فيما يبقى تجاهله علامة استفهام كبيرة

فوز ديلان بنوبل تتويجٌ للحسّ الإنساني

فوز ديلان بنوبل تتويجٌ للحسّ الإنساني
  • القراءات: 590
دليلة مالك دليلة مالك

بعد أن أثار فوز بوب ديلان بجائزة نوبل للأدب زوبعة في الوسط الأدبي والثقافي في العالم لأنه أول موسيقيّ تمنَح له هذه الجائزة، ها هو يثير تذمر أعضاء اللجنة المانحة لعدم اعتراف ديلان بالجائزة وتجاهله التويج، ليكون بذلك ثاني متوَّج يرفض الجائزة بعد جون بول سارتر عام 1964. في الجزائر رصدت "المساء" آراء عدد من المثقفين الجزائريين بخصوص الموضوع، ونقل معظمهم وقوفهم أمام شرعية التتويج لهذا الموسيقيّ اللغز.

في هذا الإطار يرى الروائي فيصل الأحمر أنّ حصول بوب ديلان مؤخرا على نوبل للآداب، قد أثار حفائظ الجمهور الثقافي والأدبي في العالم القديم (والتعبير أمريكي للدلالة على العالم كله عدا أمريكا التي هي عالم جديد)... رغم أن الجائزة قد تم منحها في أوروبا؛ أي في العالم القديم. والواقع أن التعليقات لا تغيّر جملة من الحقائق التي لا ريب فيها والتي يريحنا أن نلم بها مثلما يريحنا فهم جوهرها. 

ووقف الأحمر عند أهم حقيقتين، الأولى هي أن الأدب اليوم لم يعد بمثل تلك النظرة التي يملؤها الإجلال التي كان عليها سابقا، فهو ينظر إليه اليوم في العالم الأنجلوسكسوني على أنه واحد من أشكال التعبير الفني المعتمد على اللغة وكفى، يقترب فيه الشعر من المسرح، من النص الصحفي، من النص التلفزي أو السينمائي. وإذا عاينّا كتب النقاد الأدبيين في ذلك العالم سنجدهم يتعرضون لمواضيع معيّنة، مثل صورة المجتمع أو المرأة أو الموضة أو نظرة جهة صوب جهة أخرى أو النظام الاستعماري، ثم تجد التطبيقات تتراوح بين شكسبير وديفيد بيكام والماركات العالمية والأفلام وبرامج الدعوة الدينية أو الدعاية الجنسية مثلا؛ مما يجعلنا نفهم تقليص الساحة النقدية الغربية للمسافة بين الشاعر وبين مغني الشعبي، اللذين ينتهيان إلى تمثيل العلامات نفسها على محور التعبير الفني وعلى مستوى الاشتغال الفني على العبارة والمعنى، بل إن بوب ديلان قد يتفوق على غيره من هذا المنظور. وقال: "السائل الذي يسأل هل بوب ديلان شاعر حتى يحصل على جائزة أدبية؟ سيحصل على الإجابة الأوروبية التي نميل إليها نحن العرب كثيرا: لا... ما صاحبكم بشاعر، بل هو مجرد مغنّ!".

ولكن، من جهة أخرى، سنحصل على الإجابة الأمريكية التي لا تخلو من صحة "هل تقصد بالشاعر الصيغة الجديدة التي هي أكاديمي معزول يكتب قصائد لا يقرؤها أحد ولا ينشرها ناشر ولا يستمع إلى إنشادها أحد إذا جاء الشاعر للإنشاد؟ أم أنك تقصد ذلك الصنف من شعراء الماضي الذين كانوا ينشدون قصائدهم في الأسواق، فيطربون بها الجمهور المتفرد؟..إذا كنت تقصد هذا الأخير فإن بوب ديلان شاعر تام الشعرية!".

أما بالنسبة للحقيقة الثانية التي ينبغي فهمها، يضيف فيصل الأحمر، فإن الجائزة تخضع للاعتبارات السياسية، فتسميتها بالجائزة العالمية يدرجها في إطار رؤية للعالم والعالمية ذات شجون، فليس العالمي المنتمي للعالم، بل المحقق لأجندة من يهيمنون على العالم ويمنحون نيشان العالمية، وهنا يتقدم أي محظوظ أمريكي على أي عبقري من غير الأمريكيين.

من جهته، يعتقد الكاتب والإعلامي عبد الرزاق بوكبة أن نوبل لم تفاجئ إلا من يحصرون الأدب في الشعر والسرد، بينما الأدب هو الحياة نفسها، وأن نوبل لم تُمنح لبوب ديلان بصفته مغنيا بل بصفته كاتب كلمات، وهي بهذا لم تنحرف عن مهمتها، ذلك أن ما كتبه الرجل على مدار عقود رصيد كبير وعميق وإنساني، ساهم في صناعة وعي بالحرية والإنسان.

لقد واكب ديلان بقلمه ثم بصوته من خلال ما كتب التحولات والاختلالات التي عرفها عالمنا في نصف القرن الأخير، وتتويجه هو تتويج للحس الإنساني بالإنسانية.

وأشارت الشاعرة سمية محنش إلى أنه لا مجال للشك في أن ترشيحه للجائزة لم يكن عبثيا؛ لأنه بالعودة إلى سيرته نجده كان رائدا لأكثر من خمسة عقود، أشعاره فيها لمحة من الحكمة والاحتجاج، واتُّخذت كنشيد للعديد من المنظمات الحقوقية في أمريكا. أما القول إن الجائزة سُحبت من بساط الروائيين فليس صحيحا؛ إذ طالما فاز بها شعراء، لكن هذه المرة مُنحت لشاعر يملك إلى جانب شعره التلحين والغناء.

ويؤكد المسرحي هشام بوسهلة أن الموسيقى فن جميل ومتجدد، وفوزُ موسيقيٍّ ما مهما كان جنسه أو أصله هو انتصار للفن وللموسيقى، ثم إن الفائز لم يأت من العدم وله من الجوائز الكثير، ربما لأنها المرة الأولى التي يفوز فيها موسيقي أسفرت عن ضجة كبيرة، لكن حين تبحث عن بوب ديلان ستجده شخصا مجتهدا وباحثا ومتجددا، وأظن أن شعبيته الآن ستصير أكثر، وربما فنّه سيزيد تطورا.