ذوبان الجليد بين "بلد الحرية" و"جزيرة الحرية"

نهاية خمسة عقود من "العداء المطلق"

نهاية خمسة عقود من "العداء المطلق"
  • القراءات: 835
م/مرشدي م/مرشدي
"قرار تاريخي"و"قرار شجاع" و"نهاية الحرب الباردة"، بهذه العبارات تعاملت عواصم العالم مع التقارب المفاجئ بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا بعد خمسة عقود من القطيعة والعداء.
وتطورت العلاقة بين واشنطن وهافانا بشكل متسارع نهاية الأسبوع، من "جفاء مطلق" إلى "ود حميمي"وضع حدا لقطيعة عمّرت لأكثر من نصف قرن كانت الظغينة قاسمها المشترك.
ورغم سنوات القطيعة والعداء إلا أن الرئيس الامريكي باراك اوباما، ذهب الى حد التأكيد أنه مستعد لاستقبال الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، في البيت الأبيض وعدم استبعاده التوجه الى هافانا، في تحول يمكن وصفه بالمفاجئ إذا أخذنا بطبيعة العلاقة التي تكرست بين العاصمتين منذ حادثة الصواريخ السوفياتية في خليج الخنازير سنة 1961، التي كانت سببا في بناء جدار عداء حديدي بين جزيرة الحرية وبلد الحرية.
والحقيقة أن "دبلوماسية الجواسيس" التي أخرجت هذه الاتصالات السرية بين العاصمتين الى العلن لم تكن في نهاية الأمر سوى محصلة لاتصالات حثيثة بين البلدين، وتم الكشف عنها سوى لإيجاد المبررات لإذابة جليد تجمد على علاقات الشك والريبة التي تكرست طيلة خمسين عاما رغم انتهاء عوامل الشحناء بينهما بانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي.
وإذا علمنا أن العداء المطلق في العلاقات الدبلوماسية ليس مسلمة في حد ذاتها فإن انتهاء الجفاء بين هافانا وواشنطن لم يكن في الواقع سوى مسألة وقت حتى وإن طال، إذا أخذنا بتاريخ انهيار  جدار برلين الذي كان علامة فارقة في علاقات الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي.
ولأن فن الدبلوماسية لا يعترف بالمستحيل متى توفرت الإرادة لتحقيق أي انجاز، فإن عودة الدفء الى علاقات الولايات المتحدة وكوبا لم تكن إلا محصلة ايجابية لتحركات سرية دامت لقرابة العامين.
ويتذكر كل العالم المصافحة التاريخية التي تمت بين راؤول كاسترو، والرئيس باراك اوباما، في مراسيم دفن الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا، بداية ديسمبر من العام الماضي، واعتقد الجميع حينها أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مصافحة بروتوكولية فرضها تواجد الرجلين جنبا الى جنب في مناسبة عالمية، ولا أحد اعتقد أن الأمر تمهيد لما هو آت وقع نهاية الأسبوع المنقضي.
وحسب تسريبات تلت التصريحات الايجابية للرئيسين اوباما وكاسترو أول أمس، فإن البابا فرانسوا، كان بمثابة حلقة الربط التي أوصلت بالعلاقات الأمريكية ـ الكوبية إلى مثل هذه النهاية مستغلا في ذلك أصوله الأمريكو ـ لاتينية وأيضا منصبه كبابا الفاتيكان، للقضاء على آخر قلاع الحرب الباردة في الأمريكيتين.
وهي خطوة أولى على طريق وضع حد لأطول حصار اقتصادي يعرفه العالم، والذي عمّر منذ 52 عاما حاولت من خلاله الإدارات الأمريكية المتعاقبة الإطاحة بالنظام الشيوعي ورئيسه فيدال كاسترو، سواء عبر تأليب الشاعر الكوبي ضده أو من خلال مخططات سرية لاغتياله، إلا أن محاولات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فشلت في تحقيق مبتغاها ورحل الرؤساء الأمريكيون من كيندي مرورا بالرؤساء نيكسون وفورد وكارتر وريغان، وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن إلا أن كاسترو بقي في منصبه يقارع السياسيات الأمريكية ضد بلاده الى غاية رحيله عن سدة الحكم بعد أن أقعده المرض.
والمؤكد أن كوبا ستتنفس الصعداء بعد عقود من المعاناة المفروضة من الجارة الشمالية التي حاولت ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، استغلال علاقاتها مع ديكتاتوريات أمريكا الجنوبية لإحكام قبضتها على النظام الشيوعي في كوبا إلا أنها فشلت في خططها وتيقنت أكثر عندما صعدت أنظمة يسارية في مختلف عواصم هذه الدول في بداية الألفية الثالثة، وكان يجب أن تكيّف الإدارة الأمريكية مواقفها مع هذه المعطيات الجديدة التي شكلت متنفسا للنظام الكوبي، بسبب تطابق مواقفها تجاه السياسة الأمريكية في قارة أمريكا اللاتينية.
وهو الموقف الذي جعل الرئيس باراك اوباما، يقتنع أن الحصار الذي فرض على كوبا في نفس السنة التي ولد فيها لم يعد يجدي نفعا الى الحد الذي جعل وزير خارجيته جون كيري، يعلّق على الحدث بأن "الولايات المتحدة هي التي أصبحت محاصرة وليس كوبا".