أثر الرسوم المتحركة على قيم الأطفال

الدكتور سعيد بهون يعرض الجيد والمريع فيها

الدكتور سعيد بهون يعرض الجيد والمريع فيها
  • القراءات: 1690
أحلام محي الدين أحلام محي الدين

نشط الدكتور سعيد بن يحي بهون، باحث في أدب وثقافة الأطفال بجامعة بومرداس، محاضرة قيمة احتضنها المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة مؤخرا، تطرق من خلالها إلى أثر الرسوم المتحركة على قيم الأطفال، مشيرا إلى القوة الجبارة التي تلعبها وسائل الإعلام وتأثيرها على الأجيال. مضيفا أن 90 بالمائة من شخصية الطفل تتشكل خلال المرحلة الأقل من ست سنوات، وهي المدة التي يجلس فيها الطفل مطولا أمام التلفزيون ليتشبع بقيم الغير، خاصة أن أغلب الرسوم قادمة من الغرب. ونصح بعدم السماح للطفل بالجلوس أمام التلفزيون لأكثر من 20 دقيقة، وأن يعطى حقه من الاهتمام واللعب والاستماع من قبل الوالدين مهما كانت ظروفهما، فهو حقه المشروع.

الدكتور بهون أكد أن الإعلام بمختلف وسائطه من أهم المؤسسات المساهمة في تشكيل شخصيات الأطفال، من حيث المعايير والقيم والاتجاهات، إلى جانب كل من الأسرة، المدرسة والبيئة. ووصف التلفزيون بالمارد ذي القوة الخرافية بتأثيره الكبير والواضح على الفرد والمجتمع. مشيرا إلى أن مشاهدة الطفل للتلفزيون لها ثلاثة أسباب تتمثل في التسلية، الهروب من الواقع وتقوية العلاقات الاجتماعية.

يحرص الطفل على مشاهدة الرسوم المتحركة التي تعتمد على مبدأ التسجيل صورة بصورة، وهو فن تحليل الحركة اعتمادا على نظرية بقاء الرؤية على شبكية العين لمدة 10/01 أجزاء، ومن مزاياها أنها تقدم المفاهيم الدينية بصورة مبسطة محببة إلى قلب الطفل وتنمي قيما إيجابية فيه منها: احترام العلم والعلماء، الإيمان بالله واحترام الرسل، الإحساس بالولاء للوطن والاعتزاز بتاريخه، التضحية من أجل الوطن، طاعة الوالدين، الصدق، احترام الصغير للكبير، الصبر وقوة التحمل، احترام العمل، أهمية الوقت وحب السلام. 

كما تقدم من الناحية التعليمية، معارف متقدمة في مرحلة مبكرة، فتعلم الطفل الحروف الأبجدية والأرقام وكيفية استخدامها، يساعد أيضا على تعلم اللغة، وتزوده بمعلومات ثقافية منتقاة بأسلوب سهل جذاب «بيئات جغرافية معينة، قضايا علمية معقدة كعمل جسم الإنسان.. ترسخ القيم الوطنية؛ من خلال تقديم أفلام تاريخية بصورة محببة، فيبرز البطل الوطني كيف يعيش من أجل بلده ومن أجل الحرّية والنمو والتطور، تعلم الأخلاق والقيم، وتوازن قوى الخير والشر، كما تنمي في الصغار الشعور بالأمان وتلبي بعض احتياجاته النفسية، وتشبع له غرائز عديدة مثل: حب الاستطلاع، المنافسة والمسابقة من أجل النجاح والفوز، التسلية والترفيه، تنمية الرصيد اللغوي، تقويم اللسان، تصحيح النطق، تنمية الخيال وتغذيته وإثرائه، فتجعله يتسلق الجبال ويصعد نحو الفضاء ويقتحم الأحراش ويسامر الوحوش، وتعلمه بأساليب مبتكرة متعددة في التفكير والسلوك. 

سلبيات وأنماط سلوكية في الرسوم المتحركة

 أشار الدكتور سعيد بهون إلى مجموعة السلبيات الموجودة في الرسوم المتحركة، على غرار بث القيم السلبية ومنها التلقي بدل المشاركة، الاتكالية، الغيرة، الغرور، الأنانية، الكذب، الخيانة والخداع، إلى جانب غرس أنماط سلوكية تتمثل في تدمير الأدوات، عدم اللامبالاة، السرقة، عدم الاحترام والتقدير وإعاقة النمو المعرفي الطبيعي. فالمعرفة الطبيعية تقتضي تحرك طالب المعرفة مستخدما حواسه كلها، بينما الرسوم تكتفي من حواس الطفل بالسمع والرؤية، ولا تعمل على شحذ هذه الحواس وترقيتها، فلا تعلمه كيف ينتقل من السماع المباشر إلى السماع الفعال، من الكلمات والعبارات إلى الإيماءات والحركات، ثم إلى الأحاسيس والخلجات.

أضرارها المختلفة 

بسبب الجلوس لفترات طويلة واستدامة النظر للشاشة، يحدث ضررا على مستوى جهاز الدوران والعينين، تناقص التواصل الأسري، تقديم تصورات مناقضة للدين حول مفهوم الألوهية والغيب والقوى الخارقة، إشباع عقل الطفل بقيم الثقافة الغربية الظاهرة والخفية، تنمية الدافعية نحو العنف والجريمة، من خلال الاستثمار في عنصر الإثارة والتشويق، وأكدت دراسات عديدة على وجود ارتباط وثيق بين العنف التلفزيوني والسلوك العدواني، تبلد الإحساس بمعاناة الآخرين، رؤية الطفل لمشاهد العنف بكثرة مع الإيقاع السريع للأحداث، مما لا يتيح له التوقف والتأمل في نتائج الأحداث وعواقبها، ومنه ميلاد أطفال مشاغبين ذوي طلبات لا تنتهي، يرفضون الدراسة.

وأضاف الدكتور قائلا بأن أغلب الرسوم ظاهرها المرح والمتعة والحركة الزائدة، باطنها مهووس بالجنس ورموز الشرك والإلحاد، حركات إيحائية، أشياء خارقة، السحر والشعوذة (فالطفل نتيجة ذلك يرفض أن ينمو نموا عاديا، يريد أن يتقدم قبل وقته، فطفل 5 سنوات مثلا يعرف عن الجنس ما قد لا يعرفه شخص في 18 سنة، كما تؤثر مسلسلات وأفلام الكرتون والرسوم المتحركة وّغيرها تأثيرا بالغا في وجدان الطفل إلى الحد الذي يحقق معها حالة تماثل قصوى، لأن الصورة المتحركة المصحوبة بالصوت في المراحل المبكرة للطفل تتجاوب مع الوعي الحسي والحركي لديه، وتحدث استجابات معينة في إدراكه، تساهم فيما بعد في تشكيل وعيه وتصوره للأشياء من حوله، لأنه يختزنها وتصبح رصيده الثقافي والوجداني والشعوري.

كما نبه المختص إلى أن أفلام الكرتون تعتبر إحدى أدوات بناء الوعي لدى الطفل، فهي لم تعد فقط مجالا للتسلية بل أصبحت من أهم روافد بناء القيم، إلا أنها ترسيخ لقيم الآخر، وأعطى مثالا حيال ذلك عن الرسوم المتحركة الأكثر شهرة مثل رسوم «والت ديزني» التي تقدم للطفل في دول العالم النامي، قيم المجتمعات الغربية التي تركز على التفوق والإنجاز الفردي على حساب قيمة الجماعة. كما أنها تقدم مجتمعات مثالية تقوم على منطق الاستهلاك، فالبطل دائما فردي فيها وهو طفل «سوبرمان» من نوع معين مخلّص دائما من الشر، وعليه يجري الاعتماد باستمرار لحل المشكلة  التي قد تؤدي إلى كارثة، من نماذج هذه الرسوم «توم وجيري» و«وودي وود بيكر» وسواهما، يقدم قيمة «انتصار الشر» بفضل الذكاء وخفة الدم والقدرة على سبك مقالب طريفة.

هكذا تتحول الرسوم المتحركة إلى خطر 

أكد الدكتور بوهون خلال محاضرته، أن الرسوم المتحركة  تصبح خطرا حقيقيا حينما تخرج عن سياقها الحضاري الذي نشأت فيه، لتتحول إلى سموم قاتلة، ومكمن الخطر أن المرسل والرسالة يحافظان على جوهرهما، ويتغير المرسل إليه وهو الطفل، ليكون ابن حضارة مغايرة يتلقى رسالة غريبة من مرسل غريب عنه، ويحاول هضمها في إطار خصوصيته وهويته، فتصبح الرسالة في هذه الحالة مثل الدواء الذي صنع لداء معين، فيتم تناوله لدفع داء آخر وتكون النتيجة داء جديد.

التواصل مع الأبناء علاج فعال 

اقترح المختص مجموعة من الحلول التي يمكن الاعتماد عليها من قبل الآباء لحماية الطفل من الأخطار سالفة الذكر، من خلال قضاء ما أمكن من الأوقات مع الأبناء بمعدل نصف ساعة يوميا على الأقل، ومنه إدماج لغة الحوار، الملاعبة، المرافقة للتسوق، مع توفير بدائل بناءة كالكتابة، التلوين، الرسم، اللعب بالطين، قصص، ألعاب تربوية، أندية تحتضن الأطفال، انتقاء ما يشاهدون من الرسوم، مع المراقبة والتوجيه، وضبط الأوقات وتنظيمها. وأشار المختص إلى أهمية إنشاء مراكز تسلية علمية للطفولة عبر الأحياء، تحفيز الكفاءات والمؤسسات على إنتاج برامج إعلامية موجهة للأطفال واستحداث وزارة الثقافة هيئة رقابة وضبط واستشارة لما يوجه للطفل الجزائري من مواد إعلامية، مع التفكير جديا في إنشاء قناة جزائرية خاصة للأطفال. وحول سؤال «المساء» حيال وجود عقول جزائرية تخدم الطفل في هذا الجانب، صرح الدكتور بوهون قائلا: «نعم لدينا عقول لكننا نحتاج إلى التخطيط والاستثمار في هذا الجانب». 

أمهات يجهلن ما يشاهد أبناؤهن من رسومات متحركة

تفضل الكثير من الأمهات قضاء أبنائهن الصغار معظم أوقاتهم أمام شاشة التلفزيون لمتابعة مختلف الأفلام الكارتونية المعروضة، التي تجود بها القنوات بشخصيات مختلفة أصبحت محبوبة للذكور والإناث، فعند مشاهدتها يمتنع الطفل عن تناول طعامه، لأنه بكل بساطة مشغول بمتابعتها. «المساء» تحدثت إلى بعض الأمهات حول مدى إدراكهن لما يشاهد صغارهن الذين يجلسون لساعات طويلة أمام التلفزيون، في الوقت الذي يهتمن بإتمام أشغالهن  المنزلية.

اختلفت نظرة الأمهات إلى تأثير الرسوم المتحركة وما تحمله من قيم مختلفة عن مجتمعنا، وهي القيم التي تحفظ في لاشعور الصغير وتلتصق بوجدانه لتصبح في وقت لاحق  جزءا لا يتجزأ من شخصيته، حسبما يشير إليه المختصون ويؤكده الدكتور سعيد بوهون.

أشارت السيدة حنان إلى أنها باتت تتابع كل كبيرة وصغيرة تقع عينا ابنتها ذات الـ12 ربيعا عليه، بعدما تابعت أفلاما كارتونية تروي قصص «الكريسمس» وأعياد الميلاد، مضيفة أن العديد من الشخصيات الكارتونية صادمة، فـ«سبونج بوب» مخنث، و«ساندي» مسترجلة، لهذا تقول السيدة؛ «عملت جاهدة في سبيل حماية ابتني من مجموع القيم التي لا صلة لها بعاداتنا وتقاليدنا».

من جهتها السيدة ياسمين (25سنة)، أم لطفلة ذات ثلاث سنوات، تقول بأنها تحب رؤية ابنتها سعيدة ومبتهجة، لهذا فهي تؤمن لها يوميا مشاهدة بعض الرسومات المتحركة التي تتفاعل معها، فمنها ما ترقص مع شارة بدايتها وأخرى تجعلها صامتة طوال مدة العرض. وأضافت أنها خلال المدة الأخيرة، لاحظت أن صغيرتها تكلمها بلغة مختلفة لا يفهمها أحد، وبعد البحث والتدقيق عرفت أنها لغة الفيلم الكارتوني الألماني الذي تشاهده. 

أشارت السيدة أمل، أم لطفلين، إلى أنها أنقذت ابنها صاحب الخمس سنوات، من تسمم أو موت أكيد عندما وجدته بصدد وضع عنكبوت في فمه، حيث أراد أن يصبح خارق القوة مثل بطله المفضل «سبيردرمان» الرجل العنكبوت الذي تحول إلى ما هو عليه بلدغة نوع من العنكبوت، حيث منعته من فعل ذلك وشرحت له أن الأمر غير حقيقي، فرد عليها ببراءة؛ لكن «سبيدرمان فعلها».      

وإذا كانت مشاهدة التلفزيون تساعد الأم على تقسيم وقتها بين أشغال البيت دون الحاجة إلى حمل الصغير في كل الأوقات، إلا أن هناك أمهات يحرصن على أن تكون أوقات الجلوس مفيدة ويمكن من خلالها أن يتعلم الصغير أمورا جديدة، لذا فمنهن من يلجأن للرسوم المتحركة عربية الأصل التي تحكي عن البيئة العربية والإسلامية، كقصص الأنبياء وحياة العلماء ووصايا الرسول الكريم، تقول السيدة حورية: «لقد حاولت أن أنفع ابني خلال فترة جلوسه أمام التلفاز، حيث قمت بتحميل أفلام كارتونية هادفة من الأنترنت أعرضها عليه، وقد تمكن من حفظ القرآن من خلال بعضها،  لهذا أوصي الأمهات بمتابعة ما يشاهده أبناؤهن، ثم يحكمن إذا يمكنهن السماح لهم بالمتابعة أو الابتعاد كليا عن ذلك الفيلم الكارتوني أو تلك القناة ككل».  

تأثير الرسوم المتحركة  ...اكتساب قيم إيجابية وسلبية خلال ثوان

عرض الدكتور بوهون دراسة علمية، أشار فيها إلى أنه من بين كل عشرة آلاف طفل هناك خمس حالات لأطفال يتقمصون فيها الشخصيات الكرتونية التي يشاهدونها، ولنا في حالتين عرفتهما الجزائر، مثال الطفل الذي رمى بنفسه من عمارة متقمصا شخصية «باتمان»، والآخر الذي شنق نفسه لاعتقاده أن لغزه سيفكه المحقق «كونان».

كما أشار المحاضر إلى مجموع القيم السلبية والإيجابية التي يتشبع بها الطفل من بعض أفلام الكارتون، فالسلبية منها تمثلت في رسوم «توم وجيري»، حيث انجرت نسبة  47.62 في المائة لقيم الخداع والحيل في 7 دقائق و20 ثا، و19.05 في المائة موزعة بين الإزعاج والضجيج والسخرية في 5 دقائق و13 ثا، و09.52 في المائة لوفاء في دقيقة و02 ثا و04.76 في المائة للمعاكسات في ثانيتين. 

الدراسة العلمية نفسها حول رسوم «دراغوبول» أثبتت أن  56.52 في المائة استجابوا للسخرية والاستهزاء في 05 دقائق و15 ثانية، و17.39 في المائة للحقد والكراهية في 03 دقائق و12 ثانية، و13.04 في المائة للصداقة في دقيقتين و12 ثانية، و04.35 في المائة تساوت فيها قيم عدم الاحترام والخداع والخيانة في 0 دقيقة و20 ثا.