ملتقى «المخطوط الديني العلمي والتراث الشفوي الأمازيغي» ببومرداس

دعوة لإظهار علماء الزواوة افتخارا بالانتماء الوطني

دعوة لإظهار علماء الزواوة افتخارا بالانتماء الوطني
  • القراءات: 1769
حنان. س حنان. س

طالب باحثون في مجال الحفاظ على المخطوطات الدينية والعلمية وتقييمها وتثمينها من قطاعي الثقافة والشؤون الدينية والأوقاف، بالاهتمام بنوابغ العلم الجزائريين، العلاّمات والمشايخ الذين أبدعوا قبل أكثر من خمسة قرون خلت، في دراسة الفلك والشريعة والطب وغيرها من العلوم، وبقيت أسماؤهم حبيسة خزانات خلَفهم، برع الباحثون مؤخّرا في استرجاع بعضها وترميمها وتثمينها، وذلك بتنظيم تظاهرات متواصلة عبر الوطن للتعريف بالبعد الروحي في التراث الوطني الأمازيغي وإظهاره للأجيال قصد التداول والتدارس.

 يعمل ثلة من الأساتذة الباحثين على إحياء المخطوط الديني والعلمي الوطني الأمازيغي والتراث الشفوي لمنطقة القبائل، ليس لإبراز مدى ارتباط المنطقة بالهوية الوطنية والثقافة الدينية فحسب، وإنّما للتأكيد على أنّ للجزائر نوابغ في شتى مجالات العلوم، ودليله كنوز من المخطوطات تعود إلى خمسة قرون خلت، يبيّن فيه العلماء والمشايخ دراساتهم الدقيقة في علم الفلك والطب والتأليف في العلوم الشرعية وغيرها، ولكن الكثير من الأسماء اللامعة في تلك العلوم تبقى إلى اليوم رهينة النسيان.

في السياق، يقول الأستاذ فريد عتيق رئيس الثقافة الإسلامية وإحياء التراث بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف بولاية بجاية لـ «المساء»، على هامش الملتقى الوطني «البعد الروحي في التراث الوطني الأمازيغي» الذي انعقد أوّل أمس ببومرداس، يقول بأنّه أجرى أبحاثا كثيرة حول مخطوطات علماء زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي وبعض من لازمهم من العلماء والمشايخ والطلبة في منطقة القبائل. وتوصّل إلى إماطة اللثام عن الكثير من تلك المخطوطات التي بقيت لأجيال متعاقبة حبيسة خزانات لدى ورثة العلماء.

الأستاذ عتيق أوضح أنّ دراساته تأتي ضمن مشروع لجمع مخطوطات علماء درسوا بزاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي انطلاقا من المؤسّس إلى آخر المشايخ، ومنهم الشيخ أرزقي الشرفاوي والشيخ المولود الحافظي الذي اختص في العلوم الشرعية، لكنه نبغ في علم الفلك وله مخطوطات كثيرة، ومنها مخطوطة «بهجة النظر في خسوف القمر»، حيث يقدّم فيه العالم أوقات خسوف القمر عبر تعاقب السنين بالساعات عن طريق حسابات فلكية دقيقة جدا، إلى جانب مخطوط «أسهل وسيلة لاستقبال القبلة بظل الشواخص والإقدام»، وفيه يقدّم العلاّمة رزنامة الإفطار والإمساك عبر توقيت دقيق، ومخطوط  ثالث، وهو «الربع المجيب والربع المقنطر»، يتحدّث فيه العالم الفلكي عن كيفية استقبال القبلة.

كذلك استطاع الأستاذ عتيق دراسة مخطوط «الاعتقاد والانتقاء» للشيخ محمد أمزيان بن الحداد الذي قاوم الاستعمار الفرنسي، إضافة إلى مخطوط «عمود النسب لإشراف بلاد الزواوة» للشيخ محمد بن عمارة الوزلاقي، ومخطوط «كتاب علم الفلك» الذي يخبر عن أوقات الصلاة بظلال الإقدام والشواخص لمحمد العربي الفركالي الحربيلي، والذي يعود تاريخه إلى عام 1698، وهو بمثابة كنز حقيقي، يجعل الفرد الجزائري يفتخر بأسلافه العلماء، يقول المتحدّث، الذي أكد أنه تمكّن من دراسة هذه المخطوطات بعد أن تنازل عن بعضها من طرف عائلة العلاّمات بمنطقة الزواوة (تيزي وزو وبجاية)، وهو بدوره أوقفها من أجل الاطلاع عليها ككنز تراثي.

ويهتم الأستاذ جازولي عسلوج مدير المركز الثقافي الإسلامي «مولود قاسم نايت بلقاسم» من بجاية، بدراسة نوع آخر من التراث الوطني، ويتعلّق بالتراث الشفوي الأمازيغي. وقال لـ «المساء» على هامش نفس الفعالية، إنه من المعلوم أنّ الثقافة الأمازيغية متشبّعة بالبعد الديني الإسلامي. وأضاف: «في مثل هذه الملتقيات نحاول إبراز هذا التراث الشفوي، ونحاول جمعه؛ سواء المخطوط أو الشفوي»، مشيرا إلى المحاولات المغرضة التي زعمت أنّ منطقة القبائل تفتقر إلى الإسلام أو غير متشبّعة بالثقافة الإسلامية، «هذا تحايل واضح على منطقة أنجبت نوابغ في علوم شتى، ونحن نعمل تحت وصاية وزارة الشؤون الدينية، على إنشاء مرصد للمخطوطات والتراث الشفوي الديني الأمازيغي؛ بهدف تثمينه وتقديمه للأجيال والتصدي لمثل تلك الحملات المغرضة بالدليل القاطع»، يقول المتحدث.

وأجرى الأستاذ جازولي دراسة حول التراث الشفوي الأمازيغي، ومثل بشعر الحاج سعيد ناث فليق الأمازيغي، الذي قال إنّه كان متشبّعا بالثقافة الدينية؛ حيث قدّم أشعارا في السيرة النبوية الشريفة، وأخرى في شحذ الهمم لمقاومة الاستعمار الفرنسي وحتى أشعارا لتحفيز الصغار والأجيال عموما على بناء الوطن.

كما درس الأستاذ تراثا شفويا أمازيغيا آخر في مجال الغناء في أغاني محند سعيد أوبلعيد، مقران أقاوة وعلي يحياتن وغيرهم. وفي مجال الموسيقى درس أعمال الموسيقار العالمي محمد إقربوشن، وغيرهم آخرين ممن قال فيهم إنّ هدفهم كان غرس البعد الديني والمواطنة في النفوس، داعيا قطاعي الثقافة والشؤون الدينية إلى العمل المنسق لإعادة تقييم هؤلاء العلماء والمشايخ، وإظهارهم للأجيال لتعزيز وتنمية الشعور بالاعتزاز والافتخار للانتماء الوطني.

من جهته، دعا الأستاذ جمال الدين مشهد باحث باللجنة العلمية «جيهيماب» بجامعة بجاية ومؤلف أوّل فهرس للأمازيغية، إلى إنشاء جائزة وطنية في المخطوط بهدف تشجيع الجمعيات على العمل في مجال حفظ المخطوطات. وطالب الجهات الوصية بإعادة تثمين المخطوطات ورقمنتها وجعلها في متناول الطلبة والباحثين في المجال. وقال إنّ المخطوطات مصدر من مصادر التراث الديني والحضاري، وإنه أحد الدلائل على اهتمام الأجداد بالدين والمواطنة واندماج البربر في الإسلام وتعظيم القرآن.