«ابن باديس» بقسنطينة

الفيلم أغفل محطات وأبرز أخرى

الفيلم أغفل محطات وأبرز أخرى
  • القراءات: 2718
زبير.ز زبير.ز

 استمتع الجمهور القسنطيني، ليلة أوّل أمس بقاعة العروض الكبرى «أحمد باي»، بالفيلم السينمائي «ابن باديس» للمخرج السوري باسل الخطيب، الذي أنتج في إطار تظاهرة «قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015»، إذ من حظّ القسنطينيين أن يكونوا أوّل من يشاهد هذا العمل الدرامي الذي لخّص 51 سنة من حياة ابن باديس، وعاد بالجمهور إلى بداية القرن الماضي، حيث نقل معيشة الجزائريين خلال تلك الفترة، وكان أوّل عمل درامي يتناول الحياة الشخصية للعلاّمة المصلح عبد الحميد بن باديس.

الجمهور القسنطيني الذي شاهد الفيلم بحضور وزير الثقافة عز الدين ميهوبي ومخرج الفيلم باسل الخطيب وكلّ طاقمه والسلطات المحلية بقسنطينة ووالي ميلة، تفاعل كثيرا مع العديد من اللقطات التي دغدغت مشاعره، مثل اللقطة التي يعنّف فيها الشيخ ابن باديس أحد طلبته عندما رآه يضع قبّعة من صنع فرنسي ويرتدي لباسا غربيا، حيث قال له العلامة: «إنّ غبار الجزائر أحسن من أي لباس فرنسي»، وهنا تفاعل الجمهور بالتصفيق الحار، كما تفاعل الجمهور مع مشاهد وفاة أم ابن باديس ووفاة ابنه إسماعيل، ولم يبخل الجمهور بتصفيقاته خلال مشاهد المسيرات الجزائرية التي تنادي بأنّ «الجزائر جزائرية».

الفيلم الروائي «ابن باديس» الذي عُرض في مدة ساعتين إلاّ عشر دقائق - في غياب البطل الرئيس يوسف سحايري - محترما بذلك المقاييس العالمية المعمول بها في السينما، تطرّق لحياة الشيخ العلاّمة منذ ولادته سنة 1889 إلى غاية وفاته يوم الثلاثاء 16 أفريل 1940، حيث عرّج على بعض المحطات الهامة من حياة الشيخ على غرار زواجه من «يامنة» في سن مبكر؛ سن المراهقة، والتحاقه بالدراسة بجامع الزيتونة، ووفاة والدته، ثم ابنه وبداية مسيرته الإصلاحية من خلال تأسيس جمعية العلماء المسلمين وتضحياته في سبيل العلم، مما جعل زوجته تطلب الطلاق وترحل إلى تونس. كما تطرّق الفيلم للعلاقة الطيبة والمميزة بين الشيخ ووالده مصطفى، المقرب من السلطات الفرنسية الذي حماه بكلّ ما يملك، وعلاقته بمحيطه من تلاميذ زملاء في النضال، على غرار العربي التبسي، البشير الإبراهيمي والطيب العقبي وشخصيات وطنية، على غرار مصالي الحاج. كما عرّج مخرج الفيلم خلال هذا العمل السينمائي، على تضحيات الجزائريين ومعاناتهم من التضييق الاستعماري، وأخذ أبنائهم عنوة إلى الحرب العالمية الأولى. وأبرز باسل الخطيب في هذا الفيلم السينمائي مدى مساهمة الشيخ عبد الحميد بن باديس في التمهيد لثورة الفاتح نوفمبر 1954 ومواقفه الصريحة من الثورة.

وأغفل الفيلم الذي انطلق تصويره شهر أفريل من السنة الفارطة، ذكر بعض الأحداث البارزة في حياة الشيخ عبد الحميد بن باديس، على غرار قصيدة «شعب الجزائر مسلم»، وتفسيره للقرآن الكريم، ومساهمته الفعّالة في إخماد نار الفتنة التي أيقظها اليهود في شهر أوت من عام 1934، عندما تبوّل أحد اليهود على جامع سيد الأخضر، المعلم الديني والتاريخي، الذي لم يظهر تماما في الفيلم رغم تردّد الشيخ عليه مرارا لتقديم الدروس، عكس الجامع الكبير، وقدّم الفيلم أحداثا مغايرة لما يرويه المؤرخون عن الشيخ ابن باديس في قضية وفاة ابنه الذي تعرّض لطلق من بندقية ولم يسقط من الحصان، كما صوّره الفيلم. كما أظهر الفيلم الشيخ عبد الحميد بن باديس يتكلّم اللغة الفرنسية على عكس ما يرويه المقربون منه. 

ولم يُظهر هذا العمل السينمائي مواقف ابن باديس الصريحة من الزوايا، التي كانت تدعو إلى الشرك وتنشر الخرافات والجهل وتخدم بذلك المستعمر. ومرّ كاتب السناريو رابح ظريف مرور الكرام على تأسيس الجرائد التي أطلقها الشيخ على غرار «المنتقد»، «الشهاب» و«البصائر». كما لم يتطرّق لعلاقة الشيخ ببعض الشخصيات الوطنية، على غرار فرحات عباس، وهي التفاصيل التي برّر كاتب السناريو أنها تأخذ وقتا طويلا، وقال إنه لو دخل في هذه التفاصيل لأصبح الفيلم في أربع ساعات.

الفيلم اعتمد على شخصيات محورية كلّها جزائرية، على غرار الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي أدى دوره الفنان الجزائري يوسف سحايري، ووالده مصطفى، والدته زهيرة، زوجته اليامنة، طالبته الجوهر، كما ضمّ بعض الشخصيات الثانوية على غرار بوطبيلة الطاهر، الذي خاض الحرب العالمية الثانية، وسليم الخائن وكذا الطبيب، وهو طبيب العائلة وابن خالة ابن باديس من عائلة بن جلول.

 

المخرج السوري باسل الخطيب لـ«المساء»: الفيلم حرمني من النوم 

أكّد المخرج السوري باسل الخطيب، أنه لولا دعم وتشجيع وزارة الثقافة، لما كان الفيلم بهذا الشكل، مضيفا أنّه خلال مسيرته الفنية، أخرج العديد من الأعمال لسير ذاتية بقيت في وجدان الناس، على غرار مسلسلي «نزار قباني» و«عبد الناصر»، لكن هذه الخبرة والتجربة لم تحمه خلال إخراج فيلم «ابن باديس». وقال إنّه كلّما عاش يوما إضافيا في الجزائر، اكتشف أنّ المهمة ليست بالبساطة التي تصوّرها، وأنّ التفكير في هذا الفيلم حرمه من النوم ليال طويلة، بقدر حجم المسؤولية الكبيرة التي ألقيت على عاتقه خاصة في ظلّ أهمية شخصية ابن باديس عند الشعب الجزائري. «المساء» إلتقت بالمخرج السوري وكانت لها معه هذه الدردشة القصيرة.

❊❊برز اسم المخرج باسل الخطيب في أهم الأعمال الدرامية العربية التي لاقت نجاحا باهرا وبالتحديد في المسلسلات، على عكس الأفلام التي لم تلق نجاحا كبيرا، حسب تأكيد العديد من النقاد في العالم العربي، ما هي الصعوبات التي تواجهونها في إخراج الأفلام؟

ربما لا أوافقك الرأي، فلديّ العديد من الأفلام الناجحة، وأنا منذ فترة قصيرة عدت من مدينة سيدني ومالبورن الأستراليتين، حيث مكثت 20 يوما وعرضت كلّ أفلامي التي لاقت نجاحا كبيرا، وعلى مستوى المهرجانات أيضا كانت أفلامي تأخذ الجوائز، ومن غير الإنصاف أن نقول إنّ التجربة التلفزيونية لباسل الخطيب أنجح من التجربة السينمائية.  

❊❊لو نعود إلى فيلم «ابن باديس»، ما هي الصعوبات التي واجهتكم؟

 هي صعوبات تعوّدنا عليها في كلّ أعمالنا الفنية، هناك دائما تحدٍ لتقديم صورة فيها الصدق والعفوية، تنقل شحنة عاطفية إلى الجمهور، هي بالمحصّلة، تجربة استمتعت بها جدا، وسنسعى لتسويق الفيلم خارج الحدود الجزائرية بالتنسيق مع مركز تطوير السينما ووزارة الثقافة الذين يعود لهما اختيار المهرجانات التي سيشارك بها هذا الفيلم، وأن يكون هذا العمل بداية لعمل آخر مع الجزائريين.

❊❊ أعاب بعض مشاهدي هذا الفيلم، إغفال محطات بارزة من حياة الشيخ عبد الحميد ابن باديس، ما تعليقكم؟

 أظن أنّ حياة بن باديس، مليئة بالأحداث والشخصيات، لا يمكن أن يتّسع لها فيلم سينمائي واحد، ولقد قدّمنا الشيء الذي كنا نرى كمخرج، سيناريست ومنتج، أنّه من أهم المحطات البارزة في حياة الشيخ عبد الحميد، والتي تستحق أن نسلّط الضوء عليها وإغفالنا لبعض المحطات لا يقلّل من أهميتها. 

❊❊  ألم تكن اللهجة الجزائرية عائقا أمامكم، وكيف تقيمون أداء الممثلين الجزائريين؟ 

 أبدا، لم أصادف أيّ مشكلة من ناحية اللهجة الجزائرية، وإذا أردت سأتكلم معكم الآن باللهجة الجزائرية، ولم تكن اللهجة عائقا في الفيلم، أظن أنّه كانت مجموعة عمل رائعة، وعلى رأسهم الممثلين والتقنيين، كان هناك انسجام، تناقشنا في وجهات النظر المختلفة، وكنا نخلص إلى نتيجة واحدة تصبّ في فائدة العمل الجماعي بهدف إنجاح هذا الفيلم.  

❊❊ بعد هذا الفيلم، ماذا تركت فيك شخصية ابن باديس؟

 هي شخصية كبيرة، ومن خلال عملي عليها، أظن أنّها كرّست عندي أكثر حبّ الجزائر وكذا حب مدينة قسنطينة التي زرتها منذ ثلاثين سنة وأنا شاب وأعود إليها اليوم.

 ❊❊بالحديث عن هذه المدينة، كيف كان شعوركم وأنتم تعودون إليها؟ 

 شعور رائع، العودة إلى الوراء ثلاثين سنة هي نوستالجيا المكان، أحببت بقسنطينة المكان كما أحببت بعض الأُكلات التي تناولتها على غرار المرقاز والهريسة. 

 

قالوا عن الفيلم..

❊❊رابح ظريف (كاتب السناريو): مهمة السينما تقديم صورة وشخصية الجزائر الثقافية

أكّد رابح ظريف كاتب سناريو فيلم «بن باديس»، أنّ السينما الجزائرية إضافة إلى مشاركتها في المهرجانات والمنافسات الرسمية، عليها أن تقدّم صورة الجزائر وشخصيتها الثقافية، وهو الأمر الذي عمل عليه طاقم الفيلم، مضيفا أنّ المتابعة من طرف وزير الثقافة كانت دائمة وآنية في كلّ مراحل العمل، من كتابة السيناريو إلى التصوير والمونتاج والتعديلات؛ قصد إخراج عمل متميّز.

ودعا سناريست فيلم بن باديس إلى مزيد من هذه الأعمال المتميزة، التي من شأنها إعطاء نفس جديد للسينما الجزائرية، متمنيا أن يلاقي هذا الفيلم إعجاب كافة الشرائح من الشعب الجزائري. 

❊❊المخرج علي عيساوي: الخطيب نجح في رفع التحدي

أكّد الفنان والمخرج التلفزيوني علي عيساوي لـ «المساء»، أن الجزائر في 2017 تفتخر بأن تضمّ إلى رصيدها السينمائي فيلم «ابن باديس»، مشيرا إلى أنّ المخرج السوري باسل الخطيب نجح إلى أبعد الحدود في رفع التحدي، من خلال إشرافه على إخراج الفيلم، حيث قال عيساوي في دردشة مع «المساء» بعد نهاية العرض، إنّ أيّ فيلم مبنيٌّ على شروط أساسية، على رأسها السيناريو الجيد. وأضاف: «اليوم شاهدنا فيلما أحسسنا أنّ وراءه مخرجا استطاع بسط نفوذه على النص ككتابة وعلى النص الإيحائي، حيث تمكّن من السيطرة على تسيير هذا المنتج».

وحسب عيساوي فإنّ المخرج باسل الخطيب استطاع تفجير طاقات العديد من الممثلين الذين كان أداؤهم محدودا في أعمال سابقة، مضيفا أنّ عملية الإخراج كانت فيها لمسة من الإخراج المسرحي، وهو ما يدلّ على أنّ المخرج مارس الإخراج المسرحي في بداية مشواره الفني، مستدلا باستغلال الفضاء والتلاعب في استغلال الوجهة الأمامية والواجهة الخلفية. 

وطلب مخرج فيلم «البوغي» من الوزارة منح نفس الإمكانيات للمخرجين الجزائريين، وستكون النتيجة - حسبه رأيه - باهرة، معتبرا أنّ المخرج السوري اعتمد على التقنيين المحترفين من أجل توظيف التقنيات الحديثة التي مُنحت له.

❊❊عبد الحق بن باديس: الفيلم سيحافظ على الذاكرة

اعتبر السيد عبد الحق بن باديس، أخو العلاّمة عبد الحميد بن باديس، أنّ إنتاج فيلم من أجل إبراز مسيرة الشيخ، مبادرة حسنة من وزارة الثقافة، مضيفا لـ «المساء» أنّ هذه الوسيلة تسهل للشعب الجزائري الاطلاع على حياة العلاّمة.

وقال السيد عبد الحق بن حمودة إنّه قدّم كلّ المساعدات لطاقم الفيلم، من خلال تقديم كلّ المعلومات الخاصة بحياة الشيخ، مضيفا أنّ هذا الفيلم سيقدّم الإضافة، وسيسهّل للجيل الجديد معرفة حياة الشيخ، وبذلك يحافظ على ذاكرة الجزائر التي تحتفل كلّ سنة بذكرى يوم العلم؛ تمجيدا لرائد النهضة الإصلاحية.

❊❊الدكتور عبد العزيز فيلالي، رئيس مؤسسة عبد الحميد بن باديس: ابن باديس شخصية وطنية تستحق كلّ التقدير

يرى الدكتور عبد العزيز فيلالي، رئيس مؤسسة عبد الحميد بن باديس، أنّ شخصية رائد الإصلاح الجزائري، شخصية وطنية مثل الشخصيات الأخرى التي كرّست حياتها من أجل الجزائر. ويجب العمل على إبراز أعمال الرجل ونضاله ضدّ الاستعمار، خاصة في الجانب الثقافي، مضيفا أنّ كلّ جانب من جوانب حياة العلامة ابن باديس يستحق فيلما، وأنّ هذه البداية مرحّب بها، والمؤسسة تثمّن وتشجّع هذا الفيلم الذي شارك فيه من خلال تقديم العديد من الأفكار وتنوير المخرج السوري.