الأستاذ حسين ايت عيسي مختص في علم الاجتماع:

نعيش اليوم تبادلا ثقافيا في الظاهر وغزوا في الباطن

نعيش اليوم تبادلا ثقافيا في الظاهر وغزوا في الباطن
  • القراءات: 1776
رشيدة بلال رشيدة بلال

شكل موضوع الغزو الثقافي محور ندوة علمية احتضنتها جامعة الجزائر "2"، نشطها الأستاذ حسين آيت عيسي، مختص في علم الاجتماع بمعهد تيبازة، حاول من خلالها تقديم رؤية سوسيولوجية للظاهرة على ضوء أهمية الثقافة والشخصية وكذا التحديات التي تفرضها العولمة الثقافية، انطلاقا من مبدأ "الكل متضامن" وعلى أساس أنه لا عالمية بدون خصوصية. لكن دون السقوط لا في مغالطة التهويل ولا في التهوين من شأن هذه الظاهرة في آن واحد، التي يطلق عليها البعض: تبادل ثقافي في الوقت الراهن، بينما الكل يبدو كما لو أن مجتمعنا يتعرض بالفعل لتحطيم ثقافي ممنهج، تماما كما كان عليه الحال خلال فترة الاستعمار الفرنسي. وحول ماهية الغزو الثقافي، وإن كنا حقيقة نعيش تبادلا أو غزوا ثقافيا،  حاورنا لكم الأستاذ حسين في هذه الأسطر؟ 

❊ بداية، ما المقصود بالغزو الثقافي عند علماء الاجتماع؟

— يتفق علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا على أنه من الصعب تقديم تعريف دقيق وجامع ومتفق عليه لمفهوم "الثقافة"، وقد قام في هذا الصدد، عالما الأنثروبولوجيا الأمريكيان "كروبر وكلوكهون" بجمع وفحص مائة وستين تعريفا للثقافة، ولم يجدا من بينهما تعريفا واحدا يلقى قبولا عاما. ولعل أشهر تعريف كلاسيكي لها، والذي ما زال يلقى قبولا كبيرا، تعريف  أدوارد برنت تايلور سنة 1871، حيث عرفها على النحو التالي: "الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعارف والعقائد والفن والأخلاق والقوانين والأعراف، وكل الاستعدادات والقدرات الأخرى التي يكتسبها الإنسان، من حيث أنه عضو في المجتمع.

❊ كيف يمكن أن نميز بين ثقافة مختلف المجتمعات؟

— ما ينبغي أن نعرفه والذي على أساسه يمكننا أن نميز بين ثقافة مختلف المجتمعات، أن لهذه الثقافة العديد من التصنيفات، أشهرها تصنيف رالف لينتون الذي اعتبر أن ثقافة أي مجتمع تتشكل بالضرورة من ثلاثة مكونات: العموميات: هي مجموع العناصر الثقافية المشتركة بين كل أفراد المجتمع، من عقائد وقيم أخلاقية ولغة ورموز وطنية، تتسم بالثبات والاستمرارية، وهي التي تشكل الشخصية القاعدية للمجتمع أو روحه.الخصوصيات: هي مجموع العناصر الثقافية التي تختص وتتميز بها بعض الفئات أو الشرائح الاجتماعية، بحيث تختلف حسب الطبقة والمهنة والجنس والانتماء الجغرافي والعمر والهواية..، فثقافة البدو تختلف عن ثقافة الحضر، وكذا النساء والرجال، والأغنياء والفقراء.البدائل: هي العناصر الثقافية الأكثر تغيرا، حيث تتعلق بالجوانب الحياتية التي تخضع لمعايير المنفعة أو المصلحة، وتتبع المستجدات التقنية والحلول المتجددة للمشكلات والحاجات المتنوعة، مثل انتشار استخدام الهاتف النقال أو التعامل بالبطاقات المالية.

❊ إذن يمكن القول أن ثقافة الشعوب مرنة وقابلة للتغير؟ 

— طبعا إن الثقافة ظاهر اجتماعية كلية، تتسم بالديناميكية والحيوية وليست جامدة أبدا، تنمو وتتغير وتتحول باستمرار، وهذه المرونة هي التي تتيح لها الاستمرارية والتكيف عبر الحقب التاريخية وأن تنتقل على الرقعة الجغرافية للعالم. وعلى ذكر التاريخ والجغرافيا، لا بد أن نعرف أن أية ثقافة، خاصة اليوم، تنمو وتتغير وفق عوامل ومؤثرات تتوزع بالضرورة على محورين متقاطعين، محور التاريخ، أي محور التراكمات التاريخية عبر الحقب الزمنية ضمن المجتمع الواحد، ومحور التفاعلات بين مختلف ثقافات العالم، أي ما بين المجتمعات المتنوعة. فثقافة مجتمع ما في حقبة زمنية ما، هي في آن واحد نتاج تراكمات الماضي وتفاعلات الحاضر، سواء كان هذا التفاعل مباشرا كما كان يغلب في السابق أو عبر وسائط النقل الثقافي، كما هو الحال اليوم.ففي السابق، كان التراكم التاريخي هو الرافد الأساسي للتطور الثقافي، مما جعل ثقافات المجتمعات التقليدية تتسم بالتجانس نسبيا وكان التغير بطيئا مقارنة باليوم. أما حاليا، فإن الرافد الأساسي للتطور الثقافي ضمن مجتمع ما، هو طبيعة تفاعلاتها مع ثقافات المجتمعات الأخرى، فهو يتحدد من حيث محتواه ووجهته ووتيرته من خلال توازن القوة على مستوى ظاهرة التثاقف. فالتثاقف اليوم هو أحد أهم عوامل التغير الثقافي، لأنه عند الاحتكاك أو الاتصال الثقافي، المباشر أو غير المباشر، بين مجتمعين أو أكثر يحدث عادة تبادل أو انتقال بيني، تلقائي أو منظم، للعناصر الثقافية. هذا الأخير يحدث تغيرا نسبيا في كليهما، لكن الثقافة الأضعف تتأثر بدرجة أكبر. 

❊ بالحديث عن التغير الثقافي، كيف أثرت العولمة على الثقافة؟

— إن العامل الأساسي الذي غيّر معطى التغير الثقافي هو ظاهرة العولمة بكل أبعادها، فقد فتحت حدود المجتمعات على بعضها البعض، من خلال الأبعاد الاقتصادية والتجارية والسياسية والتشريعية، خاصة البعد المتعلق بالتكنولوجيا الرقمية للإعلام والاتصال، فالتطور المذهل والمستمر لهذه التكنولوجيات وكذلك تعميم استخدامها على مستوى المعمورة، حول العالم بالفعل إلى قرية صغيرة، حيث صارت مكونات أية ثقافة تنتشر بسرعة الضوء بين الأفراد والجماعات والمجتمعات، وصدق من قال: "حين تكون الخدمة مجانية فاعلم أنك أنت السلعة". هذا الوضع الجديد هو ما خلق ما يسمى بالغزو الثقافي. للعلم، فحتى المجتمع الفرنسي يدق ناقوس خطر الذوبان الثقافي حيال تنامي هيمنة الثقافة الأمريكية بين الشباب، رغم التشابهات الحضارية الكثيرة بين هذين المجتمعين، فماذا عسانا نقول نحن.

❊ هل هذا يعني أننا نعيش اليوم غزوا وليس تبادلا ثقافيا؟

— حتى نقطع الشك باليقين بالنسبة لحقيقة الغزو الثقافي بالنسبة لنا كمجتمع لديه تاريخ وعادات وتقاليد يعتز بها، وأن هذا الغزو ليس من الوهم أو التوهم في شيء، يمكن الاكتفاء بما كتبه برنارد لويس، منظر تقسيم العالم الإسلامي، حيث قال: "إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون وفوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِر الحضارات وتقوِّض المجتمعات، لذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور، فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية... واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها".إذن، العالم الذي نعيش فيه اليوم لا يمكن أن ندرك أحداثه ومآسيه، الحروب والاضطرابات والفقر..، بدون خارطة توزيع القوة وصناعة القرار وكذا التعرف على الأيادي الخفية التي تحرك المؤسسات والمنظمات العالمية  ويكفي لنختصر كل شيء أن نعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية التي هي أقوى دولة في العالم (عسكريا واقتصاديا) تدير قراراتها مؤسسة الكونغرس، وأن هذه الأخيرة يسيطر عليها اللوبي الصهيوني، وأن السبب الذي وضع الإسلام في قلب هذه المؤامرة يتمثل أساسا في أن الغرب الأمريكو صهيوني قد تأكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الإسلام هو محرك المجتمعات الإسلامية على حد سواء، بالتالي فإن تحقيق الهيمنة على هذه المجتمعات يمر بالضرورة من تشويه أو إبادة الدين الإسلامي. فالدراسات الاستشراقية والسوسيو أنثروبولوجية أثبتت كلها أن مكون الإسلام ضمن ثقافة شعوب المنطقة هو الذي يشكل العامل الثقافي والإيديولوجي الأهم بالنسبة لإمكانية وحدة ونهوض العالم الإسلامي، وهو أيضا العامل الأهم الذي يمكن استغلاله بعد تحريفه طبعا لتمزيق هذه الوحدة وتقويض هذا النهوض، فالإسلام مستهدف لذاته ومستهدف أيضا لتحقيق أهداف أبعد.