رسائل سياسية واقتصادية في زيارة رافاران للجزائر

نراهن على الجزائر لضمان أمن جيرانها المغاربة

نراهن على الجزائر لضمان أمن جيرانها المغاربة
  • القراءات: 1324
مليكة خلاف مليكة خلاف

حملت زيارة جان بيار رافاران الوزير الأول الفرنسي السابق ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة بمجلس الشيوخ الفرنسي إلى الجزائر مؤخرا، العديد من الرسائل السياسية والاقتصادية، في سياق دولي متميز بالاضطرابات الإقليمية التي تعيشها منطقة المتوسط والساحل. وأبرزت تصريحات رافارن الذي شغل مناصب سامية في عهد الرئيس جاك شيراك تطلع باريس لتعزيز علاقاتها مع الجزائر التي قال إنها تتفوق على الدول المغاربية في عامل الاستقرار الأمني والسياسي، باعتباره أبرز  التحديات التي تراهن عليه كافة الدول الشريكة قبل أي انطلاقة اقتصادية.

رافاران الذي وصف العلاقات بين الجزائر وفرنسا بالإستراتيجية، أوضح أن بلاده تمر بظرف حساس مع انتخاب رئيس في عمر الـ39، آملا في أن تتعزز العلاقات مع الجزائر، ومعلقا في هذا الصدد «أنتم تعرفون جيدا مواقفي بخصوص هذا الموضوع.. لدي تعاطف عميق تجاه كل ما يتعلق بالجزائر».

المسؤول الفرنسي لم يتردد في إزاحة الضبابية عن تصريحات الوافد الجديد على الإليزيه من مالي بخصوص موضوع مكافحة الإرهاب في المنطقة ككل، مشيرا إلى أن ماكرون الذي لم يكن يعني توجيه انتقادات للجزائر أو لأي أحد هو أدلى بتصريحات عامة، في وقت أكد دعمه القوي وامتنانه لاتفاق الجزائر التي عانت كثيرا من هذه الظاهرة والتي أضحت مثالا بالنسبة لفرنسا.

كما نفى رافاران أن يكون اللقاء الذي جمعه بالوزير الأول عبد المالك سلال يخص موضوع مالي، موضحا أنه «يناقش مع سلال المواضيع التي يريد مناقشتها معي». 

للإشارة، صرح المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية رومان نادال أول أمس، أن الجزائر فاعل «أساسي» في استتباب الأمن في الساحل ومالي على وجه الخصوص. مشيرا خلال لقاء صحفي إلكتروني نشر على موقع الوزارة الفرنسية إلى أن «التوقيع على اتفاق السلام عام 2015 تم برعاية الجزائر»، مؤكدا أن «خارطة الطريق هذه مهمة ومن شأنها السماح باستتباب السلام الدائم بمالي». 

نادال أوضح أن التعاون بين الجزائر وفرنسا «مهم جدا» لتنفيذ الاتفاق  خاصة في إطار لجنة المتابعة التي تترأسها الجزائر وتعد فرنسا عضوا نشطا فيها. 

رافاران الذي لم يتردد في العديد من المناسبات بالتباهي بصداقته مع الجزائر، لم يخف إعجابه بالوضعية الآمنة التي تعيشها بلادنا المحاطة بظروف إقليمية غير مستقرة على غرار تونس التي مازالت تعيش اضطرابات أمنية، كما صرح. إضافة إلى الصعود المتزايد للتيار الإسلامي في المغرب، يأتي ذلك في الوقت الذي لا تتوانى الجزائر في التحسيس بأهمية تشجيع الحوار والمصالحة الوطنية كآلية فاعلة ووقائية لصد كل محاولات التطرف المشجعة للإرهاب، وهو ما سترافع عنه مجددا خلال المنتدى العالمي لمكافحة التطرف الذي ستحتضنه بلادنا شهر جوان الداخل بمشاركة نوعية للدول والهيئات العالمية.

رافاران لم يتردد في إبراز الأهمية التي تمثلها الجزائر في المنطقة باعتبارها عامل استقرار مهم تحافظ على توازنها، وهو ما يشجع على تعزيز الفرص الاقتصادية، مشيدا في هذا السياق بالتوجه الجديد للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين في شتى القطاعات لإرساء مقاربة إستراتيجية جديدة تتماشى والمعطيات الجديدة. 

برنامج الرئيس بوتفليقة يرتكز على التعاون متعدد الشراكات

التوجه الاقتصادي الجديد الذي تحدث عنه المسؤول الفرنسي، يعد من الركائز التي يعتمد عليها برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي رافع من أجل تعاون متعدد الشراكات، بما يعني عدم  حصر هذا التعاون في العلاقات التقليدية فقط مع دول بعينها.

في هذا الصدد، انصبت الجولات المكوكية للرئيس بوتفليقة على نسج علاقات براغماتية مع مختلف الشركاء وفق مبدأ رابح ـ رابح، لتصبح بذلك تقليدا للدبلوماسية الاقتصادية التي أعطت ثمارها في بداية الالفينيات برفع الحظر الاقتصادي المفروض في البداية عن الجزائر جراء الأزمة العصيبة التي مرت بها خلال العشرية السوداء وتعزيز علاقات التعاون الاقتصادي في المرحلة الراهنة، لا سيما بعد أن أصبحت الجزائر في موقع قوة بفضل الإمكانيات التي تزخر بها، فضلا عن تغلبها على الإرهاب وتحول التجربة الجزائرية إلى مثال يحتذى به على المستوى الدولي.

إرساء توجه براغماتي يتسم بتبادل المصالح

وفق هذه الرؤية، اندرجت زيارة وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي السيد رمطان لعمامرة إلى ألمانيا لتقييم مستويات التعاون الثنائي، فضلا عن توجيه دعوة من قبل الرئيس بوتفليقة للرئيس الألماني ومستشارته لزيارة الجزائر في خطوة تعد الأولى من نوعها، مما يعكس التوجه البراغماتي الذي تتطلع الجزائر إلى إرسائه في عالم يتسم بالمنفعية وتبادل المصالح المتكافئة.

في نفس الشهر الجاري، سافر الوزير لعمامرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة من نظيره كاتب الدولة للشؤون الخارجية ريكس تيلرسون في سياق التحضير لدورة الحوار الاستراتيجي الثنائي القادم، فضلا عن تشريح وضعية التعاون التي تشهد حركية جديدة امتدت إلى قطاعات أخرى خارج المحروقات لا سيما الفلاحة، فزيادة على تبادل الزيارات للوفود الاقتصادية بين البلدين، ينتظر أن يزور الجزائر 100 متعامل أمريكي إلى بلادنا شهر أكتوبر القادم، مما يعني أن هذا التعاون خرج عن الطابع الاستكشافي وانتقل إلى المرحلة العملية في مجالات واعدة فرضت نفسها بقوة، فضلا عن أنها كسرت الحواجز التي كرستها مبررات تتباين بشأنها وجهات نظر المتعاملين الاقتصاديين على غرار القاعدة 49 /51، إذ سبق لسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر السيدة جوان بولاشيك أن أشارت في تصريح لـ»المساء» إلى أن هذه القاعدة، لا تعد مبررا أمام وقف الاستثمارات والدليل على ذلك المشاركة القوية للمؤسسات الأمريكية في صالون القطاع الفلاحي الأخير.