فيما تشوهت الأحياء الجديدة بالقصدير

حلم الجزائر البيضاء مازال بعيد المنال

حلم الجزائر البيضاء مازال بعيد المنال
  • القراءات: 2837
استطلاع: زهية.ش /نسيمة زيداني استطلاع: زهية.ش /نسيمة زيداني

يبدو أن المشروع الحلم الذي خططت له ولاية الجزائر لتحويل العاصمة إلى قطب حضاري لا مكان فيه لمظاهر الفقر والحرمان، مازال بعيد المنال، وذلك بالنظر إلى انتقال عدوى «القصدير» بمختلف مظاهرها إلى الأحياء الجديدة، في غياب شبه تام للجهات الوصية، التي من شأنها أن تنظم حياة السكان بها. 

وفي الخرجة التي قادت «المساء» إلى بعض أحياء العاصمة الجديدة، سجلت العديد من الملاحظات التي لا تخرج عن وصف هذه المساحات السكنية بـ «الفوضوية» من جديد، إذ سجلت احتلال مظاهر «القصدير» أحياء نموذجية، صُنفت منذ أشهر فقط من طرف السلطات العمومية، ضمن المناطق المتحضرة، بالموازاة مع تسجيل غياب شبه تام للأمن أمام استفحال ظاهرة سيطرة العصابات، التي اشتكى منها السكان أنفسهم.  

❊ التحرير

وضعيته تبدد آمال زوخ في القضاء على الأكواخ ...فوضى القصدير تزحف على حي كوريفة بالعاصمة

بددت الوضعية التي آل إليها الحي الجديد رشيد كوريفة بالحراش، كل الآمال في القضاء على الفوضى التي تميز عدة أحياء بالعاصمة، وتأكيد مسؤولها الأول أنه حقق إنجازا هاما، من خلال إزالة أكبر الأحياء القصديرية، وتجاوز الأهداف التي سطرت لهذا الغرض، غير أن الواقع يثبت عكس ذلك، كون الأحياء الجديدة منها حي كوريفة النموذجي، غرق في فوضى عارمة وزحفت إليه صور الأحياء الفوضوية في ظرف قياسي، نتيجة انسحاب السلطات المعنية وعلى رأسها الوالي عبد القادر زوخ، بمجرد تسليمه الشقق لأصحابها واسترجاع هكتارات من المساحات العقارية التي غزاها القصدير خلال سنوات مضت.  

الزائر لهذا الحي الجديد الذي لم تمض على إعادة إسكان أصحابه سنة كاملة، يتفاجأ للوضعية الكارثية التي يوجد عليها، خاصة في بعض الأماكن التي غزتها النفايات، والتجارة الفوضوية، وسيارات «الكلوندستان» وأخرى لبيع العديد من اللوازم والخضر والفواكه، وحتى إصلاح الأواني المنزلية، بالقرب من العمارات وعلى الأرصفة، وكاْن الأمر يتعلق بسوق آخر للحراش، بهذا المجمع السكني الذي يحتوي على 4359 شقة، حيث استغل سكانه النقص الفادح في المرافق التجارية والرياضية والصحية والخدماتية، لتحويل حيهم النموذجي إلى شبه سوق فوضوي كبير، ومن أجمل الأحياء الجديدة إلى أسوئها، في الوقت الذي تبقى أغلب المحلات مغلقة وغير مستغلة، فاسحة المجال للبيع بالطرق غير القانونية، كون السلطات وفّرت شققا لائقة لآلاف السكان الذين وجدوا أنفسهم مرة أخرى في أحياء مراقد، لا تتوفر فيها أدنى الضروريات، حيث تكاد تنعدم به محلات بيع المواد الغذائية والقصابات، مما سمح للتجار الفوضويين ببيع الخضر، البيض، الخبز والحلويات التي وضعت فوق طاولات موزعة هنا وهناك، بل أحد السكان تجراْ ونصّب خيمة كبيرة تستخدم ككشك متعدد الخدمات وتعبئة الهواتف النقالة. كما وجد أصحاب سيارات «الكلوندستان» ضالتهم، حيث يلاحظ كل من يزور حي كوريفة التواجد المكثف لهؤلاء الذين يركنون عرباتهم في كل مكان، بحثا عن الزبائن الذين اشتكى الكثير منهم لـ«المساء» الغياب التام لحافلات النقل العمومي، واعتمادهم على العاملين بطرق غير قانونية مرغمين، مثلما هم مرغمون أيضا على اقتناء حاجياتهم من تجار الأرصفة الذين يعرضون كل شيء للبيع بطرق فوضوية، وبأسعار مرتفعة تختلف تماما عن الأسواق النظامية التي يفتقر إليها الحي. 

طعنات قاتلة لشاب قبل أيام .. نقص الأمن إلى أين؟ 

بالرغم من النقائص التي يشهدها حي رشيد كوريفة، الذي لا يزال ورشة مفتوحة في بعض أجزائه، حيث تتواصل أشغال إنجاز مزيد من السكنات، فإن المشكل الأول الذي أثار اهتمام أغلب السكان  الذين تحدثت إليهم «المساء»؛ قلة الأمن الذي أصبح مثيرا للقلق، خاصة بعد حادثة مقتل شاب لا يتجاوز سنه 15 سنة من طرف آخر، بعد مناوشات حدثت بـ4024 سكنا في الحي منذ أيام قليلة، مما أثار مخاوف القاطنين به، خاصة الأولياء الذين اضطر بعضهم إلى منع أبنائهم من الخروج من البيت مساء، بعد يوم كامل من الدراسة في الجامعة أو الثانوية، مثلما قالت سيدة تقطن بـ400 مسكن بنفس الحي. مشيرة إلى أن السلطات وفرت لهم سكنا لائقا، بعد معاناة سنين في القصدير بمزرعة بن بولعيد في بلدية المقرية، لكنها أغفلت البيئة التي تربى فيها بعض الشباب، ولم توفر مراكز أمن جوارية في حي يفوق عدد سكناته 4 آلاف وحدة، مما أدى إلى استفحال الاشتباكات والاعتداءات وقلة الأمن والطمأنينة، خاصة أن الحي جمع سكانا رحلوا من مواقع قصديرية مختلفة، منها الحميز، المالحة، لاقلاسيير، المقرية، الحراش وغيرها، إذ استغل بعض الشباب المشاغبين غياب المتابعة والمراقبة لزرع الخوف والاعتداء، رغم الدوريات التي تقوم بها مصالح الشرطة وتعاونها مع السكان، إذ نقل جمع من المتهورين مشاكلهم إلى الحي الجديد، وحاولوا فرض سيطرتهم، خاصة القادمين منهم من  بعض «الأحياء الساخنة»، على غرار حي المالحة الذي شهد قبل عملية الترحيل مشادات واعتداءات خطيرة على السكان وممتلكاتهم، مما تطلب تدخلا عاجلا للسلطات من أجل حل هذا المشكل وفرض سيطرتها على الأحياء الجديدة التي زاد من تهور شبابها؛ الغياب التام للمرافق ذات الطابع الرياضي والثقافي التي يقضون فيها أوقاتهم.

متاعب واكتظاظ رهيب يرهن مستقبل التلاميذ

مفاجأة أخرى غير سارة يعيشها المرحلون إلى هذا الحي، تتمثل في النقص الفادح في المؤسسات التربوية التي رهنت مستقبل أبنائهم الدراسي، بسبب وعود سلطات ولاية الجزائر بتوفير الهياكل التربوية، واستلامها خلال الدخول المدرسي الجاري، حيث  لم تجسد على أرض الواقع، والدليل هو فتح مدرسة ابتدائية واحدة بحي 1402 مسكنين تستقبل تلاميذ سنوات الأولى، الثانية والثالثة ابتدائي، والذين بلغ عددهم حاليا 1107 تلاميذ في انتظار المزيد، حسبما صرحت به مديرة المدرسة لـ«المساء»، مما جعل التلاميذ يدرسون في وضع كارثي، نتيجة الاكتظاظ الرهيب داخل الأقسام، حيث يفوق عددها 45 تلميذا، رغم تفجير الأقسام واعتماد نظام الدوامين، وهو الهاجس الحقيقي الذي يؤرق الأولياء الذين أكد بعضهم لـ«المساء»، أن أبناءهم لا يمكن أن يستوعبوا الدروس في مثل هذه الظروف التي لا تقل سوءا بمدرسة صالح باشا بكوريفة القديمة، التي تحتوي أيضا على 1500 تلميذ لثلاثة أطوار فقط، إذ وصل عدد التلاميذ في القسم الواحد إلى 60 تلميذا، بينما توجد جل المؤسسات في طور الإنجاز، ومنها من لم ينطلق بعد، حيث برمجت بهذا الحي 6 مدارس ابتدائية ومتوسطتين وثانوية، مما جعل عددا كبيرا من تلاميذ المرحلتين الرابعة والخامسة ابتدائي يدرسون بمؤسسات متواجدة في الحراش، إلى جانب طلبة المتوسط والثانوي، مواجهين بذلك مشاكل التنقل اليومي رغم تخصيص حافلتين تابعتين لمؤسسة «ايتوزا»، لكنهما لا تكفيان نقل العدد المتزايد من الطلبة الذين تراجع المستوى الدراسي لأغلبهم، حسب تأكيد أوليائهم الذين عبروا لـ«المساء»، عن قلقهم من مصير أبنائهم إذا استمرت الأوضاع على هذا الشكل. فهل حلم الحصول على شقة لائقة يعني استغناء العائلات المرحلة عن حلم نجاح أبنائهم الذين سيكون الشارع مأواهم لا محالة؟ الأمر الذي  سيعمق المشاكل ليس بحي كوريفة فحسب، بل في مختلف الأحياء الجديدة التي ستتحول إلى قنابل موقوتة إذا استمر الوضع على حاله. 

ملعب جواري يتحول إلى مصلى

وإذا كانت السلطات قد تسرعت في توزيع السكنات للقضاء على القصدير واسترجاع المساحات العقارية التي كانت تتربع عليها، دون الأخذ بعين الاعتبار البيئة التي كان يعيش فيها هؤلاء، فإن حي كوريفة ضمّ في بداية عملية الترحيل بعض فضاءات اللعب للأطفال، حوّلت هي الأخرى عن غرضها من قبل السكان، دون أن تتدخل السلطات المعنية لوضع حد لمثل هذه التصرفات، لأن العائلات امتلكت الشقق وليس الفضاءات العمومية، حيث تم تحويل ملعب جواري إلى مصلى، رغم أن مسجد كوريفة القديمة يبعد بأمتار فقط عن الحي، بينما تعرض ملعب آخر يجاوره إلى خراب، من قبل شاغلي الحي، إذ تنعدم به النظافة تماما وتنتشر أكوام النفايات بشكل فضيع في عدة نقاط، مما ألغى لمسة الجمال التي تميز بها في بداية استقباله للمرحلين، خاصة بعد موت أشجار النخيل التي غرست على طول حواف بعض الطرق، التي لم تهيأ إلى حد الآن، حيث تجري أشغال إنجاز سكنات وهياكل تربوية بنسب مختلفة، بينما يطالب السكان بمرافق أخرى ضرورية، على غرار مستوصف يلجؤون إليه في الحالات الاستعجالية والفحوصات البسيطة، عوضا من التنقل إلى العيادة متعددة الخدمات ببومعطي أو مستشفى زميرلي بالحراش. كما يشتكي هؤلاء عدم توفر صيدليات ومخابز وغيرها، فضلا عن فرع بلدي يستخرجون منه وثائقهم، ومركز بريدي يقيهم عناء التنقل إلى المراكز البريدية بالبلديات المجاورة التي تعاني هي الأخرى الاكتظاظ خاصة في المناسبات. 

 «أوبيجيي» حسين داي وبئر مراد رايس غائبان

حاولنا الاتصال بمسؤولي ديوان الترقية والتسيير العقاري لحسين داي وبئر مراد رايس عبر مقريهما المتواجدين بحي كوريفة، لمعرفة تعليقهما على تدهور الحي والنقائص التي يعاني منها، غير أن مكاتبهما لا تزال مغلقة إلى حد الآن، حيث عادة ما كان يتواجد هؤلاء يوم الترحيل، ليغادروا بعدها المكان الذي فتحت به أبواب الوكالة التجارية لـ«اتصالات الجزائر».  

عاصمة بدون قصدير مشروع لم يتجسد ...«الصفيح» يزحف إلى الأحياء السكنية الجديدة

رغم إعلان الوالي عبد القادر زوخ عن مشروع العاصمة بدون قصدير إلا أن رائحة «الصفيح» تعود من جديد إلى الأحياء السكنية الجديدة، التي تحولت إلى خراب حقيقي نزع عنها ثوب «الجمالية»، ما يجعل الداخل إليها يتحسر على أحياء كانت منذ أشهر فقط، «أحياء نموذجية»؛ فمن المسؤول عن ذلك؛ هل هو غياب الرادع القانوني أم لامبالاة المواطنين؟

في الوقت الذي تحاول الدولة تطهير العاصمة من القصدير ووصفها بـ «الجزائر البيضاء»، يبدو أن الحلم لن يتحقق، فبالرغم من إعادة إسكان أغلب العائلات وترحيلها من بيوت الصفيح إلى الأحياء الجديدة، إلا أن هذه الأخيرة سرعان ما تحولت إلى فوضى عارمة، حسبما أكدت زيارتنا الميدانية لبعض الأحياء، أهمها حي 3216 مسكنا بالشعايبية بأولاد شبل، الذي يُعد من أكبر الأحياء.

حي 3216 مسكنا بالشعايبية يتحول إلى خراب

زائر حي 3216 مسكنا بالشعايبية التابعة لبلدية أولاد شبل بالعاصمة، يلاحظ كيف تحوّل من أجمل الأحياء إلى أسوئها بسبب الفوضى العارمة! حيث يُعدّ هذا الحي ضمن أوائل الأحياء التي تم الترحيل إليها، إذ أصبحت التجارة الموازية «ديكورا» يطبع الحي الجديد بسبب باعة الخضر والفواكه وكذا الأفرشة.

وتحولت الساحات العمومية إلى أسواق فوضوية تسببت في فوضى كبيرة، نتيجة ترك الباعة غير الشرعيين بقايا الكارتون والأكياس البلاستيكية، التي أساءت إلى المنظر العام، حيث اقتربنا من بعض المواطنين الذين أكدوا لنا أنهم مضطرون للشراء من الطاولات لغياب البديل.

وبرّر التجار أنهم بحاجة إلى سوق جوارية، مردفين أن «السوبيرات» لا تلبي حاجياتهم، ما أدى ببعض الباعة إلى عرض سلعهم في الطريق، حيث يباع كل شيء في هذه السوق الفوضوية، موضحين أن المنطقة معزولة، ولا توجد أسواق جوارية قريبة، الأمر الذي دفعهم إلى البيع بطريقة عشوائية، وتحوّل الحي إلى فوضى كبيرة تطبعها القمامة وباقي الفضلات، وهو الأمر الذي رفضه تماما بعض المواطنين، حيث أكدت سيدة كبيرة في السن، أن القمامة تتبع السكان من القصدير إلى الأحياء الجديدة.

المساحات الخضراء تتحول إلى مقهى عمومي

تعمقنا في حي الشعايبية أكثر، لنكتشف مساحة خضراء، حوّلها أحد الشباب إلى مقهى على الهواء الطلق، حيث قام بتنصيب الطاولات والكراسي بطريقة أقل ما يقال عنها فوضوية، بعيدا عن الحس الحضري، حيث تتوسط العمارات بشكل يقضي على حرمة القاطنين بالموقع، خاصة منهم النسوة، اللواتي يجدن صعوبة في الخروج من منازلهن..

حاولنا التقرب من بعض السكان، الذين كان رأيهم أن غياب الرقابة أثر كثيرا على الحي، وحوّله إلى ما هو عليه، فضلا عن غياب ثقافة الحفاظ على المحيط، حيث أكد أحدهم: «مللنا الجري وراء الكبار والصغار للحفاظ على الحي، فكان يجب عليهم تنصيب لجنة للمحافظة على الحي وردع المتسببين في الخراب». 

ماذا بعد إعادة الإسكان بالشعايبية؟

«اقتربت «المساء» من بعض السكان، فأعرب العديد منهم عن تأسفه للنقائص الكثيرة التي يعيشها الحي، أهمها انتشار الآفات الاجتماعية وغياب مستشفى، بالإضافة إلى غياب الأمن ومركز بريدي، فبقدر ما أثلجت عملية الترحيل صدورهم إلا أنهم سرعان ما اصطدموا بواقع مر، حيث وجدوا أنفسهم يتخبطون في مشاكل عديدة لا تنتهي بانتهاء الليل والنهار. 

وأنت تتجول بالحي يُلفت انتباهك بعض المناشير التي تتضمن كراء شقق بالحي أو بيعها، والوصول إلى طلب تغيير شقة بشقة أخرى، وعملية البيع والكراء تدل على شيء واحد فقط، هو أن هؤلاء يملكون شققا أخرى أو ربما لايزالون في بيوتهم القصديرية، وهذا ما أثار العديد من التساؤلات؛ فهل السلطات الولائية على دراية بما يحدث في الحي؟.. وينتهج بعض هؤلاء حيلا لبيع واستئجار هذه الشقق؛ لأن القانون يمنع التصرف في بيعها أو كرائها.

كما طالب سكان الحي بإنشاء مركز بريد في الحي بسبب ضيق المركز المتواجد في أولاد شبل. كما يشتكي السكان من غياب مصحة جوارية قريبة من الحي تستجيب لحاجيات سكان المنطقة، خاصة مع التوسّع العمراني الذي يشهده الحي، الأمر الذي بات يُلزم المسؤولين ضرورة إنجاز مستشفى نموذجي حسب المعايير المعتمدة لدى وزارة الصحة.