"ميستا" لكمال يعيش بقاعة "ابن زيدون"

تجليات مأساة التسعينيات في سرد مسرحي

تجليات مأساة التسعينيات في سرد مسرحي
  • القراءات: 754
مريم. ن مريم. ن
قدّم كمال يعيش مؤخرا بقاعة "ابن زيدون" العرض الشرفي لفيلمه الروائي الأوّل "ميستا" الذي تناول فيه فترة الأزمة الأمنية التي مرت بها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وذلك من خلال إبراز معاناة عينات من الناس الذين صمدوا وواصلوا مجرى حياتهم البسيطة على الرغم من النهاية القاتمة للفيلم الذي لم يفصل في تراجع ودحر ظاهرة الإرهاب التي امتد تهديدها وأصبح عابرا للقارات.
يبدأ الفيلم بمشاهد عادية ليوميات إنسان جزائري بسيط يدعى مراد... ينهض في ساعات الفجر الأولى للذهاب إلى عمله في مقهى شعبي، في هذا الوقت من اليوم لا يخرج فيه إلاّ الكادحون وسرعان ما يصل إلى العمل فيستمع إلى المذياع الذي لا يكف عن تقديم النشرات الأمنية وتفاصيل المجازر المرتكبة في حق الأبرياء...
في نفس الوقت، تعرض مشاهد أخرى تذمّر الزوجة من عمل آخر يمارسه الزوج مراد كل يوم بعد الرابعة مساء ويجلب للعائلة سخط "الحومة" ويتمثّل في مهمة توزيع المشروبات الكحولية ويحاول الزوج في كلّ مرة إقناع الزوجة بأن عمله الإضافي هو من أجل تحسين الدخل وأنّه لا يتناول ولا قطرة من الكحول وكذلك الحال بالنسبة لرفيقه الحميم، نبيل الذي يوزّع معه هذه المشروبات ليعول عائلته المتواضعة.
يستمتع مراد ونبيل مع شلة من الرجال البسطاء الذين يأتون كلّ ليلة إلى شاطئ البحر بأطراف العاصمة لتناول هذه المشروبات والاستمتاع بنغمات الشعبي التي يعزفها أحدهم ويخلقون أجواء حميمية جميلة، وفي هذه المشاهد التي تتكرّر كلّ ليلة تظهر قوّة السيناريو والحوار في الفيلم وتتجلى معالم مقاومة هؤلاء لشبح الموت الذي يتهدّدهم وأنّهم كلّما سمعوا دوي القنابل أو الرصاص يرقصون.
في إحدى الليالي، تكتشف الشلة الشاب سمير الذي أتى بغتة للشاطئ كي ينتحر غرقا، لكن مراد ينقذه ليكتشف أنه فنان أوصدت في وجهه أبواب الحياة الكريمة.. ويوصله إلى بيته لكن الشاب ينسى حقيبته في شاحنة الخمر ليجد مراد فيها نصا مسرحيا فيقرأه طوال الليل ويتذكّر حلمه - عندما كان في أوّل شبابه - أن يكون فنانا وبعدها تبدأ علاقته بسمير ويكون بينهما مشروع مسرحية.
بالمقابل، يتصاعد التوتر وسط عائلة مراد، هذا الأب الحنون والزوج الوديع والابن المحب لأمه التي تنتظر عودة ابنها الصغير الذي غرر به فانضم للعمل المسلح، والذي كان يحذّر أخاه الحبيب مراد الذي رباه بأن يكف عن عمله حتى لا يعاقب إلى أن جاءه التهديد الرسمي فكفّ عن ذلك، بالرغم من أنّ هو نبيل كانا مجبرين على هذا العمل وكانا يخططان لتحويل نشاطهما من خلال اقتناء محل.
تتواصل الأحداث ويظهر جهد سمير ومراد لعرض مسرحيتهما على الجمهور وهما في قمة السعادة لكن يوم العرض يتفاجأ مراد ببلاغ من الشرطة يفيد بأن صديقه نبيل قتل فينهار ويترك العرض وتستمر المأساة.
عقب العرض الذي دام 102 دقيقة، نشّط المخرج كمال يعيش وبعض الممثلين ندوة صحفية أكّد فيها أنّ "ميستا" هو من نوع "الأفلام الواقعية" وهو أوّل تجربة سينمائية له باعتباره فنانا مسرحيا في المقام الأوّل، وهذه الخصوصية هي ما جعلت أب الفنون يتجلى في أداء أغلب الممثلين في الفيلم سواء في الحوارات أو التعابير أو حتى في الصمت، موضّحا إلتزامه بدور الممثل الذي هو الرقم واحد في كلّ الأعمال الفنية سواء في المسرح أو في السينما.
بالنسبة لعنوان الفيلم "ميستا"، فيعني حسب المخرج مكان لقاء بعيدا عن المجتمع، كان يعاني من ظاهرة الإرهاب وتجسّدت في أبشع صورها من خلال صورة قتل الصديق نبيل وفي صورة التخلف التي ضربت بأطنابها المدن الجزائرية في تلك المرحلة وأدخلتها الظلام، كما حمل الفيلم حسب مخرجه قصتين وهما قصة مراد بحياته البسيطة وقصة الفنان ومعاناته مع الالتزام دوما بمبدأ الإصرار على مواصلة الحياة. وبالنسبة للنهاية التراجيدية، فقد فسّرها يعيش بأنّها تصوّر خطورة الإرهاب الذي لا يزال حتى اليوم يهدّد الأمن في الجزائر وفي العالم.
الفنانة رانيا سيروطي (زوجة مراد)، أشارت إلى أنّ الدور لم يكن جديدا عليها لكنها ثمّنت بساطته وطبيعته وأنّه يترجم أحاسيس المرأة الجزائرية العادية، كما نوّه بطل الفيلم دحمان عدروش (مراد) بالدور الذي أقحمه في الأداء والأجواء المسرحية ليكتسب تجربة جميلة ومفيدة.