أهرامات لجدار بتيارت

شيّدها ملوك الأمازيغ وتلاشت مع الزمن

شيّدها ملوك الأمازيغ وتلاشت مع الزمن
  • القراءات: 7694
 ربورتاج: نور الدين خيالي ربورتاج: نور الدين خيالي

غير بعيد عن دائرة مدغوسة أو لوهو أو عرش خلافة كما يفضل أهل المنطقة تسميتها، 25 كلم غربي ولاية تيارت، وعلى امتداد جزء من الطريق الوطني رقم 14، تظهر أهرامات لجدار التي تشبه كثيرا أهرامات الجيزة بمصر التي تعود إلى الفترة الممتدة بين 310م إلى 460م، وهي عبارة عن أضرحة لملوك أمازيغ عاشوا في تلك الفترة. سميت بلجدار وهي جمع جدار، حسب البعض، كون الأهرامات محاطة بجدار صخري يحميها من العوامل والتأثيرات الطبيعية. كما سماها بعض المصريين القدماء بجدر بمعنى بناء كبير محاط بجدار.

سي أحمد الوحيد وقصة المدافن الجنائزية..

زيارتنا إلى المنطقة للقيام بالريبورتاج والبحث عن معلومات، توجب علينا البحث عن سي أحمد الذي عمل سنوات كحارس للآثار وخرج منذ شهور على التقاعد، لكنه بقي في المنطقة واغتنم الفرصة لتربية قطيع من الماشية والبقاء بالمنطقة التي تربطه بها قصة تجاوزت الثلاثين سنة. رحب بنا بمجرد إفصاحنا عن هويتنا والغرض من تواجدنا هناك، بحيث ومنذ بداية حديثه معنا، أكد لنا أن الباحثة قادري فاطمة المعروفة بـ «كادره»، عملت منذ ثلاث سنوات من 1968 إلى 1971 في البحث في الموقع الأثري قبل أن يصدر لها كتاب عن أثار لجدار، وكانت الأولى والوحيدة بعد الفرنسيين التي بحثت بالمنطقة لفترة طويلة، وكان سي أحمد مرافقنا الذي تحول إلى مرشد فوق العادة. متحمسا للإدلاء بكل ما يملك من معلومات حول لجدر إلى غاية واحدة، وإيصال كل ما يملك إلى المواطنين. وحول هذه الآثار التي لم تأخذ الحيز المطلوب لترقيتها والتعريف بها محليا ودوليا على اعتبارها أهرامات تضاهي أهرامات الجيزة بمصر، حسب سي أحمد، لكن قلة وانعدام الاهتمام بها والترويج لها جعلها ربوة منسية لا يعلم بها إلا القليل.

لجدار.. انحناء للملوك وعبادة للشمس

   بدأ سي أحمد في إعطائنا لمحة تاريخية عن القبور الجنائزية، وشرح الرسوم المنقوشة على الحجارة المشيدة بها لجدار، والصور المحاطة بالموقع التي تأثرت كثيرا بالعوامل الطبيعية ’إذ لم يبق منها سوى بعض الحجارة الدالة على ذلك. فيما اقتصرت مرافقة سي أحمد لنا على جولة خارج الموقع. في اعتقاده أن وقتا بعد صلاة العصر غير مناسب للولوج داخل القبور الجنائزية، ومع الظلام اعتمدنا أنا ومجموعة الزوار على مصابيح هواتفنا النقالة قبل أن نتسلق المعلم التاريخي بين الصخور، لنصل إلى الباب الرئيسي المتجه إلى الشرق نحو الشمس المعبودة من قبل البربر الذين استقروا بالمنطقة، إذ يضطر الداخل للقبور إلى الانحناء المقصود للملوك الذي فرضه مشيد السلم، ليصل إلى رواق يؤدي إلى طريقين يمينا وشمالا ويصل كل منهما إلى رواق يضم 4 غرف متشابهة، يعلوها سقف من الصخور المسطحة وسط درجة حرارة ثابتة تقدر بـ15 درجة مئوية طيلة فصول السنة، وذلك راجع إلى الهندسة الفريدة من نوعها. مما يؤكد أن الذين بنوا هذه الأهرامات بدقة عالية اعتمدوا على الهندسة والفيزياء واستعمال مواد عازلة للحرارة آنذاك، منها الكلس المتواجد بكثرة في المنطقة. ولعل أعقد بناء ذلك المتواجد بلجدار-ف- الواقع بجبل عروي مقابل الجبل الأخضر المعروف عند سكان المنطقة باسم «الكسكاس».

تاريخ عريق غاص فيه القليل من الباحثين

بغرض الإلمام بكل المعلومات، توجهنا إلى الشاب محوز رشيد وهو من المتخصصين في علم الآثار بالديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية والمحمية بفرع تيارت، يوجد مقره بمركز الدراسات الخلدونية في تيارت، أين يشتغل مع مجموعة من الشباب خريجي الجامعات المهتمين بالآثار، حيث عمل وبحث كثيرا عن موقع لجدار ـ ف ـ الواقع بجبل عروي الذي يصعب الوصول إليه، إذ تعاقبت عليه زيارات السياح والوفود الرسمية وغير الرسمية، وآخرها زيارة وزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي للموقع الأول والقديم من حيث تاريخ تشييده، ويقول السيد محوز بأن الأضرحة الثلاثة عشر تنقسم إلى مجموعتين، ثلاثة منها بنيت في جبل لخضر في الحدود الجغرافية لبلدية مدغوسة، أما العشرة الباقية فقد انتشرت على قمم جبل العروي بالحدود الجغرافية لمدينة فرندة، بحيث شيدت بتصميم هرمي، وقاعدة مربعة بارتفاع مترين، وسقف هرمي مدرج. وتحتوي على أروقة طويلة تحيط بها غرف للدفن،  والكثير من النقوش والزخارف التي تنوعت بين الحيوانية والنباتية والهندسية، ولم يبق من هذه المعالم سوى 4 مازالت قائمة بذاتها، منها 3 في جبل لخضر. ويمكن الولوج إلى اثنين منها فقط في الوقت الحالي، حيث اكتشفها الفرنسيون عن طريق هانري برنارد والجنرال لاموسيار سنة 1842. كما درسها كل من أزيم وبورديار وتكمن أهمية الموقع الأثري، حسب السيد محوز، في كون هذه الأضرحة النموذج الوحيد الذي يروي لنا الثقافة والطقوس العقائدية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، كذلك الشأن بالنسبة للمناخ والكائنات التي كانت تعيش هناك اعتمادا على النقوش والزخارف المتنوعة، كما أن الدراسات السابقة كان معظمها تاريخيا وأثريا يعتمد على الوصف وتحليل النقوش الموجودة.

 الكسكاس يحوي 20 غرفة جنائزية

 أكد الباحث السيد محوز أنه لم يتبق إلا معلم أثري واحد لا يزال قائما، يعرف محليا بالكسكاس، نسبة لشكله الذي يشبه آنية تحضير طبق الكسكسي. يتميز الموقع بأرض وعرة خالية وجرداء، بحيث تم تشيده بالكلس، وهو ما يبرر بناء المعالم بالحجارة، أما المعالم التسعة الأخرى فتتوزع حول معلم الكسكاس؛ 4 منها في جنوبه و3 في غربه و1 في شرقه وأخرى في شماله، مهدمة كليا تظهر على شكل ركام. كما تلاحظ بقايا أثرية يعتقد أنها تجمعات سكنية في أسفل الجبل ’لأنه لا يعقل وجود مقابر للدفن دون تواجد سكان».

 العلامة ابن خلدون أعطى توضيحات حول الموقع

الحديث عن تاريخ المنطقة اعتمد كثيرا على نص ابن رقيق الذي يعتبر المصدر الوحيد، وهو النص الذي اعتمد عليه العلامة ابن خلدون خلال فترة إقامته بربوع تيهرت، حيث شرحه بصيغتين مختلفتين متناقضتين؛ الصيغة الأولى توحي بأن سليمان السردغوس هو من ترجم الكتابة التي وجدها المنصور في الحجر. بينما توحي الصيغة الثانية بأن سليمان السردغوس هو من بنى الأضرحة، استنادا إلى قول ابن خلدون الذي نقله عن ابن رقيق.

الباحثة «كادرة» استعملت الكربون المشع لتحديد تاريخ بناء لجدار

الباحثة السيدة قدارية فاطمة «كادرة» افترضت أن الجدار الثاني لجبل لخضر يعود إلى الملك ماسينا، في حين يعود جدار الكسكاس إلى الملك «ماستي قاس» و«ماستي ناس»، واعتمدت في ذلك  على تحليل عينتين من الخشب بواسطة الكربون المشع المستخرج من الجدارين الثاني والثالث، بحيث أدى الأمر إلى الاعتقاد بأن أضرحة جبل العروي بنيت في فترة متأخرة عن أضرحة الجبل العروي، والتالي بنيت أضرحة الجبل العروي في نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع، أي قبل الفتوحات الإسلامية.

  ميهوبي وعد بتصنيفها عالميا

 شهدت منطقة لجدار منذ عشرات السنين، تعاقب زيارات العديد من الوزراء والسفراء والشخصيات والباحثين، إلا أن الزيارة الأخيرة لوزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي خلال احتفالات المهرجان الوطني للفرس، أعطت انطباعا بالاهتمام الكبير الذي يوليه للجدار، حيث صرح أنه سيسعى جاهدا إلى تصنيف لجدار عالميا عن طريق «اليونسكو». علما أن ملف طلب التصنيف وضع على مستوى وزارة الثقافة سنة 2002، حسبما علمناه من المهتمين بالآثار. كما أن السلطات الجزائرية صنفته بعد الاستقلال بتاريخ 23 جانفي 1968.

الإهمال واهتراء الطرق سيمة بارزة لمنطقة لجدار

 رغم الأهمية الكبيرة التي يكتسيها موقع لجدار، من خلال الاهتمام الكبير الذي توليه السلطات ومجموعة كبيرة من الأساتذة والباحثين للموقع، إلا أن محيط الموقع يعاني كثيرا من غياب التهيئة واهتراء الطريق والمسالك، مما يعتمد على سيارات رباعية الدفع أو الدواب للوصول إليه، الشيء الذي يتطلب التفاتة من قبل السلطات بتيارت لتخصيص حيز كبير للموقع وتهيئته حتى يمكّن مئات الوافدين من الوصول إليه بسهولة، مع توفير أدنى الضروريات.