رئيس المجموعة الدولية الخاصة بالأزمات:

أحيي الدور الحكيم للجزائر في تسوية أزمتي مالي وليبيا

أحيي الدور الحكيم للجزائر في تسوية أزمتي مالي وليبيا
  • القراءات: 545
مليكة خلاف مليكة خلاف
حيا رئيس المجموعة الدولية الخاصة بالأزمات، جان ماري غيهينو، الدور الذي تقوم به الجزائر من أجل تسوية الأزمتين المالية والليبية، واصفا إياه بـ«المهم" و«الحكيم"، كما أضاف أن دبلوماسيتها الفاعلة ترتكز على مقاربة سياسية متوازنة تشرك بموجبها كافة الفاعلين من أجل التوصل إلى الحلول الدائمة في إطار احترام سيادة الدول.
وقال الدبلوماسي الفرنسي في محاضرة ألقاها، أمس، بمقر وزارة الخارجية تحت عنوان "مشاكل الفضاءات التي لا تخضع لسيطرة الحكومات ودور القوى الإقليمية تجاه المجموعة الدولية"، أن رؤية المجموعة التي يترأسها تتطابق وسياسة الجزائر في حل النزاعات الدولية، من منطلق أن وسائل القوة لا يمكنها أن تحقق في الكثير من الحالات النتائج المرجوة، مضيفا أن طريقة تعاطي الجزائر مع الأزمة المالية مثلا ينم عن الحكمة التي قد لا تشاطرها جميع الدول كون الأمر يتعلق بالتفاوض مع جماعات عسكرية.
وأشار السيد غيهينو إلى أن تجربة الجزائر في هذا المجال تستند إلى ما مرت به من ظروف صعبة خلال العشرية السوداء، حيث عانت من  ظاهرتي الإرهاب والعنف، إضافة إلى دورها الدولي الفاعل في تسوية النزاعات، ليستطرد بالقول إن إقامة الحوار لا يعد "مكافأة" للخصم أو العدو، بل هو أداة دبلوماسية للخروج من الأزمة، لأنه لا يجب "عسكرنة" كافة الحلول التي قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع أكثر.
وفي هذا الإطار، حاول الدبلوماسي تبرير التدخل الفرنسي في مالي عسكريا بالقول إن الظروف الاستعجالية فرضت ذلك لتفادى الكارثة، غير أنه يرى أنه من المهم اليوم اعتماد استراتيجية سياسية لضمان استقرار مالي.
وأوضح المحاضر الذي قدم تعريفا وافيا عن مجموعته وأهدافها، أن الحلول السياسية كفيلة بتجنب الأسوأ، مستشهدا في هذا السياق بالتقارب الذي حدث مؤخرا بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا بعد نصف قرن من الاحتقان حتى أنه لم يكن مقرونا بالعمل العسكري.
وفي معرض حديثه عن المجموعة التي أنشئت على ضوء النزاعات التي عرفها العالم في بداية التسعينيات وما صاحبها من تغير النظام العالمي بسقوط جدار برلين، قدم السيد غيهينو حصيلة العمل المنجز طيلة الـ15 سنة الماضية والتي أفضت إلى اعتماد أساليب جديدة في طريقة التعاطي مع المشاكل والنزاعات التي تعرف انتشارا كبيرا في القارة الإفريقية بالخصوص على ضوء المتغيرات الدولية.
ودق المحاضر الفرنسي ناقوس الخطر إزاء تنامي ظاهرة الإرهاب التي وجدت في الفوضى المتفشية وهشاشة المؤسسات في بعض الدول مرتعا خصبا لتنفيذ المخططات، كما هو الشأن في تونس وليبيا ومالي وأفغانستان وباكستان، مشيرا إلى أن النمو الكمي لهذه الفضاءات يطرح مشاكل نوعية تستوجب الالتفات إليها بجدية.

السيادة لحماية النظام الدولي الجديد
وعليه أشار ضيف الجزائر إلى أن إفرازات النظام العالمي الجديد قد ساهمت بشكل مباشر في بروز الظواهر الجديدة، في الوقت الذي يفترض أن يرتكز على مفهوم احترام سيادة الدول حتى تكون هذه الأخيرة  حامية شعوبها. وركز غيهينو في هذا الإطار على ضرورة أن يكون هذا المفهوم أول خط دفاع للنظام الدولي وإلا سيكون محكوم عليه بالانهيار.
وأعطى الدبلوماسي الفرنسي أمثلة عن مسؤولية الدولة في التعاطي مع الجماعات الإرهابية التي تتواجد على أراضيها كتنظيم القاعدة الذي تحتضنه حركة طالبان في أفغانستان رغم استعانة الولايات المتحدة الأمريكية به في حربها ضد الاتحاد السوفيتي، حيث أوضح أن ذلك لا يعفي مسؤولية الدولة في تكريس شرعيتها السياسية
وذلك بتلبية حاجيات مواطنيها الذين قد تدفعهم الظروف الصعبة إلى تبني خيارات أخرى بما فيها الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، مثلما حدث في نيجيريا، حيث أدت طريقة تعامل الجيش مع تنظيم "بوكوحرام" إلى استقطاب العديد من الإرهابيين الجدد.
وعليه أشار غيهينو إلى أن هشاشة العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها وعدم قدرة الدولة على معالجة المشاكل الاجتماعية، من شأنه أن يقوي شوكة الإرهاب ويغذي الإيديولوجيات الدخيلة، بالاعتماد على أبعاد مختلفة، واستدل في هذا الإطار بالإرهاب المنتشر في الدول الإسلامية باسم الدين مثل تنظيم "داعش" و الأعمال المسلحة المسجلة في شمال مالي وسوريا والعراق، حيث تستغل التنظيمات الإرهابية الاختلاف الطائفي والقبلي لارتكاب مثل هذه الأعمال.

الدول الغربية اعتمدت لغة الخشب في التصدي للإرهاب
كما نبه إلى أن ظاهرة الإرهاب شهدت تطورا في المدة الأخيرة باتخاذها طابعا دوليا، فبعد أن كانت تقتصر على تنفيذ الاعتداءات كما كان الحال مع أحداث 11 سبتمبر، أصبحت اليوم تبث صورا عن تنفيذ الاغتيالات أمام مرأى العالم، هذا بالإضافة إلى كون التنظيم يتبنى استراتيجية جديدة في سياق عولمة العمل الإرهابي بتوظيفه أفرادا من مختلف الجنسيات سيشكلون لا محالة خطرا على بلدانهم في المستقبل.
وأمام صعوبة المهمة وتعقد الأوضاع التي قد تفرزها إيديولوجيات هذه التنظيمات التي ترفض الاستماع إلى الرأي الآخر، يرى غيهينو أنه لا مفر من الإبقاء على باب الحوار مفتوحا، مثلما فعلت الجزائر لوضع حد للعشرية السوداء وإقرارها قانون المصالحة الوطنية. وعليه أكد المحاضر في المقابل على ضرورة الاستماع إلى الاحتجاجات الداخلية ومحاولة إيجاد الحلول الملائمة، بالإضافة إلى إدماج الديناميكيات الجهوية بإشراك الفاعلين الإقليميين لحل المشاكل.
من جهة أخرى، انتقد الدبلوماسي الفرنسي طريقة تعاطي المجموعة الدولية، وبالخصوص الدول الغربية مع ظاهرة الإرهاب، مشيرا إلى أن خطاباتها(الدول) تعتمد على لغة الخشب، مما أفرز شكوك في النوايا لدرجة  يصعب معها معرفة كيف تبدأ عمليات التصدي للإرهاب وكيف تنتهي، مما يفرض التفكير في إيجاد التوازن الأفضل للأمن الجماعي من خلال تفعيل الالتزام الخارجي.
ومن باب إضفاء الفعالية على العمل المشترك، قال المحاضر إن كل تحرك في هذا الاتجاه يجب أن يكون مقرونا بلوائح مجلس الأمن، مع اعتماد مقاربة مركزة حول الأولويات المسطرة وبالقضاء أيضا على الدوافع التي تغذي الشعور بالكراهية من خلال محاربة الفساد وإرساء العدالة التي لا تقل أهمية عن الديمقراطية التي انتفضت من أجلها بعض الشعوب العربية.
وتمسك السيد غيهينو بضرورة تحديد طموحات متوازنة مقرونة بأجندة ذات آجال معروفة، بدل تبني طموحات كبيرة غير قابلة للتجسيد بسبب قلة الوسائل، في حين  رفض حصر ظاهرتي الإجرام والإرهاب في الجانب الديني، مؤكدا أن العديد من الظواهر أصبحت تتخذ غطاء للإرهاب كوسيلة لتنفيذ مخططاتها.