حكومة سلال تكسر «طابوهات» الملفات ويبس الذهنيات

الإصغاء وفتح الحوار دون إقصاء

الإصغاء وفتح الحوار دون إقصاء
  • القراءات: 896
محمد / ب محمد / ب

أعلنت الحكومة من خلال وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، فتح باب الحوار مع كل التنظيمات النقابية دون استثناء من أجل بلورة وإثراء قانون العمل، لتؤكد مرة أخرى جديتها في التعامل بمرونة وليونة مع الملفات الحساسة التي تشغل الرأي العام من جهة وتستجيب لتطلعات مختلف فئاته من جهة أخرى، تكريسا لمبدأي الديمقراطية التشاركية وبناء دولة المواطنة المكرسين في برنامج الإصلاحات المعمقة التي بادر بها الرئيس بوتفليقة، وتم التنصيص عليها ضمن أحكام الدستور الجديد، وتثمينا لمعالم الحوار الاجتماعي المؤطر بعقد وطني يعد من خيرة التجارب التي تتطلع العديد من الدول إلى الاستفادة منها.

إعلان حكومة سلال، تفتحها على الحوار مع النقابات العمالية بما فيها النقابات المستقلة، وإبلاغ الوزير الأول عن طريق وزيره للعمل محمد الغازي، النقابات المستقلة استعداده لاستقبالهم دون استثناء لمناقشة القضايا الكبرى التي تخص مجال التشغيل، ثم تأكيده على أن سنة 2017 ستكون سنة الثقة بين السلطات العمومية والنقابات، يعتبر في الحقيقة خطوة إضافية في المسعى التشاوري والتواصلي الذي تعمل الحكومة جاهدة على تجسيده على أرض الواقع، مواكبة لتعليمات رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي يحرص في كل اجتماع لمجلس الوزراء على ضرورة الإصغاء للمواطن والتجاوب مع انشغالات مختلف فئات الشعب الجزائري والعمل على الاستجابة لتطلعاته.

بناء الدولة الحديثة على أساس التشاور والتوافق

الرئيس بوتفليقة الذي لم يكتف بإصدار الأوامر في اتجاه تعزيز قيم الحوار وتثمين دعائم السلم الاجتماعي الذي يعتبر ركيزة أساسية للحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد، لاسيما في ظل التحديات الكبرى والتهديدات الأمنية التي تواجهها البلاد، شكل بمواقفه وقراراته التاريخية التي شملت الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية ثم لغة رسمية وترسيمها في الدستور، واعتماد مبدأ التشاور الموسع لتطبيق مسار تعميق الإصلاحات السياسية وصياغة دستور الجزائر الجديد، وقبلها إعلانه التراجع عن مشروع قانون المحروقات الذي أثار حفيظة العديد من الأطراف السياسية والنقابية، ومؤخرا قرار وضع استثناءات في الفئات التي يشملها قانون التقاعد الجديد، أعطى بمواقفه هذه مثالا عن فضائل مبدأ الإصغاء للآخر، كما أكد من خلالها بأن تراجع السلطات العمومية عن قرارات أو مواقف حاسمة لا يعد كفرا ولا ضعفا في حال كانت مزاياه أكبر، وتحقق بفضله توافق أوسع، واستجاب لمطالب فئات معتبرة من المجتمع.

هذه المزايا والأهداف التي ينبني عليها مبدأ الإصغاء وتتحقق عبرها المعاني الأسمى للممارسة الديمقراطية، واحترام آراء جميع الأطراف بما فيها الأقلية التي يحفظ الدستور مكانها وحقوقها كاملة، كرستها حكومة عبد المالك سلال، في المواعيد المصيرية، على غرار اجتماعات الثلاثية التي تتأسس من خلالها الخيارات الوطنية وترتسم فيها السياسات المتبعة من قبل الحكومة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية. لم يتوان الوزير الأول في السنوات الأخيرة، في جعل هذا الموعد الدوري الهام، لقاء جامعا ومفتوحا لكافة النقابات بما فيها النقابات المستقلة غير المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للعمال الجزائريين، حرصا على الحوار البنّاء والتشاور الواسع التي يضمن الجدية والفعالية للقرارات المتخذة خلال هذه اللقاءات ويضمن مشاركة واسعة لكل الفعاليات، والتمثيليات.

كسر «الطابوهات» يعزز التلاحم الوطني

يبدو جليا أن التكريس الحقيقي لمبدأ الإصغاء لجميع الأطراف أسهم بشكل كبير في دفع السلطات العمومية بداية من رئيس الجمهورية، إلى تكسير العديد من الطابوهات التي كانت إلى وقت غير بعيد تعتبر عائقا غير معلن أمام التلاحم الوطني، بل قنبلة موقوتة في وجه وحدة الجزائريين والتعايش بين فئات المجتمع، من هذه الملفات ملف الأمازيغية التي كانت تشكل إحدى أكبر الطابوهات التي يحرم الخوض فيها أو المطالبة بتعلّمها وترقيتها، وأصبح اليوم هذا الملف يحفظ للرئيس بوتفليقة، شجاعته وجرأته في إعلان الاعتراف بها، ودسترتها كثابت من ثوابت الهوية الوطنية، مع ترسيمها واتخاذ كافة التدابير الضرورية لتعميم تعليمها في المدارس الجزائرية.

غير بعيد عن ملف الأمازيغية، عاد موضوع الاحتفال بيناير هذه السنة بقوة في مختلف ربوع الوطن مع تنظيم احتفالات رسمية لهذه المناسبة، التي كانت في السابق محصورة في منطقة محددة دون غيرها من مناطق الوطن، فيما برزت هذا العام مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة التي تعتبر من أبرز الموروثات الثقافية للمجتمع الجزائري، وذهب الحال إلى حد إعلان عدة جهات سياسية وثقافية وحتى رسمية على غرار المحافظة السامية للغة الأمازيغية، إلى الدعوة لترسيمها كعيد وطني يحييه الجزائريون كل سنة، اعتزازا بانتمائهم الأمازيغي.

تراجع وزارة التربية عن قرارات لمصلحة التلاميذ والوطن

من أبرز المواقف والقرارات التي تسجل لحكومة سلال، مرونتها في التعامل مع القضايا الهامة وترجيحها لخيار الاستجابة لتطلع فئات حساسة من المجتمع، تلك التي اتخذها قطاع التربية الوطنية الذي تقوده الوزير نورية بن غبريط. هذه الأخيرة التي سعت جاهدة للسير بخطى ثابتة وصلبة في تنفيذ برنامج الجيل الثاني من الإصلاحات، واضطرت إلى إعلاء مبدأ الإصغاء وإعلان ليونتها في تجسيد الإصلاحات برغم من أن هذه الأخيرة تمت صياغتها من قبل لجنة مختصة شملت أطيافا متعددة من الأخصائيين، وعقدت لأجلها جلسات وطنية شملت ممثلين لعدد من شركاء القطاع.

فقد اضطرت وزارة التربية إلى التراجع عن قرار تقليص أيام امتحان البكالوريا من 5 أيام إلى 4 أيام، ردا على رفض التلاميذ وأوليائهم لهذا الإجراء، وحرصا منها على إعلاء مصلحة التلميذ وتجنب اهتزازات جديدة في القطاع، كما اضطرت الوزارة مؤخرا للاستجابة لمطالب تلاميذ الأطوار التعليمية الثلاثة بخصوص الإبقاء على أيام العطلة كما كانت في السابق ورفضهم تقليصها إلى 8 أيام.

هذا التراجع الذي سارعت بعض الأطراف السياسية لمحاولة تسويقه على أنه «هزيمة» وضعفا للجهاز الحكومي أمام احتجاج وغضب «أطفال المدارس» لا يخرج في حقيقته عن حرص قطاع التربية بالالتزام بالانسجام الحكومي، واعتماد حكومة سلال، لأسلوب الحوار والإصغاء كقيمة من قيم إدارة شؤون البلاد وخدمة مصالح المواطنين.

الرئيس يصغي لفئات من العمال ويدخل استثناءات في قانون التقاعد

ولا تختلف أسباب إقرار الحكومة التراجع عن قراراتها التي مست قطاع التربية عن الأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، إلى إدراج استثناء في قانون التقاعد الجديد الذي يعيد اعتماد شرط السن (60 سنة للرجل و55 سنة للمرأة) للإحالة على التقاعد، جاء هذا الاستثناء الذي أعلن وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، عن قراره المتخذ من قبل الرئيس بوتفليقة، خلال الجلسة المخصصة لمناقشة المشروع في لمجلس الشعبي الوطني، استجابة من الرئيس لمطالب فئات عمالية واسعة، احتجت على حرمانها من حقها في التقاعد بعد اقترابها من استكمالها 32 سنة من العمل، ما أدى به إلى تمديد العمل لهؤلاء الذين استوفوا هذا الشرط، ويصل سنّهم إلى 60 سنة في 2017 و2018.

الديمقراطية التشاركية من مبدأ دستوري إلى جهد وطني

من المهام التي توليها الحكومة أولوية قصوى في عملها في إطار ترقية الممارسة الديمقراطية الحقّة وتكريس المعنى الصحيح للممارسة الديمقراطية، ترسيخ مبدأ الديمقراطية التشاركية على أرض الواقع، ومرافقة التنظيمات الاجتماعية والفاعلين الاقتصاديين في المشاركة في تسيير الشؤون العامة على المستوى المحلي، حيث ما فتئ وزير الداخلية الجماعات المحلية يروج لضرورة تكريس هذه الديمقراطية التشاركية في كافة تنقلاته إلى بلديات الجزائر العميقة، بل أكثر من ذلك فقد بادرت وزارته إلى إطلاق برنامج لدعم قدرات الفاعلين في التنمية المحلية، واختارت لتجسيد العملية النموذجية 10 بلديات، بما فيها بلدية الخروب التي يرأسها ممثل عن حزب جبهة القوى الاشتراكية المحسوب على المعارضة السياسية في الجزائر، وتستفيد هذه البلديات من تمويل ومرافقة الدولة وكذا الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، لتنفيذ هذا البرنامج الذي يتوخى ترقية الديمقراطية التشاركية وإرساء معالم الحوكمة الرشيدة على المستوى المحلي. 

كافة المواقف المذكورة والمساعي التي تبذلها حكومة سلال، لترقية مبدأ الحوار الاجتماعي عن طريق تسبيق مبدأ الإصغاء للمواطن وممثليه في رسم أو تغيير سياساتها، ينم عن مسؤولية كاملة تراعيها هذه الحكومة في التعامل مع التطورات والمستجدات التي تطرأ على الساحة الوطنية، وإن كان من البديهي اعتبار التحلّي بروح المسؤولية هذه واجبا مقدسا في سياق الضرورة التي تلح عليها كافة الأطراف الوطنية، وفي مقدمتها القاضي الأول في البلاد لتبنّي الحيطة واليقظة في ظل المؤامرات التي تحاك بالبلاد، واغتنام أعداء الجزائر لأي فرصة سانحة من أجل تأليب الشارع وزعزعة استقرار الوطن، فهو مبدأ حضاري تحرص على تكريسه الحكومة وترسيخه في تعاملات وسلوكات مختلف فئات المجتمع الجزائري، الذي ينبني في أصله على قيم التشاور والتحاور التي لازالت مكرسة في مناطق عديدة من عمق هذا الوطن.