فضاء الأنترنيت

الفرص الضائعة لنشر الثقافة العلمية

الفرص الضائعة لنشر الثقافة العلمية
  • القراءات: 2279
ب/ هشام ب/ هشام

يشكل الإعلام العلمي حلقة متينة في المنظومة العلمية لأي بلد، وفي غياب إعلام علمي متخصص بالجزائر، كان لا بد أن تشكل مواقع التواصل الاجتماعي داخل فضاء الانترنت، فرصة كبيرة للباحثين العلميين ومراكز البحث العلمي لنشر الثقافة العلمية في المجتمع ودعمها.

وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي بدائل ووسائط فعالة في نشر الثقافة العلمية مقارنة بوسائل الإعلام الكلاسيكية كالصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية وهي تضمن فوق كل ذلك،السرعة في التواصل كما أنها غير مكلفة.

لكن نظرة متأملة في مضمون ما يتبادله رواد هذه المواقع في بلادنا، سيجعلنا نكتشف بأن الثقافة العلمية أصبحت ضمن آخر الاهتمامات.

فباستثناء الصفحات الإلكترونية لبعض الجمعيات العلمية المختصة أساسا في علم الفلك وبعض المجالات العلمية التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، لا نجد لباحثينا العلميين حضورا في هذا الفضاء كما لا يجد المتصفح ما يتابعه من أخبار ومعلومات علمية تعكس حركية البحث العلمي في الجزائر وتواكب عن قرب ما يحدث في مراكز البحث العلمي المنتشرة عبر مختلف أرجاء الوطن ودول العالم وترسم لنا صورة واضحة عما يقوم به باحثينا داخل مخابرهم رغم قلة عددهم.

لقد حققت الجزائر، حسب تقرير العلوم لليونسكو، الصادر عام 2015، قفزة نوعية في عدد البحوث المنشورة في المجلات العلمية المتخصصة حيث احتلت في هذا المجال المرتبة الرابعة بعد السعودية، قطر وتونس وهو ما يعكس تطور البحث العلمي في جامعاتنا رغم قلته وربما رغم نقص جودته، إلا أن هذا النشاط لم تواكبه حركية في المنظومة الإعلامية العلمية على غرار ما يحدث في الكثير من دول عالمنا العربي.

يقول وزير الثقافة عز الدين ميهوبي في تصريح لـ«المساء»: «الإعلام العلمي في الجزائر شبه غائب وهو بلا شك ضروري في حياة المجتمعات والأمم ومع تقدم تكنولوجيا المعلومات يمكن للوسائط الاجتماعية أن تساهم بفعالية في نشر الثقافة العلمية، فما على الباحثين العلميين سوى أن يتفاعلوا مع المجتمع وعلى الإعلام أن يؤدي دوره أيضا على أكمل وجه». 

جمعيات علم الفلك تحمل المشعل

يعتبر علم الفلك من العلوم المتميزة التي لازالت تستقطب وتستهوي الكثير من عشاق العلوم والباحثين عن الثقافة العلمية ويكاد يكون العلم الوحيد الذي لازال اليوم يعرف حضورا دائما ونشاطا دؤوبا في دور الشباب، مراكز الثقافة وفضاء الانترنيت. 

ويعتقد الكثير من المختصين في تاريخ العلوم بأن علم الفلك كان التخصص الأول الذي عرف ازدهارا في فجر الحضارة الإسلامية وهو آخرها أفولا واندثارا.

ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، استغلت جمعيات علم الفلك هذا الفضاء وسارعت في إنشاء صفحات إلكترونية لتشبيك روادها على غرار جمعية الشعرى، النجم الثاقب وجمعية الراصد لعلم الفلك وهي تعرف اليوم تفاعلا كبيرا ونشاطا يوميا يكاد لا ينقطع.

وتعتبر جمعية الشعرى بقسنطينة من أقوى الجمعيات العلمية نشاطا على الفضاء الأزرق حيث تجاوز عدد منخرطيها 9500 وهي تعمل، حسبما أكده نائب رئيس الجمعية، مراد حمدوش، على نشر الثقافة العلمية، ليس فقط في مجال علم الفلك فقط بل في مختلف المجالات العلمية الأخرى كالفيزياء، الكيمياء والطب وغيرها من العلوم.

كما يعتبر الأستاذ مراد حمدوش من الباحثين المحليين الذين ينشطون في حقل الإعلام حيث يقوم منذ عام 1998 بتنشيط حصة علمية أسبوعية بإذاعة قسنطينة تحت عنوان: واحة العلوم وهو فضلا عن ذلك دائم التواصل عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي.

يقول الأستاذ حمدوش: أنا أشعر كباحث علمي بأن لدي واجب يفرض علي التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف قنوات الاتصال والإعلام..أظن أن الباحثين الذين لا يتواصلون كثيرا عبر هذه المواقع يعانون من ضغوطات كبيرة أثناء أداء عملهم حيث لا يجدون الوقت الكافي للتواصل.. أو ربما يعانون من حالات إحباط بسبب ظروف عملهم الصعبة أو أنهم لا يشعرون أبدا بواجب التواصل الاجتماعي.

جمعية حماية الإرث الوطني تستنجد بمواقع التواصل الاجتماعي

تعتبر الجمعية الجزائرية لحماية والمحافظة على الإرث الوطني في مجال الأثار من بين أقدم الجمعيات العلمية التي تنشط في الميدان حيث تم تأسيسها عام 1989 من طرف باحثين في علم الأثار وتطور نشاطها مع مرور السنين بإطلاق عام 2012 مجلة علمية سنوية تسمى «إيكوزيم»، الإسم القديم للجزائر وهي مجلة متخصصة جدا وموجهة أساسا للعلماء والباحثين العلميين والطلبة في هذا المجال.

وصرحت مسؤولة النشر بهذه المجلة، السيدة فريدة بن ويس لـ«المساء»: «نطبع من مجلتنا 750 نسخة لكننا لا نبيع منها سوى النصف وهذا مفهوم لأنها ليست موجهة للجمهور العريض ولذلك قررنا إطلاق صفحة على «الفايسبوك» لزيادة التفاعل مع أعضاء الجمعية وفتح نافذة للجمهور العريض،لكن ذلك يبقى غير كافي لأن عدد المشتركين فيها لم يتجاوز بعد الألف».

وأضافت السيدة بن ويس، وهي أستاذة في علم الاثار بجامعة بوزريعة بأن: «مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تشكل فضاء مناسبا ومفيدا لنشر الثقافة العلمية لكن يبدو أن الكثير من الباحثين العلميين في الجزائر لازالوا بعيدين عن هذا الفضاء لأسباب أو لأخرى كما أن رواد الانترنيت من الجمهور العريض لا يبحثون كثيرا عن المعلومة العلمية فهم لديهم اهتمامات أخرى. 

الباحثون المغتربون.. تواصل مستمر ونشاط لا ينقطع

وخلافا للباحثين المحليين، يعكف الكثير من باحثينا المغتربين، في مختلف دول العالم على التواصل مع الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف قنوات الإعلام والاتصال، نشاطهم لا يكاد ينقطع فهم يرون أن نشر الثقافة العلمية وإيصال المعلومة العلمية إلى الجماهير ضروري وواجب يمليه عليهم ضميرهم، بل أكثر من ذلك فهناك من يعتقد بأن الباحث العلمي يجب عليه أن يعمل على اكتساب قدرات وتطوير مهارته لإيصال المعلومة العلمية التقنية لغير ذوي الاختصاص على غرار الباحث في علوم الإعلام الآلي بجامعة بريستول ببريطانيا أسامة مطاطلة الذي أكد في تصريح لـ المساء بأنه: «يجب علينا الاعتراف بوجود شرخ كبير بين البحث العلمي والصحافة في الجزائر وهذا يشكل تهديدا لمستقبل بلدنا.. هذا الاعتراف هو النقطة الأساسية التي علينا أن ننطلق منها نحو إمكانية وضع قضية التواصل العلمي في المكان الذي يليق بها في المجتمع وعليه يجب أن تكون التوعية العلمية وإقحام الجماهير في هذه القضية جزء من المنظومة العلمية.

وأضاف مطاطلة يقول: «كما يجب على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تجعل التوعية العلمية ضمن أهدافها الإستراتيجية على مستوى الممارسة، مثلا من خلال تقديم تحفيزات للجامعات والباحثين عبر خطط مناسبة تحث على دمج أنشطة التوعية العلمية للزيادة من تأثير رقعة البحث العلمي على المجتمع. 

وكمثال ملموس، أذكر أنه ظهر في الآونة الأخيرة تغير واضح جدا في الطريقة التي يتم من خلالها تقييم طلبات المنح البحثية في الكثير من الدول المتقدمة بحيث تعطى أهمية بالغة لما يعرف بعوامل التأثير (بما في ذلك التأثير على المجتمع والتوعية والتواصل العلمي) بحيث تشكل هذه العوامل عناصر أساسية من معايير تقييم الطلبات والمشاريع البحثية».

وأسامة مطاطلة من الباحثين العلميين الشباب الذين جمعوا بين البحث العلمي والتواصل العلمي من أوسع أبوابه حيث يشرف على مجلة Inspire العلمية التابعة للشبكة الجزائرية للباحثين الأكادميين العلميين الكائن مقرها بمدينة لندن وهو فضلا على ذلك، دائم الحضور على مواقع التواصل العلمي.

ويعتبر الدكتور الجزائري، نضال قسوم، أستاذ علم الفيزياء بالجامعة الأمريكية بالشارقة من رواد التواصل العلمي في العالم العربي وذلك من خلال نشاطه الكثيف على شبكات التواصل العلمي وأيضا برنامجه العلمي «تأمل معي» الذي ينشد من خلاله نشر الثقافة العلمية وقد نال شهرة كبيرة في الأوساط العلمية العربية وقد احتفل مؤخرا ببلوغه رقم نصف مليون مشاهد لمجمل حلقاته التي تجاوزت الستين.

وبرنامج «تأمل معي» هو سلسلة من الحلقات العلمية التي تتراوح ما بين 15 و20 دقيقة يقوم الدكتور نضال قسوم بإعدادها كل أسبوع تقريبا بالتعاون مع تقني جزائري في صناعة الفيديو، تطوعا خدمة للعلم وهي سلسلة ذات جودة عالية سواء من حيث المحتوى أو من حيث جودة الصورة.

وفضلا عن هذا البرنامج العلمي، يعتبر نضال قسوم من الباحثين العلميين الجزائريين الذين جمعوا بين الكتابة الصحفية، حيث له مساهمات في مجلة Nature العالمية والنشاط عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث لديه حوالي 90 ألف متابع في مختلف هذه المواقع. 

وبفضل نشاطه الكبير، تم اختيار نضال قسوم من طرف مركز أبحاث سويسري، ضمن الشخصيات الـ100 الأكثر تأثيرا في الوطن العربي.

يقول الدكتور قسوم في تصريح لـ المساء: لقد سعدت كثيرا بهذا التصنيف وما أسعدني أكثر أن الترتيب أظهر أيضا وجود عدد (ولو كان قليل) من العلميين ذوي التأثير الاجتماعي.. وسائل الإعلام التقليدية فشلت في إيصال المعلومة العلمية للمتلقي العربي، اليوم تتيح مواقع التواصل الاجتماعي فرصة لنشر الثقافة العلمية وبكلفة تكاد تكون منعدمة وأنا فخور بما أقوم به.