الزاوي يعرض «معمري الأبدي» بالمركز الثقافي الإسلامي

دين نحو معمري تحقّق

دين نحو معمري تحقّق
  • القراءات: 1621
مريم.ن مريم.ن

استضاف المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة، أمس، الدكتور أمين الزاوي لعرض كتابه «معمري الأبدي» الذي تضمّن جوانب مهمة من حياة هذا الباحث الراحل الذي ظلّ ينقّب عن آثر الهوية الجزائرية الضاربة في صخور الأبد، وكان العرض أيضا مناسبة أفاض فيها الضيف في الحديث عن الثقافة الجزائرية بكلّ تجلياتها وتنوّعها الذي لا يدعو للقلق، بقدر ما يعزّز الحوار والتكامل والوحدة الوطنية، كما عبّر عن ارتياحه بعد أن أوفى بعهد قطعه أمام الراحل معمري بأن ينجز فيلما عنه وهذا تحقّق منذ سنوات وأن يكتب عنه وهو دين آخر تحقّق ونال صداه.

أكّد الدكتور الزاوي في بداية حديثه أنّه من هؤلاء الذين لا يرفضون الحديث في أيّ فضاء على اعتبار أن قناعاته واضحة، وبالتالي فهو سعيد بتواجده بالمركز الثقافي الإسلامي، ليتحدّث عن كاتب أحبّه وعرفه عن قرب، مذكّرا أنّ مقر المجلس الثقافي الإسلامي كان فيما مضى (سنة 1963) مقرا لاتحاد الكتاب الجزائريين برئاسة مولود معمري، الذي كان المؤسّس رفقة بعض من المثقفين منهم قدور محمصاجي وغيره من الأسماء كجون سيناك وجنيدي خليفة ومفدي زكريا. وكان معمري بمثابة الكاتب الجامع، وليس تلك الشخصية المشوّشة التي قدّمها لنا الإعلام كواحد من الجهويين والمستفزين، في حين كان عكس ذلك تماما، وأسّس الإتحاد بكتّاب يكتبون بالعربية والفرنسية والأمازيغية، فتحقّق التنوّع الذي كان مدافعا عنه. وفي سنة 1964 أنشئت أوّل جائزة أدبية كبرى في تاريخ الجزائر المستقلة بمبلغ ضخم قدّر بـ5 آلاف دينار حينها (ما يعادل اليوم 5 ملايير سنتيم)، وقد فاز بدورتها الأولى كل من الراحل محمد ديب (اليساري) ومحمد العيد آل خليفة (جمعية العلماء المسلمين)، ولأنّ العيد كان متعبا لا يقوى على السير، حرص الراحل معمري على السفر بنفسه رفقة محمصاجي إلى بسكرة لتسليمه الجائزة كتقدير له، وأكل معه الشخشوخة البسكرية (بصور فوتوغرافية)، وهذه الحادثة وغيرها من المواقف، يؤكّد الزاوي تسحق الأحكام المسبقة التي يحملها البعض عن الراحل.

أكّد الزاوي أنه بدأ الاشتغال على كتاب «معمري الأبدي»، وكل ذلك الزخم في رأسه ليوظّف فيه قيم التنوّع والوحدة التي كان ينبّه إليهما معمري ويقول «حذار من الغيتو»، وكان يسعى إلى تجسيد كلّ معالم الهوية الجزائرية تحقيقا لحلم شهداء الجزائر.

انطلق الزاوي في كتابه منذ 3 سنوات وكان بالنسبة له الحلم الذي يتحقّق، إذ عاهد الراحل معمري قبل وفاته أن ينجز عنه فيلما وكتابا، وكان ذلك في آخر لقاء جمعهما بوجدة المغربية، في ملتقى دولي عن الثقافة الشعبية في فيفري سنة 1989، وكانت مداخلة معمري ناجحة جلبت المثقفين من كلّ المدن المغربية، ومن العديد من المناطق الجزائرية خاصة من غرب الوطن، منها تلمسان وسعيدة وسيدي بلعباس. ويضيف الزاوي «كان لي الشرف أن ترجمت حينها لقاء أجرته معه قناة مغربية، وفي تلك الفترة وعدته بالفيلم والكتاب، واستطعت سنة 1995 في عزّ الأزمة الأمنية أن أنجز فيلما وثائقيا عنه، وجبت أحيانا في الليل الدامس بعض المناطق بتيزي وزو، وكنت مشبع بالحماس، ونجح الفيلم وعرض على التلفزيون عدة مرات، ثم جاء الكتاب متأخّرا ويحمل تصوّرين، الأوّل تقديم معمري للقرّاء الجدد لفكّ التشويش عنه، والثاني عن معمري وصوّرته عبر 3 أجيال من الكتاب (30 كاتبا) بالفرنسية والأمازيغية والعربية، ومنهم صديقه محمصاجي الذي أعاد إبراز رسالة كتبها معمري كجزائري إلى معمّر فرنسي، كما شارك رئيس البرلمان السابق كريم يونس في الكتاب. ومن الجيل الثاني كتب عزيز فارس ودوراري وغيرهما وهم من تلاميذ معمري، ومن الجيل الثالث كثيرون قرأوا أعماله منهم نصيرة بلولة.

مما سبق، أدرك الزاوي أنّ معمري لا يزال يمثّل حدثا تاريخيا ليس بسبب مئويته، بل لأنّ الأمازيغية تمت دسترتها وهو ما كان يحلم به، وكان يتمنى أن يدرس أطفال الجزائر هذه اللغة، لتكون تراثا مشتركا يجمعهم، ودعا الزاوي الجمعيات الثقافية والمجتمع المدني إلى فتح نقاشات حول تراثه وأعماله، وذلك بكلّ أريحية سياسية وبرؤية عميقة ودون سماع أي أصوات متطرفة من هنا أو هناك.

أشار الضيف إلى أنّ المنظومة السياسية وظيفتها تكتيك موسمي، وقد تعيش أزمة، لكن المثقفين هم القوة التي تقترح وتبدع وتفكّر، وبالتالي كان معمري مثقفا مقتنعا بهذه الفكرة، وأصبح مثقفا نموذجيا، وهنا أسهب الزاوي في وصفه بكونه حكيما حتى في جلسته وهدوئه وخجله وتأمله ورصانته في الحديث، تماما كما لو كان يجلس في «تاجماعت»، كما كان مثقف ميدان يرتحل ولا يحب البروج العاجية، وكان يمزح مع الزاوي، ويقول له «من أيّ المناطق أنت يا أمين» فيرد الزاوي «أنا من سي مسيردة»، فيقول معمري مخاطبا الزاوي «أتعلم أن شيشناق من عندكم من بني سنوس وكذلك طارق بن زياد»، كما كان يجول ويصول بالجزائر وكان يبيت في المساجد والزوايا ويحادث الفقهاء وينقب في المخطوطات وكان يوصف بسبويه الأمازيغية.

في الأخير، أكّد الزاوي أنّ كتابه هو كتاب مواطنة بامتياز يهديه للعامة كي يقرؤوه، كما أنه يختصر أوجاع الثقافة والتاريخ ومطبات عثرت مسيرة الجزائر، وهو أيضا محرّك للبحث في المسألة الأمازيغية وآفاقها على أرض الواقع، محذّرا أنه لا يجب اللعب باللغة، وإلاّ فسدت الهوية، لذلك لابدّ من احترام الجانب العلمي، متمنيا أيضا أنه قد أدى دينا نحو معمري.