«المساء» ترصد واقع التغذية المدرسية عبر أزيد من 20 ولاية

وجبات باردة، «منظّفات طباخات» ومديرون يتنازلون عن المطاعم على مضض

وجبات باردة، «منظّفات طباخات» ومديرون يتنازلون عن المطاعم على مضض
  • القراءات: 5808
 حنان.س/أ.عاصم / م. صدوقي/ن. خيالي/ز.منى   حنان.س/أ.عاصم / م. صدوقي/ن. خيالي/ز.منى

ننشر الجزء الثاني والأخير من الملف الذي أعدته «المساء» حول واقع الإطعام المدرسي عبر أزيد من 20 ولاية، بالموازاة مع شروع البلديات عبر التراب الوطني في استرجاع تسيير هذه الهياكل التي كانت موكلة لمديري المؤسسات التربوية، وذلك تنفيذا للمرسوم الوزاري الصادر في أوت 2016، والذي يتم بموجبه تحويل تسيير المطاعم المدرسية في الإبتدائيات على وجه الخصوص إلى الجماعات المحلية. وفي انتظار صدور المناشير التنفيذية التي تحدد كيفية وشروط تسيير هذه الهياكل، أحدث هذا الملف تجاذبا في المواقف والآراء بين مسؤولي المؤسسات التعليمية التي تراوحت بين المؤيد والمتحفظ على قرار تحويل تسيير الإطعام للبلديات. فيما ذهبت آراء أخرى إلى دعم وتزكية الإجراء، الذي من «شأنه أن يخفف العبء عن الأسرة التربوية».  عديد رؤساء البلديات أكدوا أن التكفل بمشاكل التنمية أولى من تسيير وجبات التلاميذ.

بين هذا وذاك، رصد مراسلو «المساء» واقع القطاع الذي مازال فيه التلاميذ يتناولون وجبات باردة في يومياتهم، إلى جانب نقص اليد العاملة المؤهلة، التي عوّضت بالمنظفات وعاملات الشبكة الاجتماعية، في حين اصطدم المسيّرون بالسعر المقنّن لكل وجبة. والذي لا يتعدى في غالب الأحيان 45 دج، وهو ما أجمعت كل الأطراف على أنه «من المستحيل تقديم وجبة متكاملة بهذه القيمة المالية أمام غلاء المواد الغذائية»، إلى جانب ما يتم تداوله من تلاعبات في هذا الملف، على حساب وجبات التلاميذ وصحتهم أيضا.

الإطعام المدرسي ببومرداس  ... فيما رفعت مصالح التجارة تقريرا وصف بـ’’الأسود" ... ملايير تصرف... مديرية التربية تتبرأ والكرة عند البلديات

تحصي ولاية بومرداس 181 مطعما في الطور الابتدائي، منها 51 مطعما يقدم وجبات باردة، إضافة إلى 62 مطعما في الطور المتوسط و42 مطعما في الطور الثانوي وأخرى قيد الإنجاز تدخل الخدمة قريبا. ولئن كانت المطاعم بالطورين المتوسط والثانوي من تسيير مديرية التربية، إلا أن تسيير المطاعم بالابتدائيات مقسم بين مصالح المديرية والبلديات، هذه الأخيرة التي يؤخذ عليها إهمال المطاعم بالابتدائيات لدرجة أن مصالح التجارة نشرت تقريرا  "أسود" عن المطاعم الجماعية عموما، يكشف "تجاوزات وإهمال عام أدى إلى انتشار القوارض بهذه المطاعم"..

ذكر مصدر مسؤول من مديرية التجارة في حديث خاص مع "المساء"، أن لجان الرقابة التابعة للمديرية كانت قد أعدت "تقريرا أسودا" حول المطاعم الجماعية بالولاية خلال شهر نوفمبر الماضي. وقال بأن اللجان "تفاجأت بتراجع عامل النظافة في أغلب المطاعم محل المراقبة بشكل كبير ومقلق".

فئران ميتة ومنتجات منتهية الصلاحية!!

التقرير المنجز تضمن أيضا عدة ملاحظات، منها اهتراء قنوات الصرف الصحي بعدد من المطاعم المدرسية، مما يسبب انتشارا فظيعا للروائح الكريهة سواء داخل غرف تحضير الطعام أو داخل المطاعم نفسها"، والأخطر من ذلك ـ يوضح التقرير ـ وجود فئران ميتة داخل وجبة عدس بمطعم في إحدى المتوسطات ببلدية بودواو، "وهذه الحالة ليست معزولة، إذ تم تسجيل حالات مماثلة بمختلف المؤسسات التربوية للأطوار الثلاثة، حيث وجدنا قوارض بمخازن الأطعمة التابعة للمطاعم الجماعية، وهذا غير مقبول تماما بالنظر إلى حجم الدعم المقدم لتحسين ظروف التمدرس، ومنه الاطعام المدرسي"، يتابع المتحدث.

كما لفت نفس التقرير إلى عدم احترام سلسلة التبريد في عدد من المطاعم الجماعية، ومنه حالات إطفاء المبردات لاقتصاد الكهرباء، مما يسبب تلف المنتجات سريعة التلف، "والمفارقة أنه يتم تقديم تلك المنتجات ضمن الإطعام اليومي"، يضيف نفس المسؤول، ملفتا كذلك إلى نوع آخر من المخالفات المتعلقة بنوعية الخبز الرديئة المقدمة في تلك المطاعم، "فالخبز الموزع مخالف للوزن الحقيقي الموصى به،  إذ وجدنا أن وزن الخبزة في مطاعم الجامعات هو 230 غراما، رغم أن الوزن الرسمي للخبزة هو 250 غراما، مما يعني أن هناك تحايل في القيمة الغذائية الموجهة للإطعام الجماعي الجامعي، إضافة إلى عدم نقل الخبز إلى المطاعم ضمن المعايير الموصى بها، حيث يتم نقله في شاحنات غير مؤهلة عرضة للغبار والأتربة..

ومنذ الفاتح جانفي إلى 26 فيفري 2017، قامت لجنة مراقبة لنفس المصالح بمراقبة ثانية لمراكز الإطعام المدرسية، تم خلالها مراقبة الإطعام في 72 مؤسسة تعليمية، منها 35 ابتدائية و16 متوسطة و21 ثانوية. وخلصت اللجنة إلى نتائج مفادها "وجود قوارض في بعض الابتدائيات، إلى جانب غياب المياه وقنوات الصرف الصحي وتراكم النفايات، وكذا غياب الهياكل القاعدية الخاصة بالإطعام، لاسيما التبريد"، حسبما يشير إليه عز الدين قحام، رئيس مصلحة حماية المستهلك بالنيابة بمديرية التجارة.

يظهر غياب عامل النظافة عموما ونقص العمال المؤهلين وغياب الملفات الطبية لهؤلاء، مع غياب الطبق الشاهد، وكذا مساحات الإطعام غير المقبولة (ضيقة أو غير مؤهلة) من جملة النتائج المتوصل إليها ضمن نفس التحقيق لنفس المصالح، مع رفع هذه النتائج والتوصيات للجهات المعنية، ومنه إلى الوالي ومديرية التربية للإسراع في إيجاد حلول لها.

نقص العمال المؤهلين يرهن تحسين الإطعام المدرسي

مدير التربية لولاية بومرداس، نذير خنسوس، أوضح أن تسيير المطاعم المدرسية ينقسم بين مصلحتين اثنتين، فمصالحه تسير المطاعم بالطورين المتوسط والثانوي، في حين تتكفل البلديات بتسيير المطاعم الابتدائية. ولفت عموما إلى أن الوضع العام متحكم فيه، إلا في بعض حالات نقص الربط بالغاز الطبيعي "وهنا يتم الاستعانة بقوارير الغاز أو تقديم وجبات باردة"، وقال بأن عدد المطاعم تحت مسؤولية مصالحه تصل إلى 62 بالمتوسط و48 بالثانوي، مع وجود ستة أخرى في الطورين تدخل حيز الخدمة قريبا.

بالرغم من ذلك، يقر المسؤول بوجود بعض الاختلالات على مستوى الإطعام المدرسي، لكنه يرجع الأسباب مجملا إلى غياب اليد العاملة المؤهلة، وانعدام تأهيل المطاعم بما يحسن من ظروف الإطعام، "في المقابل فإننا اقترحنا على بعض البلديات التي لا توفر الإطعام الساخن تزويدها بوجبات ساخنة لبعض الابتدائيات التي تقدم وجبات باردة، شريطة توفير النقل، وهو ما لم يتم للأسف"، يقول مدير التربية.

إسترجاع تسيير المطاعم بالابتدائيات يحسن ظروف الإطعام

كان لـ«المساء" حديث مع مفتش التغذية المدرسية رابح قرامدي، الذي اعتبر خدمة الإطعام المدرسي "بالمقبولة جدا"، وفي كل الأطوار التعليمية، إلا أنه أبدى تحفظا على الإطعام بالابتدائيات الذي قال بأن تسييره يعود للبلدية، مما يرهن تحسينه بالرغم من الدعم المتواصل، يقول: "لقطاع التربية ثلاثة أطفال لا يمكن تفرقة الواحد عن الآخر: الابتدائي- المتوسط والثانوي" ردا على سؤالنا؛ لماذا يتكفل القطاع بالثاني والثالث ويعهد تسيير الأول لقطاع آخر؟! ونقصد هنا تسيير البلدية للابتدائيات، وهو ما يجعل الخدمات المقدمة تثير بعض الإشكال.

نفس الفكرة يؤكد عليها مستشار التغذية المدرسية اسماعيل عز الدين، موضحا أن تقسيم تسيير الإطعام المدرسي بين البلدية وقطاع التربية، سيتم الاستعاضة عنه نهائيا بدخول مرسوم وزاري يعهد التسيير الكلي للابتدائيات للبلدية.

وعن الوجبة المدرسية، يؤكد المستشار أنها "متوازنة تتراوح بين البروتين الحيواني والنباتي، النشويات الخضر والفواكه، على مدار خمسة أيام في الأسبوع"، علما أن سعر هذه الوجبة محدد بـ45 دينارا.

المستشار أكد من جهة أخرى أن آخر خرجة له لتفتيش المطاعم المدرسية تعود إلى أسبوعين خلت، ورفع على إثرها الملاحظات نفسها والمتعلقة بتهيئة المطاعم المدرسية لمضاعفة تقديم الوجبات الساخنة، وتزويد هذه الهياكل باليد العاملة المؤهلة ومواد التنظيف.

وعن إشكال تكفل المنظفات بتحضير الوجبات ببعض المطاعم المدرسية، لم ينف المفتش رابح قرامدي الأمر، وقال بأن "مدير المدرسة مطالب بتسيير مؤسسته بالموجود، كما أن نقص اليد العاملة بالرغم من تكرار الطلب بتوفيرها في عدة مؤسسات تربوية يرهن تقديم خدمة جيدة.. المدير يلجأ اضطراريا إلى الاستعانة بالعمال المتوفرين لديه لتغطية العجز المسجل"، يقول المفتش، مؤكدا أمر توجيه عبر مديرية التربية طلبا لمديرية التشغيل بالولاية من أجل تزويد الهياكل باليد العاملة، إلا أن الرد كان سلبيا.

تسعة ملايير لدعم وتهيئة المدارس وتحسين الإطعام

منحت لجنة المالية والاقتصاد التابعة للمجلس الشعبي الولائي لولاية بومرداس،  إعانة مالية قدرها 05 ملايير سنتيم في سبيل تحسين التغذية الساخنة عبر المطاعم المدرسية، إضافة إلى مبلغ 04 ملايير سنتيم موجهة لتهيئة المطاعم عبر الابتدائيات خلال الموسم الدراسي 2015-2016، حسبما يؤكده السيد حسين سنجاق رئيس لجنة المالية والاقتصاد في تصريح خاص لـ«المساء"، وأكد أن اللجنة راسلت عبر لجنة مختلطة من مديريات الإدارة المحلية، التربية واللجنة التي يراسلها، كل البلديات من أجل تقديم عرض حال حول ما تم إنجازه لتدارس إمكانية إضافة غلاف مالي آخر، موجه في سبيل تحسين التغذية عبر المطاعم المدرسية، لاسيما في المناطق النائية. "لكن للأسف، البلديات المعنية لم تفتح خلال الموسم الدراسي الجاري مطاعم مهيأة تقدم وجبات ساخنة، وبقيت توزع وجبات باردة بالرغم من الإعانة المقدمة"، يقول المسؤول وأضاف "أردنا من خلال الإعانة بخمسة ملايير، تحسين خدمة الإطعام للتلاميذ وتعليمهم أهمية الجلوس إلى المائدة، بالتالي غرس سلوك التغذية الجيدة حتى ينشأ جيل حريص على الأكل الصحي والابتعاد عن الوجبات السريعة، لكن النتائج ـ للأسف ـ لم تكن وفق الحرص المطلوب".

المسؤول أكد في المقابل، بأن اللجنة المختلطة نفسها رفعت مطلبا قبيل أسبوع لكل بلدية على حدا لعرض حال حول ما تم إنجازه بشأن خدمة الإطعام المدرسي ومتابعة الأشغال، "وبعد الحوصلة سندرس كل حالة على حدا، كما أنه لدينا غلاف مالي آخر مهم سيتم توزيعه على المدارس، خاص بالتهيئة بصفة عامة، المدافئ وتحسين المطاعم وظروف التمدرس بشكل عام، لكن قررنا عدم صرف هذا المبلغ الهام إلا بعد عرض الحال ودراسة ما تم إنجازه خلال الموسم الدراسي السابق، يقول نفس المسؤول.

لم تسجل أية تسممات غذائية وسط التلاميذ  ... عدد المطاعم غير كاف بالبليدة

تحتوي ولاية البليدة على حوالي 191 مطعما مدرسيا موزعة على المؤسسات التربوية المنتشرة على تراب الولاية، حيث يستفيد من خدمة الإطعام حوالي 80 ألف تلميذ، وحسب مديرية التربية لولاية البليدة، غنيمة آيت ابراهيم ليومية "المساء"، فإن هذه المطاعم المدرسية لا تلبي جميع الاحتياجات ولا توفر الإكتفاء مائة بالمائة، مضيفة أن مصالحها تحرص على تقديم وجبة كاملة ومتوازنة تحتوي على مختلف الفيتامينات من بروتيدات وغلوسيدات وغيرها، وأن قيمة الوجبة الواحدة تبلغ 45 دج، بالإضافة إلى 5 دج دعم الولاية من ميزانيتها من أجل تحسين الوجبة.

كما أكدت مديرة التربية على عدم ورود أية تقارير إلى مصالحها فيما يخص التسممات الغذائية وسط التلاميذ، وأن هناك لجنة خاصة مكلفة بمتابعة وإعداد الوجبة، متكونة من أطباء وأخصائيين في التغذية، مضيفة أن المخصصات المالية الموجهة للإطعام تأتي من الوزارة الوصية، هذه الأخيرة توزعها على حسب عدد التلاميذ، وهي غير كافية ولا تلبي احتياجات المطاعم المدرسية بالنظر إلى تقديم وجبة محسنة كاملة ومتوازنة، على حد قولها.

وفيما يخص فكرة استرجاع تسيير المطاعم المدرسية من طرف الجماعات المحلية، صرحت المسؤولة عن أن القرار الوزاري الصادر في أوت 2016 الذي ينص على تسيير المطاعم المدرسية من طرف الجماعات المحلية، هو قرار حكيم وغير عشوائي، مؤكدة أن القرار ينص على إسناد مهام تسيير المطاعم المدرسية للجماعات المحلية، لكن هذا لا يعني ـ حسبها ـ إخراج قطاع التربية من العملية، فالجماعات المحلية لها صلاحيات محددة تتمثل في التسيير ودفع مستحقات الممونين وإجراء المناقصات وكذا الإستشارات القانونية، مفيدة أن قطاع التربية عضو فعال في إعداد المناقصة واختيار الممون، أسندت له مهام أخرى تمثلت في المراقبة الفعلية لهذه المطاعم من جانب النظافة ونوعية وكمية الوجبة.

من جهته رئيس بلدية البليدة سيد علي بن شرشالي، فإن مصالحه تشرف على كل المطاعم المدرسية الموجودة بتراب البلدية، حيث أن إنجاز المطاعم المدرسية وتجهيزها يقع على عاتق البلدية، وأن مصالحه تشرف على تسيير المطاعم من ناحية أعوان النظافة وكذا الطباخين وأعوان الحراسة، كما أن مصلحة النظافة التابعة للبلدية هي المكلفة بمتابعة هذه المطاعم من خلال دوريات يومية للوقوف على مدى اتباع معايير النظافة المعمول بها.

أما مديرو المؤسسات التربوية، فقد انقسموا بين مرحب بالفكرة وبين رافض لها، حيث صرحت لنا مديرة ابتدائية ببلدية الصومعة بأن القرار يحمل بعض السلبيات. فحسبها، حين يصبح تسيير المطاعم من طرف البلديات تتداخل الصلاحيات فيما بينها ويمكن أن يتدخل رئيس البلدية في صلاحيات المديرة،  على حد قولها، وما ينجر عنه من خلافات قد تكون على حساب التلميذ.  مضيفة أنها راسلت مصالح البلدية من أجل إصلاح حنفيات المدرسة وزجاج النوافذ، لكن دون جدوى، وأن البلدية لم تتكفل بأدنى المطالب، فكيف تسير مطعم برمته؟ على حد قولها، تتساءل متحدثتنا.

للإشارة حاولنا الاتصال برئيس المجلس الشعبي الولائي مرارا، لكن دون جدوى. كما اتصلنا بالأمين العام لجمعية أولياء التلاميذ لأخذ رأيه في الموضوع، لكن تعذر علينا ذلك.

واقع ملف الإطعام المدرسي بابتدائيات الطارف  ... وجبة التلميذ بين البعد عن المعايير الصحية وغياب الرقابة

تضم ولاية الطارف 253 ابتدائية، 220 منها تقدم وجبات ساخنة، حسب تصريح مدير التربية للولاية، فيما تبقى 33 ابتدائية تقدم وجبات باردة للتلاميذ، سيتكفل بها والي الولاية، بتخصيص مبلغ مالي لتعميم الوجبات الساخنة بجميع المدارس على مستوى الولاية، حسب التقارير الرسمية التي تم إيفادنا بها، لكن في الواقع تبقى معظم الابتدائيات تقدم وجبات غير لائقة، وهذا باعتراف التلاميذ وأوليائهم. 

وقد قامت جريدة «المساء» باستطلاع حول مجهودات تعميم وجبات ساخنة لتلاميذ المدارس الابتدائية، إضافة إلى رصد آراء أولياء التلاميذ فيما يخص نوعيتها، إلى جانب المسؤولين والمتتبعين والجهات المسيّرة لهذا الملف الهام.

 الوالي يسهر شخصيا على متابعة الملف 

من خلال حضورنا لاجتماعات المجلس التنفيذي للولاية، وكذا دورات المجلس الشعبي الولائي والخرجات الميدانية لوالي الولاية، محمد لبقة، الذي لمسنا اهتماما كبيرا لديه بخصوص ملف المطاعم المدرسية وتقديم الوجبات الساخنة للتلاميذ، من خلال فتح المطاعم وإعطاء تعليمات لرؤساء البلديات بتوفير الطواقم العمالية التي تشرف على تسيير هذه المطاعم، حيث أصبح 33 مطعما مدرسيا فقط يقدم وجبات باردة، في وقت تسعى الولاية إلى تقليص هذا العدد أكثر إلى غاية تغطية كافة المدارس بالوجبات الساخنة والمتكاملة.

وفي محاولة منه للإلمام أكثر بهذا الملف، يحرص الوالي على عقد اجتماعات دورية مع مديري الابتدائيات ومفتشي الإدارة لجميع المقاطعات، من أجل التأكيد على وجوب تحسين الوجبة المقدمة للتلاميذ من ناحية طبيعتها وسلامتها وقيمتها الغذائية، قبل الشروع في رفع تقارير هذه الهيئات للجهات العليا، على خلفية حقيقة تسيير هذا الملف الحسّاس.

يتزامن هذا المسعى مع محاولة بعض مديري المؤسسات التربوية تجاهل تعليمة الوالي في هذا الإطار، خاصة بابتدائيات بلدية بوحجار وعين الكرمة، حيث لا تزال الوجبات المقدمة للمتمدرسين دون المستوى المطلوب، مع تسجيل تواطؤ مفضوح لمديري المدارس ومفتشي المقاطعات الإدارية والممونين، وهذا بشهادة المعلمين وأعضاء المجالس الشعبية المنتخبة وأولياء التلاميذ، حيث وصل الأمر إلى المتاجرة بوجبة التلميذ التي تقدر بـ45 دج للوجبة الواحدة.  

دعوة لإسناد تسيير المطاعم المدرسية لمجلس التربية والتسيير

أكد رئيس لجنة التربية والتعليم العالي والتكوين المهني بالمجلس الشعبي الولائي للطارف، حمايزي عيسى، أنّ هذا الملف يتطلب متابعة خاصة ودقيقة باعتباره يتعلق بالإطعام، مشيرا إلى أن جهود مصالح ولاية الطارف موجّهة أكثر نحو القضاء على الوجبات الباردة خلال هذه السنة، والحد من بعض الممارسات والتقارير المغلوطة المقدمة من قبل مديري المدارس في هذا الإطار، مشيرا إلى تسجيل عدة تقارير وتصريحات كاذبة حول نوعية وطبيعة هذه الوجبات وقيمتها المالية، حيث أرجع ذلك إلى غياب آلة الرقابة لمفتشي الإدارة للمقاطعات وكذا مفتشي الإطعام بمديرية التربية لولاية الطارف. فيما يرى أن إسناد مهمة تسيير المطاعم المدرسية بالابتدائيات عوض البلديات التي تعتمد في اختيار الممونين على المحاباة لمجلس التربية والتسيير بالمتوسطات في إطار ما يسمى بـ«المأمن «، حتى تصبح الاعتمادات المالية لتسيير المطاعم المدرسية تضخ في ميزانية المتوسطات. 

الوجبات المدرسية بعيدة عن المستوى

وسعيا منا لإثراء الموضوع أكثر، كانت لنا وقفات مع العديد من تلاميذ الطور الابتدائي بالعديد من المدارس الابتدائية، من بلدية بوحجار وبلدية وادي الزيتون وبلدية حمام بني صالح وبلدية الطارف، إلى بلدية عصفور، الذين أكدو لنا أنهم يتلقون وجبات باردة يوميا، متكونة من قطعة إلى قطعتين من الجبن وقطعة خبز، فيما أكد لنا البعض أنه تقدم لهم وجبات ساخنة طوال أيام الأسبوع، خاصة بابتدائيات بلدية وادي الزيتون والأرياف. 

فيما يرى بعض أولياء التلاميذ، أن مديري المدارس تخلّول كلياّ عن دورهم التربوي والتحقوا بتسيير شؤون المطاعم لحاجة في نفس يعقوب ..

بعض المديرين يرفضون تأسيس جمعيات الأولياء تجنبا للرقابة

كما ارتاينا أن نأخذ رأي رئيس فيدرالية جمعيات أولياء التلاميذ لولاية الطارف، رابح بومنصورة، حول الإطعام ونوعيته بالمدارس الابتدائية، وعن حالات تسمم في صفوف التلاميذ، ودور التمثيل الجمعوي لأولياء التلاميذ على مستوى 253 ابتدائية بولاية الطارف، حيث أكد لنا أن مديري المدارس الابتدائية لا يحبذون تأسيس جمعيات أولياء التلاميذ لمؤسساتهم التعليمية، تجنبا للرقابة التي تضايقهم خاصة في الإطعام ونوعيته، بدليل أن هناك 71 جمعية فقط لأولياء التلاميذ على مستوى المدارس الابتدائية التي تقابلها 253 مدرسة، لذا كان من الواجب على مديرية التربية لولاية الطارف ـ حسبه - توجيه تعليمات لمديري المدارس بهدف تكوين جمعيات أولياء التلاميذ، استنادا للقانون 06/12 المؤرخ في 12 / 01 / 2012. كما أشار من جهة أخرى إلى التلاعب الكبير الحاصل على مستوى المدارس الابتدائية في نوعية تقديم الوجبة، وكذا طبيعة الممولين الذين هم في الأصل مديرون متقاعدون من القطاع وسبق لهم تسيير المطاعم المدرسية، حيث قال: «لا بد من تشديد آلة الرقابة على جميع من تسول له نفسه التلاعب بفلذات أكبادنا في الإطعام المدرسي الذي خصصته الدولة..»، مذكرا أنه لم تسجل أية حالات تسمم في الوسط المرسي بالمدارس الابتدائية على الإطلاق، ليذكّّر بضرورة تغيير الجهة المشرفة على المطاعم المدرسية التي أصبح يغلب عليها طابع «البزنسة». 

مدير التربية يتوعد بمعاقبة كل المتلاعبين بالإطعام المدرسي

من جهته، أكد مدير التربية لولاية الطارف عز الدين جيلالي، أن آلة الرقابة تحركت منذ صدور تعليمات والي ولاية الطرف خلال التجمع الذي عقدة مع جميع مديري الابتدائيات ومفتشي المقاطعات، حيث كلف مفتشي الإدارة للمقاطعات برفع تقاريهم الخاصة بظروف التمدرس بابتدائياتهم، بدءا من نوعية الوجبة التي تقدم للتلاميذ حتى يمكن التدخل في الوقت المناسب. كما هدد مديرو المدارس الابتدائية من مغبة التلاعب بوجبة التلميذ في وقت تم تسجيل تجاوب كبير للمديرين في تقديم وجبات كاملة وصحيّة بالمؤسسات التربوية.

فيما تقدم المدارس 100 ألف وجبة يوميا للتلاميذ  ... ردود متباينة حول تسيير المطاعم

تضم ولاية تيارت 358 مطعما مدرسيا موزعا على 42 بلدية بالولاية، بحيث يتم تقديم 103.744 وجبة يومية لأكثر من 70 بالمائة من التلاميذ المتمدرسين، خاصة بالبلديات والمناطق البعيدة والنائية. وحسب مفتش المطاعم المدرسية بمديرية التربية للولاية، السيد عيساوي مصطفى، فإن الوجبات المقدمة للتلاميذ تخضع لمقاييس وضوابط تم إقرارها بموجب منشور وزاري رقم 333، المؤرخ في 24 ماي 2009، الذي يحدد بدقة نوعية الوجبات والمحتويات الواجب توفرها،  وهي الخمس القواعد المكونة للغذا؛ النباتية، النشويات، السكريات، الدهنيات، ماء وأملاح معدنية، بحيث تخضع هذه الوجبات لمراقبة دائمة من قبل المصالح الصحية ومختص في التغذية، كما يتم إخضاعها لعملية التوزيع حسب خصوصيات كل منطقة بالولاية، بين المناطق الشمالية والجنوبية تماشيا مع نص المنشور الوزاري.

 قيمة الوجبة قليلة مقارنة مع وضعية السوق

تقدر الوجبة الغذائية المقدمة لتلاميذ المدارس بـ45 دج للوجبة الواحدة، وهو سعر مقرر من قبل وزارة الداخلية والجماعات المحلية، وهي قيمة قليلة جدا لا تلبي حاجيات المكلفين باقتناء كل الضروريات لإعداد الوجبة، مما جعل الاعتماد منصب على مصالح الولاية والمجلس الشعبي الولائي لتدعيم المطاعم المدرسية، بحيث يتم رصد أكثر من 600 مليون سنتيمم سنويا من قبل المجلس الولائي لملف الإطعام المدرسي ودعم المطاعم المدرسية من الناحية المالية في اقتناء الضروريات.

حالات التسمم المسجلة بالرحوية تتعلق بالياغورت

سجلت المصالح الصحية المكلفة بمراقبة تحضير الوجبات الغذائية على مستوى المطاعم المدرسية، بالتنسيق مع المفتشية خلال سنة 2016 الماضية؛ 17 حالة تسمم، مرجعة سببها إلى استهلاك مادة الياغورت، حيث تم احتواء الأزمة واتخاذ الإجراءات الضرورية، في حين لم تسجل أية حالة تسمم تتعلق بالوجبات التي يتم تحضيرها وتقديمها للتلاميذ.

 ضرورة إعطاء صلاحيات أوسع في تسيير المطاعم

لا يلقى الوضع الحالي لتسير المطاعم المدرسية من الجانب المالي والتقني إجماع إطارات وموظفي قطاع التربية بولاية تيارت، على غرار معظم مناطق الوطن، بحيث أن الجانب المالي من اختصاص الجماعات المحلية، ولا يتمتع مدير المؤسسة أو المقتصد بصفة الأمر بالصرف. هذه الطريقة أعاقت ولا تزال تعيق تسير المطاعم المدرسية بالشكل المطلوب، وهو الأمر الذي طرح خلال الاجتماع الأخير المنعقد بالعاصمة في 23 فيفري الماضي الذي ضم كل مفتشي المطاعم للوطن، بحيث تم الاتفاق مبدئيا على العمل في ورشات وتقديم مقترحات بناءة تضمن تسير المطاعم بفكرة استرجاعها من قبل الجماعات المحلية. ولتجسيد هذا المسعى، تم إعطاء توصيات لمواصلة العمل على نفس النهج إلى غاية انتهاء السنة المالية 2017، في انتظار صدور النصوص التنظيمية المتعلقة بالتسيير بصفة عامة.

وفي نفس المنحى، فإن البلديات تتكفل بالجانب المالي خلال تلك الفترة،  مع ضمان تسديد كل الديون السابقة واللاحقة إلى غاية تسوية وتطهير الوضعية المالية تأهبا لنمط التسيير الجديد المقرر إدراجه، وهو مطلب ملح للأسرة التربوية. 

المنتخبون مع التسيير المالي والتقني للمطاعم من قبل القطاع

من خلال الحديث الذي دار بين جريدة «المساء» وعدد من المنتخبين المحليين وأولياء التلاميذ حول ملف تسيير المطاعم المدرسية، لمسنا من خلاله دعم هؤلاء لفكرة التسيير المباشر للمطاعم المدرسية من قبل قطاع التربية لسببين؛ الأول كون المطاعم تتعلق بالتربية وإعطاء الاستقلالية المالية والتقنية بما يسمح للقطاع بالتمكن من زمام التسيير والوقف على كل كبيرة وصغيرة. أما السبب الثاني، حسب بعض المنتخبين، فيكمن أساسا في تفرغ المنتخبين لمهام أخرى تحول دون تمكّنهم من الاهتمام بتسيير المطاعم المدرسية والحرص على تقديم وجبات غذائية مثلى للتلاميذ.

فيما خصصت جيجل  03 ملايير للإطعام المدرسي  ...  لا مشكل في تسيير المطاعم.. بل في قيمة الوجبة الغذائية

أكدت مصادر «المساء» بمديرية التربية لولاية جيجل، بأن الإطعام المدرسي من أهم الخدمات التي تسهر مديرية التربية على ضمانها لتلاميذ المدارس، لاسيما ما تعلق منها بالمدارس الجبلية النائية، أين يقطع التلاميذ مسافات للوصول إليها، ويتعذر عليهم الانتقال إلى منازلهم بين الدوامين، حيث قدرت نسبة الاستفادة من الإطعام المدرسي خلال الموسم الدراسي الجاري، حسب الأطوار الثلاثة 84.4 بالمائة في الطور الإبتدائي، و36.9 في الطور المتوسط و34.7 في الطور الثانوي، من مجموع 535 مؤسسة تربوية موجودة عبر تراب الولاية، استقبلت خلال الموسم الدراسي 2016-2017 ما يقارب 157085 تلميذا بالأطوار الثلاثة.

تعد المدارس الابتدائية والمقدر عددها حسب الإحصائيات بـ382 مؤسسة ابتدائية، أكبر تغطية بالإطعام المدرسي يستفيد منها ما يزيد عن 80 ألف تلميذ، مقارنة بـ 110 متوسطات و43 ثانوية لا تغطى كلها بالإطعام المدرسي، باستثناء المؤسسات التي تتوفر على النظام الداخلي ونصف الداخلي في بعض الأحيان، في حين توجد بعض المجمعات المدرسية الابتدائية تعمل بنظام الوجبة الباردة بسبب غياب المطاعم بها.

وأضافت نفس المصادر بأن مصالح مديرية التربية تقدم دعما للمدارس في مجال خدمة الإطعام خلال كل دخول مدرسي، في حين تبقى مهمة تسيير هذه المطاعم موكلة لمصالح كل بلدية لديها مدرسة مدعمة بمطعم في إقليمها، حيث يستفيد هؤلاء التلاميذ من وجبة تتراوح قيمتها الغدائية بين 45 دينارا جزائريا و60 دينارا جزائريا تتوفر عادة على وجبة غداء وفق القائمة المسطرة، متبوعة بنوع من أنواع الفواكه أو الأجبان، حيث تعمل الجهات القائمة على هذه المطاعم على ضمان النظافة والوجبة الصحية للتلاميذ، لتفادي حدوث تسممات، والتي لم تسجل مصالح مديرية التربية إلى حد الآن،  حسب مصادر «المساء»، أي حالات تسمم تدل على تدني خدمة الإطعام بالمدارس.

وكنمودج عن هذه البلديات، «المساء» اتصلت برئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية العنصر، السيد كريبش عبد الفتاح، الذي أكد لنا بأن مصالح البلديات تعمل على ضمان السير الحسن لعملية الإطعام المدرسي، بحكم أنها من يسيرها، من خلال توفير العمال القائمين على خدمات هذه المطاعم، حيث تتوفر بلدية العنصر لوحدها على 14 مدرسة، تقدم كلها وجبات ساخنة للتلاميذ، يستفيد كل تلميذ بها من وجبة قيمتها 45 دينارا جزائريا، إلا مدرسة واحدة بوسط بلدية العنصر تعمل على تقديم وجبات باردة، بسبب غياب مرفق الإطعام بها، وأشار المصدر نفسه إلى أن بلدية العنصر استفادت من غلاف مالي يقدر بـ 500 مليون سنتيم، في بداية الموسم الدراسي، وجه أساسا في سبيل تسيير الإطعام على مستوى المدارس.

من جهته، كشف السيد احسن بوكاف، رئيس المجلس الشعبي الولائي لـ«المساء»، عن أن مصالحه خصصت خلال الموسم الدراسي الجاري 03 ملايير سنتيم لتدعيم ملف الإطعام المدرسي لفائدة جميع المدارس على مستوى الولاية. كما يسعى المجلس إلى اقتراح العديد من المشاريع التربوية،  لاسيما ما تعلق بتهيئة أو تدعيم بعض المدارس بمرافق إطعام لضمان التغطية كليا بالإطعام المدرسي لفائدة التلاميذ، والقضاء نهائيا على نظام الوجبة الباردة المعمول بها في بعض المجمعات المدرسية. وعن القيمة الغدائية، يراها متحدثنا ضعيفة وبحاجة إلى تظافر جهود جميع المصالح، على غرار مصالح مديرية التربية، مصالح الولاية والبلديات لتحسينها وضمان وجبة صحية للتلاميذ، فالمشكل لا يعد في تسيير المطاعم المدرسية من قبل مصالح البلدية، إنما في تدعيم الوجبة الغدائية المقدمة. 

❊زايدي منى