لحفظ ذاكرة الأجيال

تحويل منزل المجاهدة فاطمة تازي إلى متحف

تحويل منزل المجاهدة فاطمة تازي إلى متحف
  • القراءات: 2100
رضوان.ق رضوان.ق

تعد المجاهدة تازي فاطمة، زوجة برادة، من أبرز المناضلات في الولاية الخامسة الثورية التاريخية وبالضبط بمنطقة وهران، غير أن التاريخ لم ينصفها بالرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمتها خلال الثورة وبعدها.

ولدت المجاهدة فاطمة تازي يوم 23 نوفمبر 1915 بوهران في جو عائلي متشبع بالروح الوطنية، واختارت الكفاح من أجل جزائر حرة ومستقلة بالمال والنفس. في سنة 1956 بعد وفاة والدها، التحقت بصفوف الثورة إلى جانب عدد من نشطاء ومناضلي جيش التحرير الوطني، حيث وضعت تحت تصرف جيش التحرير الوطني بالولاية الخامسة كل الثروة التي ورثتها عن والدها لخدمة القضية الوطنية،  بما في ذلك مسكنها الذي كان موجودا وقتها بوسط مدينة وهران،  والذي كان بمثابة مخزن هام للثوار. وفي عام 1957، قام الاستعمار الفرنسي بمحاولة اغتيال المجاهدة داخل منزلها بزرع قنبلة انفجرت، غير أن المجاهدة الفذة تمكنت من النجاة والفرار، فيما خلف التفجير تدمير المنزل بالكامل ومعه دمرت بعض آلات الإرسال ومطويات، لتصبح المجاهدة محل متابعة ومطلوبة من طرف سلطات الاستعمار الفرنسي، وللنجاة من هذه الملاحقة، اختبأت في حي من أحياء مدينة وهران.

في سنة 1958، اختار أعضاء جيش التحرير الوطني تحت قيادة القائد عبد الحفيظ بوصوف، وبأمر من العقيد عثمان، منزلها الذي يقع في 34 نهج معسكر في قلب المدينة الجديدة بوهران كمقر مركزي يستخدمه جيش التحرير الوطني، وفي هذا المقر المركزي تم تنصيب أجهزة الاتصالات لضمان التنسيق بين مختلف الجهات والمراكز القتالية وتوجيه العمليات المسلحة في الجبال. وقد كان المنزل مخبأ للأسلحة والذخائر الحربية لنضال جيش التحرير الوطني، بالتنسيق والتعاون مع القائد أحمد المستغانمي الملقب بـ«السي رشيد»، وهو القائد المكلف بالحدود سنة 1959، حسبما جاء على لسان ابنتها.

عرف المنزل من سنة 1958 إلى 1962 عدة لقاءات بين أعضاء جيش التحرير الوطني، لتزويد جيش التحرير الوطني بالأسلحة والملابس العسكرية ومختلف الوسائل، وكانت السيدة فاطمة تازي تهتم بإيوائهم وتوفير كل احتياجاتهم. كما خاضت المجاهدة تازي معركة قوية بمشاركتها في تحرير عدد من المجاهدين المحكوم عليهم بالإعدام، والذين كانوا يناضلون من أجل انتصار القضية الوطنية، مما جعلها في قائمة المطلوبين من قبل الجيش الفرنسي وبقيت محل بحث إلى غاية الاستقلال الوطني.

وفي عام 1962، واصلت فاطمة تازي نضالها وكفاحها، حيث ساهمت في إعادة إدماج أعضاء جيش التحرير الوطني خلال فترة ما بعد الحرب، وبعد انتهاء مهمتها ودورها فضلت المجاهدة تازي أن تنسحب كليا من المشهد لتهتم أكثر بأسرتها وتربية أبنائها. وفي الفاتح من شهر يناير 1985 سلم الرئيس الشاذلي بن جديد للسيدة فاطمة تازي «وسام المقاوم» خلال حرب التحرير الوطنية، لتوافيها المنية يوم 14 يناير 2007 بوهران، تاركة وراءها إرثا نضاليا لم يبحث فيه بعد.

إعادة الاعتبار للمجاهدة فاطمة بتحويل منزلها إلى متحف

كشفت ابنة المجاهدة السيدة ستي برادة، التي تشغل حاليا رئيسة مصلحة أمراض الأذن والأنف والحنجرة بالمستشفى الجامعي لوهران، بأنها لا تزال تتذكر الشقة الموجودة بنهج معسكر بالحي الشعبي المدينة الجديدة وكل تفاصيل الغرف، خاصة مكان الشقة التي كانت تحوي أجهزة الإرسال التي كانت موضوعة فوق الطاولات، حيث كانت الغرفة ممنوع عنها دخولها، وكان الاتصال يتم على امتداد المناطق وإلى غاية مركز منطقة أبركان بالمغرب وكانت تحت إشراف العقيد عثمان والعقيد رشيد. إلى جانب غرفة أخرى كانت توضع فيها الأسلحة واللباس العسكري، وهي البزات العسكرية التي ارتداها المجاهدون خلال الاحتفال بيوم الاستقلال، حيث خرجت من المنزل أول دفعة للجنود، تضيف السيدة ستي برادة.

كما كشفت السيدة برادة عن أن شقيقتها المرحومة جميلة التي كانت فنانة رسم، كانت تساهم في إنجاز خرائط خاصة لصالح المجاهدين وجهاز الاستخبارات الثوري بقيادة القائد عبد الحفيظ بوصوف. كما كان البيت مركز لجوء العديد من المجاهدين المحكوم عليهم بالإعدام، وكانت تعمل على إخراج السجناء عن طريق شراء ذمم بعض الفرنسيين، كل ذلك بهيبة ما ورثته عن عائلتها في سبيل القضية الوطنية.

تتذكر السيدة برادة محاولة القتل التي تعرضت لها والدتها في منزل بوسط المدينة، حيث كان هناك مخزن للأسلحة دمر في التفجير ولا تزال تتذكر عددا من المجاهدين الذين كانوا يقصدون المنزل، على غرار العقيد «جمعي» الذي كان بمثابة ابن المجاهدة والمجاهد «فرحات» والمجاهد عبو الباقي والمجاهدة ولد قادة ستي والمجاهدة يمينة زعلان والمجاهد بن علة.

تتمنى ابنة المجاهدة فاطمة إنجاز معلم تاريخي بالمنطقة لوالدتها لأنها جزء من تاريخ الكفاح في الجزائر، مضيفة بأنها تسعى بإمكانياتها الشخصية إلى شراء المنزل وتحويله إلى متحف يحفظ الذاكرة للأجيال. معربة في الإطار عن استحسانها لإطلاق اسم المجاهدة تازي فاطمة على مستشفى الطفولة والأمومة بحي «اللوز»، هذا الاختيار ـ تقول البروفيسور برادة ـ اختارت نفس المستشفى لأنه مكان لإجراء أول عملية زرع للقوقعة لدى الأطفال حديثي الولادة في الجزائر، ليكون بذلك رمزا لمواصلة الكفاح في البناء الوطني.