المدير العام للبحث والتطوير التكنولوجي عبد الحفيظ أوراغ لـ’’المساء":

هدفنا إخراج الأبحاث من المخابر إلى المؤسسات والمصانع

هدفنا إخراج الأبحاث من المخابر  إلى المؤسسات والمصانع
  • القراءات: 9946
حاورته: مليكة خلاف تصوير: ياسين .أ حاورته: مليكة خلاف تصوير: ياسين .أ

أكد المدير العام  للبحث والتطوير التكنولوجي بوزارة التعليم العالي السيد عبد الحفيظ أوراغ، أن عدد براءات الاختراع المسجلة داخل الوطن من قبل الباحثين الجزائريين بلغ 200 براءة، مقابل أكثر من 2300 في الخارج. أوراغ أرجع ذلك إلى الأهمية التي توليها الدول المتطورة للقطاعين الاقتصادي والاجتماعي، باعتبارهما أفضل محفز ومولد للابتكارات، والدليل على ذلك براءات الاختراع النوعية التي تأتي من باحثين جزائريين يعيشون في تلك البلدان. كما كشف في حديثه لـ«المساء"، عن اعتزام المديرية غلق أكثر من 300 مخبر بحث شملته عملية التقييم الدورية، والتي أظهرت عدم فعاليتها أو استجابتها للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للوطن. وأكد مدير البحث أيضا أنه سيتم إنشاء شركة فرعية لتصنيع الطائرات بدون طيار بعد أن عرفت تجاربها الأخيرة نجاحا  100٪.

 مركز الطاقات المتجددة في الصدارة بـ 60 براءة اختراع

❊ سجل البحث العلمي عدة براءات اختراع لباحثين جزائريين في الخارج خلال سنة 2016. كيف تقيمون هذه الوتيرة وماذا عن تلك المسجلة محليا؟

— لا بد أن نعلم بأن الوكالة الوطنية لبراءات الاختراع هي التي تتكفل بإحصاء عدد البراءات المسجلة داخل الوطن التي عادة ما تأتي من قبل الأساتذة. في السنة الماضية بلغت 200 براءة على المستوى الوطني. أما تلك المسجلة في الخارج من قبل الباحثين الجزائريين فهي تفوق 2300 براءة.

ليس لدينا ثقافة الابتكار داخل المؤسسات الاقتصادية والصناعية، نلاحظ الفارق بين العددين، مما يجعلنا نؤكد على ضرورة أن تتولد براءة الاختراع عن القطاعين الاقتصادي والاجتماعي، أي المؤسسات الصناعية بالدرجة الأولى. هنا نطرح السؤال؛ لماذا عدد البراءات في الجزائر غير مهم مقارنة بما هو موجود في الخارج؟ الإجابة بسيطة هو أنه ليس لدينا ثقافة الابتكار داخل المؤسسات الاقتصادية الوطنية، رغم أن القانون الثالث للبحث العلمي يحث على وضع ميكانيزمات وتشجيع براءات الاختراع داخل القطاعين الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن تنظيم البحث والتطوير التكنولوجي داخل المؤسسات. 

عدد البراءات المسجلة خارج الوطن هي بالخصوص من قبل الجزائريين الذين يعملون في القطاع الصناعي. هذا الأخير يستند إلى ثقافة التطور التكنولوجي

والبحث، لذلك يتم تخصيص ميزانية لرفع مستوى المنتوج الصناعي والابتكار في هذه الدول، مما يعزز براءة الاختراع في هذا القطاع.

ترتيب الجامعات لم يعد أولوية لعدم وصولنا  إلى درجة الامتياز

❊ هل لنا أن نعرف مراكز وطنية وباحثين جزائريين تركوا بصماتهم خلال السنة الماضية من خلال ابتكاراتهم النوعية؟  

— المركز الذي له أكبر عدد من براءات الاختراع هو مركز البحث في الطاقات المتجددة بأكثر من 60 براءة اختراع. إضافة إلى وحدة البحث ببو اسماعيل التي لها أكثر من 30 براءة اختراع.

حبة: من بين الباحثين العشرة الكبار في العالم

بالنسبة للباحثين الجزائريين على المستوى العالمي، نجد صاحب "ألفية الابتكار" الأستاذ حبة الذي يشتغل في القطاع الاقتصادي والاجتماعي بالولايات المتحدة بأكثر من ألف براءة اختراع. هو مصنف من بين العشرة الأوائل في العالم الذين تركوا بصمتهم في هذا المجال. كما نجد أيضا الأستاذ سعيد بوهلال من جامعة سطيف الذي لديه 12 براءة اختراع أمريكية.

 سننشئ شركة فرعية لتصنيع الطائرات بدون طيار

❊ ماذا عن السيد عبدو عتو الذي تحصل على جائزة الابتكار الاستراتيجي في علم الطيران والفضاء ببريطانيا، لاختراعه نظام "سمارت تراك" أي البحث الذكي؟

— للعلم، إن السيد عتو  ليس أستاذا جامعيا، هو يشتغل في القطاع الاقتصادي وله شركة خاصة تهتم ببرمجيات الطيران التي طورها لتسهيل قيادتها، من خلال المساعدة على التحديد الفوري للطائرات التي تطلب النجدة. لهذا أقول بأن براءات الاختراع تأتي من القطاع الصناعي وليس من الجامعات. هذا نموذج لشركة وطنية في ميدان الطيران قامت بأبحاث ونجحت في تحقيق براءات اختراع.

ترتيب الجامعات أدخلنا في صراع ذهني، لذلك لم يعد أولوية

❊ نوعية البحوث داخل الجامعات قد تساهم بالضرورة في ترتيب الجامعات في العالم، أي نحن من كل ذلك؟

— هذا الموضوع لم يعد أولوية على مستوى مديرية البحث العلمي، لأننا دخلنا في "صراع ذهني" لا جدوى منه. الدول التي تتباهى بجامعاتها التي تحتل مراتب متقدمة لها الحق في الحديث عن التصنيف، لأنها وصلت حقا إلى درجة الامتياز والتصنيع والتطور التكنولوجي رفيع المستوى، فضلا عن عراقة هذه الجامعات التي تعود نشأتها إلى مئات السنين. هي تجد نفسها اليوم في مرحلة تقييمية تسمح لها بجلب أموال أكثر وطلبة أكثر. لكن نحن في الجزائر لم نتوصل بعد إلى درجة الامتياز الذي تفتخر به هذه الدول. لم نتوصل بعد إلى مرحلة التكفل بالاحتياجات اليومية للمواطن الجزائري، لذا إن دور الجامعة يكمن اليوم في رفع المستوى المعيشي للمواطن ورفاهيته وتأمين غذائه وتحسين ظروفه الصحية.

تصنيف الجامعات ـ كما قلت ـ لم يعد أولوية للجامعة الجزائرية، لأن دورها يكمن في ضمان تكوين نوعي للطلبة، يستجيب لاحتياجات القطاعين الاقتصادي والاجتماعي ومنه الاندماج في هذا المحيط.

ما بين 300 و400 مخبر بحث غير فاعلة، ويجب غلقها

❊ هذا التكوين النوعي في الجامعات يجرنا إلى الحديث عن عملية تقييم المخابر التي تتكفل بها المديرية، ما هو عدد المخابر التي سيتم غلقها؟

— اعتمدنا ميكانيزمات جديدة في مجال تمويل البحث العلمي وهيكلته. لقد تم عقد آخر اجتماع في بوسعادة يوم 14 مارس الماضي، تم خلاله الاطلاع على نتائج عملية تقييم المخابر التي شملت خلال الأشهر الماضية 1300 مخبر بحث. هذا التقييم سيسمح لنا أولا بتصنيف المخابر ذات رتبة الامتياز وغير الفاعلة والمجدية التي يجب غلقها. في هذا الصدد، رأينا أنه ما بين 300 و400 مخبر بحث يجب غلقه بسبب عدم فعاليته ومردوديته.

تمويل المخابر لن يكون أوتوماتيكيا، بل سيرتبط بالمردودية

ثانيا، تمويل البحث لن يكون بصفة مباشرة أو تلقائية. المديرية العامة تستقبل يوميا العديد من مديري المخابر وإطاراتها، كل على حدة. يتم خلال هذه اللقاءات تقديم المشاريع والأهداف، فضلا عن تقييم نشاطها حسب الأهداف المسطرة التي يجب أن تستجيب للاحتياجات التنموية، لذلك فإن التمويل لا يتم بصفة مباشرة بل عن طريق مشاريع لها صدى على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

من هذا المنطلق، نمول المخبر بطريقتين: أولا، حسب الطلبة المسجلين في الدكتوراه. في هذه الحالة يكون التمويل بصفة مباشرة، لأن المخبر ما هو إلا أداة ووسيلة لتكوين الطلبة في الدكتوراه. لذا نحن لا نخيب آمالهم ونحاول توفير الظروف الملائمة لهم.

تمويل المخبر يكون من جهة أخرى حسب عدد المشاريع التي لها علاقة مع احتياجات القطاعين الاقتصادي والاجتماعي. ومن ثمة، فالتمويل لم يعد كما كان في السابق بصفة عادية أو مطلقة أو بطريقة أوتوماتيكية. انطلاقا من ذلك سيتسنى وضع تصنيف محدد لهذه المخابر، ليتم الفرز بين التي لها الحق في التمويل كونها تلعب دورا فعالا على المستوى الوطني، وتلك التي لا بد من غلقها لأنها لا تتوفر على قاعدة متينة تمكنها من تقديم قيمة إضافية للبحث العلمي.

- أين وصل مشروع الطائرة بدون طيار، وما هي المزايا التي سيقدمها للتنمية الاقتصادية للبلاد؟ 

— وصلنا إلى المرحلة الأخيرة من التصنيع. نحن في آخر الروتوشات.  التجارب كانت ناجحة 100 بالمائة. سنعمل الآن على إنشاء شركة فرعية تتكفل بصنع هذه الطائرة. ونطمح إلى أن يكون هذا المشروع قيمة إضافية للقطاع الفلاحي بالدرجة الأولى للرفع من مردوده، كما هو جار في البلدان المتطورة التي أضحت تعتمد على هذه الأداة القوية في سبيل تطوير الفلاحة الرقمية. النموذج أو التصميم الأخير جاهز وتم الانتهاء منه. سنقوم بتصنيعه بأنفسنا. 

❊ ماذا عن بحوث الأقمار الصناعية التي تعرف بدورها تقدما؟ 

— الوكالة الوطنية للأقمار الصناعية هي التي تتكفل بهذا الموضوع. دورنا في المديرية يكمن في تزويد مراكز البحث بدفاتر الشروط، فضلا عن إعطاء توجيهات مفادها أن ترتكز على خدمة الاحتياجات الاقتصادية للبلاد. من هنا سيتم تقديم كل هذه النماذج في الصالون الوطني للبحث العلمي الذي سيقام من 18 إلى 23 ماي القادم بقصر المعارض. يجب التأكيد على أننا انتقلنا اليوم من مرحلة البحث العلمي إلى مرحلة التصنيع والإنتاج، وأصبح ذلك حقيقة في الميدان. كل ما قمنا بتطويره أعطينا له صبغة تجارية من خلال تسويق هذه المنتوجات.

تطوير الغاز الصخري يجب أن يكون مرتبطا بارتفاع أسعار البترول

❊ كثر الحديث مؤخرا عن توجه البلاد نحو الطاقات المتجددة وسبق أن كتبتم حول هذا الموضوع، ما هي مقاربتكم في هذا المجال؟

— هذا الموضوع أصبح حقيقة في الجزائر. وزارة الطاقة لديها مشروع كبير على المستوى الوطني. السؤال المطروح والمهم اليوم هو: كيف يمكن للبحث العلمي مرافقة هذه السياسة الطاقوية للبلاد؟ يجب أن نكون محيطين بكل أطوار التحكم في هذه الطاقة، وأن نبدأ من المادة الخام وهي الرمال، والتفكير في كيفية الانطلاق في تصنيع أشباه النواقل والصفائح وغيرها.

تطوير هذه التكنولوجيات أخذ منحى تصاعديا كونها تمثل مصدرا إضافيا للاقتصاد الوطني. نعتقد أن هذا سيؤدي في النهاية إلى التعامل معها بجدية بدءا من المادة الخام، وصولا إلى المركبات الصناعية (المحطات الشمسية). فمادة "السيليسيوم" التي أصبحت تسمى اليوم بالبترول الخام الجديد، تضاعفت قيمتها على المستوى العالمي بـ 4 مرات. هذا يعني ببساطة أن هناك تزايدا على مستوى السوق الدولية، لأهميته واستعماله الواسع في الأجهزة الإلكترونية والأجهزة الرقمية والطاقوية.

  أكثر من 2000 باحث جزائري على المستوى الوطني. 

❊ ماذا عن الغاز الصخري الذي سبق وأن أثار الكثير من اللغط في الجزائر، هل تعتقدون أنه حان الوقت لاستغلاله أم أن الظروف الاقتصادية غير مواتية؟

— حاليا كلفة استخراج الغاز الصخري مرتفعة. ونلاحظ في الولايات المتحدة مثلا، كيف أنه عندما انخفض سعر البترول توقف أصحاب مصانع الغاز الصخري عن العمل. وبمجرد أن ارتفع سعر البترول إلى 50 دولارا عادوا إلى نشاطهم ودخلوا السوق. هو ما سيؤثر في أسعار البترول . نحن في الجزائر لدينا خزان نستعمله للحاجة ولدينا بترول كلاسيكي. وإذا أغرقنا السوق بكميات أكبر، فإن الأسعار ستنخفض مجددا. نعتقد أنه ليس الحل الأمثل. الحل يكمن في ضمان استقرار السوق. توقعات سنة 2020 تشير إلى ارتفاع سعر البترول مع نفاذ الخزان العالمي من هذه المادة. في هذه الحالة يمكن أن تكون لنا سياسة لتطوير الغاز الصخري.

❊ ماذا عن قانون الباحث الجزائري وكم هو عددهم؟

— الباحثون على المستوى الوطني لهم إطار خاص ولا توجد إشكالية في هذا  الخصوص. هناك نظام للتصنيف والأمور تجري بصفة عادية. كما أن الباحثين يتقاضون راتبا أعلى من راتب الأستاذ الجامعي. عددهم حاليا يفوق 2000 باحث على المستوى الوطني.