وجه أمس خطابا إلى الأمريكيين وإلى العالم

أوباما أنهى حكمه دون فضائح شخصية لكن لا شيء تغيّر

أوباما أنهى حكمه دون فضائح شخصية لكن لا شيء تغيّر
  • القراءات: 1267
ع / ونوغي     ع / ونوغي

ودّع الرئيس أوباما، أمس، في خطاب وجّهه إلى الأمريكيين، وتناقلته مختلف وسائل الإعلام والفضائيات في أمريكا وفي العالم، وكذا إلى أتباع حزبه من الديمقراطيين وحتى الجمهوريين، وكذا إلى كل الذين عملوا معه ورافقوه طوال عهدتين. 

خطاب وداع ضمّنه كل ما يجب أن يقال عن حكمه، وأراد أن يبلغه مباشرة للأمريكيين قبل 10 أيام من مغادرته رسميا البيت الأبيض. هو خطاب يشبه عرض حصيلة عهدتين من حكم الديمقراطيين بإيجابياتها وسلبياتها. بما تحقق وما لم يتحقق. أوباما استغل «خطاب الوداع» ليعرض حصيلة إنجازاته. لكن أيضا ليترك وصاياه لمن يأتي بعده في شكل إشهاد شعبي علني مسبق تفاديا لما قد ينشره ترامب، وإدارته لاحقا وهو الذي توعد أن ملفات كثيرة سيفتحها والنّبش في تفاصيلها حين يمسك دواليب البيت الأبيض.

أوباما «ثمّن» جهوده وإنجازاته. وشكر أعوانه ومساعديه ومرافقيه في تسيير أكبر دولة في العالم اقتصاديا وسياسة ومالا ونفوذا عسكريا... بل أكبر دولة تدخلا في «شؤون» الدول والشعوب. حتى وإن شملت بعض تلك التدخلات الجوانب الإنسانية والخيرية. وحتى هذه الأخيرة تندرج في استراتيجية شاملة تقوم على برامج بأهداف محددة وتستند إلى توازنات جيوسياسية متداخلة، تصب جميعها في مصالح متعددة للولايات المتحدة الأمريكية وللأمريكيين دون غيرهم. 

أوباما بالتأكيد لم يحقق كل وعوده الانتخابية بما فيها تلك التي وضعها على رأس أولوياته حين يتسلّم مقاليد الحكم. سجن غوانتنامو لم يغلق كما وعد والتزم به في حملته الانتخابية. والجيش الأمريكي (المارينز) لم ينسحب من المستنقع الأفغاني والعراقي... ولم يستطع وضع حد للهجرة أو غلق أبواب التهريب على الحدود مع المكسيك وكولومبيا... ولم يحقق أوباما «شبرا» من التقدم في تسوية ملف الشرق الأوسط والصحراء الغربية. ولم ولم ... بل أكثر من ذلك فإن أوباما وإدارته «زرعوا» ألغاما في طريق القادم الجديد ترامب بـ»توتير» العلاقة مع روسيا واتهامها بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. 

صحيح أن «الفضائح» لم تلحق أوباما شخصيا على غرار السيد كلينتون، ومن قبل بوش وريغن ونيكسون... لكن تحت حكم إدارة أوباما تجسست واشنطن على كل بلدان العالم بما فيها البلدان الحليفة والصديقة كألمانيا وفرنسا وإسرائيل. وتحت حكم أوباما شهد الاقتصاد الأمريكي أسوأ الأزمات. وتراجع النّمو بنسب أحدثت الطوارئ في أكثر من مرة. وتحت إدارة أوباما تم اغتيال السفير الأمريكي في ليبيا. وتم استهداف عديد السفارات والبعثات الأمريكية في عدة بلدان.

في حكم أوباما «استغولت» حركات التطرف والإرهاب التي انتشرت في كل ربوع العالم من القاعدة وبوكو حرام وشباب الصومال وداعش... 

في بداية حملته الانتخابية الأولى (العهدة الأولى) دعا أوباما إلى  «مصالحة شاملة» بين الأمريكيين. مصالحة فوق الأحزاب والألوان. حيث قال: «لن أفرّق بين الديمقراطيين والجمهوريين في التعامل وإدارة شؤون البلاد. وكذلك الأمر بين أبيض وأسود. هم سواسية في نظري وفي نظر القانون... مضيفا: نحن جميعا أمريكيون مطالبون بالدفاع عن وطننا وهويتنا وقوتنا ووجودنا أمام صعود قوى اقتصادية جديدة لم تكن شيئا من قبل. قوى اقتصادية تطورت بشكل قد يقلب موازين القوى في العالم...». وفهم من كلام أوباما يومئذ أنه كان يلمّح إلى دول الصين والهند وروسيا والبرازيل وكوريا...

إذن سيخرج أوباما من البيت الأبيض بعد أن استنفذ عهدتين تاركا الولايات المتحدة أكثر تشتتا و»قلقا» والدول التي حذّر من «تغوّلها الاقتصادي» في بداية حكمه باتت تحتل اليوم المراتب المتقدمة في النمو الاقتصادي العالمي. حيث تحتل الصين على سبيل المثال مرتبة القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد أن أزاحت ألمانيا من هذه الرتبة. وقد تصبح كوريا الجنوبية القوة الاقتصادية الثالثة مزيحة بذلك اليابان. وتواصل روسيا والهند والبرازيل وماليزيا وجنوب إفريقيا زحفها نحو المقدمة. من باب التدليل عرضت الصين على الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات مالية وقروضا لمجابهة العجز في الميزانية العام الماضي. 

فتح صفحة جديدة مع كوبا قد يكون المكسب الدبلوماسي الوحيد أو على الأقل الأبرز الذي حققه أوباما طوال حكمه، إذا لم يعرف إنقلابا في الموقف من طرف خليفته الذي رفض كما هو معلوم حتى تقديم العزاء إلى الحكومة والشعب الكوبي في وفاة زعيمه فيدال كاسترو. 

على صعيد الاقتصاد وملفات الأزمات الدولية لا شيء تغير. ويتوقع المحللون السياسيون أن حلحلة كثير من الملفات وتسوية عديد الأزمات بما فيها الفلسطينية والليبية والسورية ستتم في عهد ترامب، لكن ليس بما ينتظره البعض أو تأمله شعوبها أو حتى وفق قرارات الأمم المتحدة. هذا يعني ببساطة أن كثيرا من الملفات ستعرف تعقيدات جديدة قد تدفع إلى مرحلة جديدة من التوترات والحروب والتجاذبات.