في ذكرى التفجيرات النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية

سكان رقّان بأدرار يطالبون بتطهير المنطقة من النفايات النووية

سكان رقّان بأدرار يطالبون بتطهير المنطقة من النفايات النووية
  • القراءات: 1268
 بوشريفي بلقاسم  بوشريفي بلقاسم

صباح يوم 13 فيفري 1960 على الساعة السابعة وأربع دقائق إستيقظ سكان منطقة رقّان على وقع انفجار ضخم ومريع كسر الصورة البريئة التي كان يختفي وراءها الاستعمار ليكشف للعالم أجمع مدى فظاعة جرائم فرنسا وليتأكد للفرنسيين أنفسهم أن حكومتهم التي ترفع شعار «الأخوة، المساواة والحرية» لا تتأخر لحظة في تحويل حوالي 42 ألف مواطن من منطقة رقّان بولاية أدرار ومجاهدين حكم عليهم بالإعدام إلى فئران تجارب للخبراء الإسرائيليين وجنرالات فرنسا على رأسها الجنرال ديغول، فهذا الجنرال لافو، صرح في ذلك الوقت أن اختيار منطقة رقّان لإجراء تجربة القنبلة الذرية وقع في جوان 1957 حيث بدأت الأشغال بها سنة 1958، وفي أقل من ثلاث سنوات وجدت مدينة حقيقية برقان يقطنها 6500 فرنسي و 3500 صحراوي كلهم كانوا يشتغلون ليل نهار لإنجاح إجراء التجربة النووية في الآجال المحددة لها. في صبيحة هذا اليوم الأسود المشهود، تمت عملية التفجير تحت اسم «اليربوع الأزرق» تيمنا بلون الكيان الصهيوني وأول لون من العلم الفرنسي. إن هذا التفجير الذي سجل بالصوت والصورة بعد الكلمة التي ألقاها ديغول في نقطة التفجير بحموديا، 65 كلم عن رقّان المدينة، قبل التفجير بساعة واحدة فقط، وتم نقل الشريط مباشرة من رقّان إلى باريس ليعرض في النشرة الإخبارية المتلفزة على الساعة الثامنة من نفس اليوم.  

نجحت فرنسا وإسرائيل في تجاربهما النووية المشتركة وهما يدركان حق الإدراك أن سكان هذه المنطقة سيعانون لفترة تزيد عن 4500 سنة من وقع إشعاعات نووية لا تبقي ولا تذر و لا تفرق بين نبات أوحيوان أو إنسان. لقد ارتكبت فرنسا جريمتها الشنعاء ذلك أنها كانت تسعى للالتحاق بالنادي النووي آنذاك بغية إظهار عظمتها للعالم مع مدّ الكيان الصهيوني بالتسلح النووي سرا بأي ثمن.. كانت أول قنبلة نووية سطحية بقوة ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان عام 1945، تلتها قنبلة «اليربوع الأبيض» ثم  «اليربوع الأحمر» حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي لتختتم التجارب الاستعمارية النووية بمنطقة حموديا رقان بالقنبلة الرابعة والأخيرة التي سميت بـ«اليربوع الأخضر» وهذا في 25 أفريل 1961 لتنفتح شهية النظام الديغولي من أجل التنويع في التجارب النووية في العديد من مناطق الصحراء الجزائرية لتصل قوة تفجيراتها إلى 127 كيلو طن من خلال التجربة الباطنية.  

اليوم، سكان رقان بولاية أدرار يتذكرون ويستنكرون تلك الجرائم والكثير منهم يعاني في صمت، لا يملكون أي أرشيف عن تفاصيل التفجير سوى شهود عيان يحكون الفاجعة والأمراض الفتّاكة التي نخرت أجسادهم بسبب الإشعاع النووي المنتشر عبر إقليم ولاية أدرار. في هذه الذكرى الأليمة، يطالب سكان المنطقة وجمعية 13 فبراير بضرورة تطهير المنطقة من النفايات النووية التي خلفتها فرنسا الاستعمارية والتي ما تزال تؤثر سلبا على المحيط البيئي والمواطنين جراء انتشار أمراض السرطان المختلفة، بالإضافة إلى وجود شباب وأطفال في عمر الزهور خلقوا بعاهات وهم معوقين جراء الأثر النووي الذي أثر على الأجنة، وهنا أصبح النظر في ملف التفجيرات النووية برقان أمرا هاما نتيجة الانعكاسات السلبية على حياة السكان. وكمرحلة أولى، يجب البدء وهو محاولة القيام بدراسات علمية تهدف إلى تطهير المنطقة من النفايات التي خلفتها التفجيرات بمنطقة حمودية برقان والتي ما تزال قائمة إلى اليوم لأنها تعتبر المنبع الحقيقي لانتشار الإشعاعات بواسطة عوامل الرياح وزحف الرمال نحو التجمعات السكانية. وحسب تصريحات كثيرة لسكان المنطقة، فإن همّهم الوحيد هو تطهير المنطقة وتخليصهم من خطر الإشعاع النووي بقدر المطالبة بالتعويض المادي عن الأضرار الناجمة عن تلك التفجيرات النووية، لأن المال لا يخلّصهم من كابوس الإشعاعات التي تهددنا يوميا آملين أن يهتم الباحثون في الفيزياء النووية بتقديم دراسات حقيقية ومن الواقع المعاش تهدف من خلالها إلى تطهير المنطقة من بقايا النفايات النووية التي سكت عنها فاعلوها من وراء البحار ولم يقدموا للجزائر رسميا الأرشيف النووي وخرائط التفجيرات النووية في صحرائنا. كما يطالب أهالي المنطقة بإنجاز مستشفى لمكافحة أمراض السرطان.

من جهة أخرى، احتضنت أمس، دار الثقافة لولاية أدرار ندوة حول التفجيرات النووية من تنظيم حركة البناء الوطني، بمشاركة إطارات من حزب العدالة والتنمية والنهضة، حضرها مواطنون وأساتذة وباحثون. وأجمع المشاركون على مرارة الذكرى التي تثير كل سنة ألما واستنكارا شديدين من طرف سكان منطقة رقان التي أجرت فرنسا الاستعمارية تجاربها النووية بتاريخ 13 فبراير سنة 1960 مخلفة أضرارا كبيرة بالبيئة والإنسان وماتزال آثارها تحصد الأرواح إلى يومنا هذا.