة الميلاد الخاصة رقم ١٢. بالإضافة إلى عدم تحديد صلاحية شهادة الوفاة وتمديد آجال التصريح بالولادات والوفيات بالنسبة للمواطنين القاطنين بالجنوب إلى ٢٠ يوما بدل من يوم واحد، كما كان معمولا به من قبل، وتحديد سن الرشد بـ١٩ سنة عوض ٢١ سنة لمطابقته مع القانون المدني، فضلا عن منح صفة ضابط الحالة المدنية للأمين العام للبلدية لتحرير عقود الزواج والوفيات وشهادات الوفيات في حالات محددة.

إلغاء التصديق خفّف المعاناة
ويعد قرار إلغاء التصديق على وثائق طبق الأصل الخاصة بالوثائق التي تصدرها الهيئات الإدارية، من أهم القرارات التي لقيت استحسانا عند المواطن الذي ظل يضيّع وقته في طوابير الحالة المدنية للتصديق على هذه الوثائق، حيث أصدرت وزارة الداخلية، مرسوما تنفيذيا يطالب الإدارات العمومية بعدم اشتراط وثائق مصادق عليها بالبلديات.
والمعلوم أن نسخا طبق الأصل كانت "غير معترف بها" من طرف مختلف الهيئات والإدارات العمومية قبل صدور هذا المرسوم، بداعي تجنب الوقوع في مشاكل تتعلق بالتزوير، حيث كان يشترط التصديق على الوثائق نسخ طبق الأصل للاعتراف بها واعتمادها وثيقة رسمية تعوّض الوثيقة الأصلية.
وخلال جولتنا ببعض بلديات العاصمة، لاحظنا هدوءا لم نعهده بشبابيك التصديق التي كانت تعج بالمواطنين في طوابير غير متناهية. وهو ما يبين أن إلغاء التصديق سيلغي بشكل آلي شبابيك التصديق على الوثائق في مصالح الحالة المدنية، وهي التي طالما شهدت طوابير طويلة على اعتبار أن مختلف الإدارات والهيئات والمؤسسات كانت تشترط أن تكون الوثائق المودعة على مستواها تحوي وثائق أصلية مثل شهادات النجاح وبطاقات الهوية وغيرها، أو نسخا طبق الأصل مصادقا عليها بدلها. على أن تتفرغ هذه الشبابيك مستقبلا للتكفل بانشغالات أخرى حسبما يتوقعه مسؤولو بعض البلديات الذين يرغبون في أن تحول شبابيك التصديق على الوثائق إلى شبابيك تعنى بانشغالات أخرى عند المواطن، أو يستغل موظفوها لتخفيف الضغط على زملائهم بباقي الشبابيك.

تكفل البلديات بتصحيح الأخطاء يوفر عناء التنقل للمحاكم
وعبّر العديد من المواطنين عن ارتياحهم لتسهيل مهمة استخراج الوثائق الإدارية، غير أن الكثير منهم اشتكوا من الأخطاء التي باتت ترافق هذه الوثائق عند استخراجها من بلديات ليست بلدياتهم الأصلية، وإن ظلت هذه الأخطاء بسيطة تقع سهوا وبدون قصد، فكم من شخص رفضت وثائقه جراء خطأ في الاسم أو الجنس أو تاريخ الميلاد وغيره، فأصبح الكثيرون يتخوفون من وقوعها لأنها أصبحت معضلة تجبر المواطن على الانتظار لساعات لتصحيح الوثائق.
وفي هذا الشأن ذكر السيد صالح أوباهي، الأمين العام لبلدية سيدي امحمد بالعاصمة، لـ«المساء" أن الإجراءات المتخذة مؤخرا بين وزارة الداخلية ووزارة العدل، تعمل تدريجيا على القضاء على هذه الظاهرة التي كثيرا ما عطّلت مصالح المواطن الذي يجد خطأ في وثائقه وبالتالي لا يمكنه دفع ملف ما في آجاله المحددة، وذلك من خلال تخصيص شباك للتصحيح على مستوى كل البلديات للتكفل بهذه المشكلة في الحين، وتخليص المواطن من معاناة التنقل إلى المحاكم لتصحيح هذه الأخطاء في الأسماء، كما كانت من قبل. مشيرا إلى أن الهدف من هذا الإجراء هو التخفيف عن المواطن والقضاء على البيروقراطية بتمكينه من الحصول على وثائق خالية من كل الأخطاء، حيث تتكفل البلديات بهذا التصحيح الإداري على مستوى المحاكم.
وكانت وزارة الداخلية، وجهت تعليمة تطالب فيها مصالح الحالة المدنية عبر بلديات الوطن بتعيين موظفين اثنين مؤهلين لاستقبال ملفات طلب تصحيح الأخطاء المادية في وثائق الحالة المدنية من المواطنين المعنيين بالموضوع، وهما من يرتبان هذه الملفات حسب نوعية الأخطاء التي عادة ما تكون في الأسماء والألقاب أو في تواريخ وأمكنة الازدياد، سواء كان ذلك في عقود الزواج وعقود الوفاة أو في عقود الميلاد، ويسلمانها للمصلحة المختصة باستقبال طلبات التصحيح في المحكمة، ثم يستلمان الأحكام بعد تجهيزها من قبل المحكمة ويشرفان بعد ذلك على تصحيح الأخطاء في سجلات الحالة المدنية على مستوى بلديتهما مباشرة دون تكليف المواطنين عناء التنقل بين البلدية والمحكمة. وإذ ثمّن السيد أوباهي، هذه التسهيلات والمبادرات الرامية إلى تحسين الخدمات المقدمة للمواطن والقضاء على البيروقراطية بإعادة ثقة المواطن في الإدارة، أشار من جهة أخرى إلى أن الجماعات المحلية تعمل تدريجيا على القضاء على هذه الأخطاء التي "ستزول بعد الانتهاء من إعداد كل السجلات الإلكترونية".
وأضاف محدثنا أن شبح البيروقراطية سيستأصل بوضع رقم تعريفي وطني يغني كل مواطن عن كل وثائق الحالة المدنية مستقبلا. علما أن وزارة الداخلية تحضّر للشروع في إطلاق بطاقة التعريف الإلكترونية قريبا.

تذمر لطول مدة تسليم وثائق السيارات وجواز السفر
وبالمقابل سجلنا عدة شكاو وعدم رضا في طبيعة أداء مصالح الحالة المدنية للدائرة، وبالخصوص في عملية تجديد رخص السياقة التي تتجاوز في بعض الأحيان مدة سنة، حيث عبّر المواطنون الذين التقيناهم بدائرة حسين داي وسيدي امحمد عن تذمرهم من طول انتظارهم لدى استخراجهم بعض الوثائق المتعلقة بالسيارات خاصة منها البطاقة الرمادية وكذا رخصة السياقة.
وباتت تعرف مصلحة استخراج هذه الوثائق بالدوائر الكثير من المشادات الكلامية بين الأعوان والمواطنين الذين يقصدونها، وهو ما أصبح يثير الكثير من القلق مطالبين السلطات المسؤولة بالتدخل قصد إيجاد حل لهذا المشكل.
وإلى جانب الوثائق الخاصة بالسيارات عبر العديد من المواطنين عن عدم رضاهم لطول مدة استخراج جواز السفر البيومتري الذي لا يزال هو الآخر يعرف تأخرا كبيرا، مما يعطل مصالح المواطنين الذين يكونون مستعجلين للحصول عليه قصد السفر، ولو أن المسألة أرجعها بعض الموظفين إلى تكدّس الملفات في المركز الوطني للمعالجة بالعاصمة.