الناطق الرسمي لاتحاد التجار والحرفيين لـ "المساء":

إضراب الثمانية أيام.. أعطى دفعا قويا للثورة

إضراب الثمانية أيام.. أعطى دفعا قويا للثورة
  • القراءات: 2845
نسيمة زيداني نسيمة زيداني
كان للتجار الجزائريين دور فعال أثناء الثورة التحريرية؛ حيث استجاب هؤلاء لنداء الوطن من خلال شن إضراب ثمانية أيام؛ من 28 جانفي إلى غاية 04 فيفري 1957؛ حيث إن هذا الإضراب كان بمثابة عمل سياسي، لفت الانتباه إلى ما يحدث في الجزائر، وكشف جرائم الاستعمار أمام الرأي العام العالمي، ومهّد لاعتراف هيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، والاستقلال والتأكيد على التفاف الشعب حول جبهة وجيش التحرير الوطني؛ باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري.
وأكد الناطق الرسمي لاتحاد التجار والحرفيين السيد الطاهر بولنوار لـ "المساء"، أن التجار والحرفيين الجزائريين قد لعبوا دورا كبيرا في إنجاح الإضراب؛ من خلال تموين الأسر الجزائرية بالأغذية بطرق سرية؛ كون محلات بيع المواد الغذائية كانت مغلقة؛ استجابة لنداء الإضراب الذي دعت إليه جبهة التحرير الوطني، وبهذا العمل الشجاع أثبتوا للعالم برمّته التفافهم حول الممثل الشرعي للثورة المباركة.

ظروف داخلية ودولية وراء قرار إضراب التجار
وقد دفعت الظروف الداخلية والدولية لاتخاذ قرار هذا الإضراب الجريئ خاصة في سنة 1956، التي شهدت أحداثاً بارزة مع انعقاد مؤتمر الصومام في شهر أوت، ويُعد أول مؤتمر يجمع قادة الثورة، ويعطي دفعاً تنظيمياً جديداً للكفاح المسلح، كما طبع النصف الثاني من هذه السنة العديد من الأحداث. ففي 22 أكتوبر قام الاستعمار الفرنسي باختطاف الطائرة المغربية المتجهة من المغرب إلى تونس، والتي كانت تقل خمسة مسؤولين مشاركين فيما سمّي بمؤتمر السلام، حيث اعترضت الطائرة طائرة أخرى عسكرية فرنسية، وتم إلقاء القبض عليهم والزج بهم في السجن، بالإضافة إلى تسجيل بداية الاتصالات السرية بين السلطات الاستعمارية ومسؤولي جبهة التحرير الوطني. أما الحدث الدولي البارز فكان العدوان الثلاثي على مصر في 23 أكتوبر 1956، والذي شاركت فيه ثلاث دول، ويتعلق الأمر بكل من بريطانيا، إسرائيل وفرنسا، بعد قرار عبد الناصر تأميم قناة السويس، وكانت حجة فرنسا في العدوان مساعدة مصر للثوار الجزائريين.
وقد عم الإضراب كل أرجاء البلاد، يقول السيد بولنوار، واستجاب الشعب لنداء جبهة التحرير الوطني، كما أنه شمل مختلف النشاطات الاقتصادية؛ بحيث توقفت حركة التجارة والنقل والفلاحة والتعليم والإدارات حسب المدة المحددة، وهي أسبوع.

الشعب الجزائري يستجيب لإضراب التجار
وأكد السيد الطاهر بولنوار، أن الإضراب حرّك الأقلام على الصعيد الدولي؛ حيث كتبت صحيفة "لوموند" واصفة تلك الأيام في طبعتها الصادرة في 31 جانفي 1957، قائلة إنه بمجرد طلوع النهار استأنفت القوات الفرنسية عملية تكسير المتاجر، وشرعت الدوريات في إعطاء الأوامر للعمال للالتحاق بأعمالهم، وإلا فإنهم يتعرضون لعقوبات بالسجن... إن الجزائر في هذا اليوم ظلت صامتة، واختفى منها سكانها المسلمون، تضيف ذات الصحيفة.
من جهة أخرى، أكدت جبهة التحرير الوطني في بيان صدر في نفس الفترة، يقول السيد بولنوار، أن نجاح هذا الإضراب سيكون معناه أمام العالم أنكم تعتبرون وفد جيش وجبهة التحرير الوطني هو المتكلم الأوحد لشعب الجزائر المناضل. وبقي التجار صامدين بالرغم من سياسة القمع التي لجأت إليها السلطات الفرنسية لوقف الإضراب، وذلك بعمليات المداهمة للبيوت ليلاً ونهاراً، وتعريض الموظفين والعمال للسجن والطرد، وإجبارهم على الالتحاق بمكان عملهم؛ حيث أمر الجنرال "ماسو" قواته باقتحام المتاجر بالقوة، وتعرضت المحلات للنهب والسرقة، بل وصلت به الوقاحة إلى حد الإعلان عبر أمواج الأثير، عن نداء يدعو فيه باسمه، سكان الجزائر لنهب البضائع؛ إذ قال: "إن جميع المتاجر ستُفتح، وإذا اقتضى الأمر فإن الأبواب ستحطَّم بالقوة حتى يتمكن الجمهور من دخولها بكل حرية، وتُعلِم السلطات جميع أصحاب المتاجر أنه إذا فُتحت أبواب المتاجر بالقوة، فإن أمن البضائع المستودعة بها غير مضمون".

نجاح الإضراب انتصار سياسي للقضية الجزائرية
 وقد أكد الشعب الجزائري عبر استجابته لنداء الإضراب الذي شنه التجار والحرفيون لمدة ثمانية أيام كاملة، أنه متمسك بالثورة التحريرية، ومرتبط بجبهة التحرير الوطني كممثل شرعي ووحيد له. وكان الإضراب فرصة لوكالات الأنباء ومراسلي الصحف الأجنبية في الجزائر - حسبما أكده السيد بولنوار - لتقديم صور حقيقية وواقعية عما يدور في الجزائر للرأي العام العالمي، وعن الأساليب القمعية التي تستخدمها السلطات الفرنسية لإفشال الإضراب، كما كان انتصاراً سياسياً للقضية الجزائرية، وتمت مناقشتها بهيئة الأمم المتحدة لمدة عشرة أيام، تُوِّجت بتوصيات، دعت من خلالها فرنسا لإيجاد حلول سلمية، وأكدت أن المشكلة الجزائرية تنطبق عليها مبادئ حق تقرير المصير، والمشاركة في أعمال التضامن والتكافل والبناء، التي تعكف الدولة الجزائرية على القيام بها. وبهذا الانتصار تمكن التجار الجزائريون من إعلاء صوت الحق لتقرير المصير، ورفض الاستعمار الفرنسي في الأراضي الجزائرية، يقول السيد بولنوار، مشيرا إلى أن العديد من الأسماء التي ضحت من أجل الوطن، هي لتجار، على غرار الشهيد العربي بن مهيدي (تاجر وحرفي)، ديدوش مراد (خبّاز)، بن بولعيد (ينشط في قطاع النقل) وكذا الباجي مختار.