معرض «سحر الشرق بأنامل جزائرية» في رواق عسلة

ملامح من روائع الفن التشكيلي الاستشراقي

ملامح من روائع الفن التشكيلي الاستشراقي
  • القراءات: 3693
مريم. ن مريم. ن

تحوّل رواق عسلة إلى ركن تخزَّن فيه روائع الفن العالمي المتعلقة بسحر الشرق التي أسس لها الرواد التشكيليون الغربيون الذين وثقوا في جمال الجزائر وتراثها في أعمال بقيت خالدة لا تقدَّر بثمن، لايزال الجمهور عبر العالم يدهش لها ويسافر عبرها إلى أساطير ألف ليلة وإلى بلاد النور، وبالتالي فهي غير قابلة للفناء؛ مما جعل الفنانين إسماعيل أوباح وبوتفاحة بن عالية يستثمران في هذا الرقي، ويقدمان معرض «الشرق بأنامل جزائرية»، ليعيدا تلك الروائع بكل تفاصيلها وألوانها.

يُعتبر رسامو الشرق من الرواد المستشرقين أفضل من نقل التراث وحياة الجزائريين، وكان منهم  إيتيان دينيه الذي بهرته الجزائر بكل أقاليمها من شمال وصحراء، وهكذا تحولت ريشة هؤلاء الفنانين إلى عدسات تلتقط الصورة الجميلة والحية.

زارت الجزائر خلال القرن التاسع عشر نخبة من كبار المستشرقين والرسامين الغربيين الذين انبهروا بثراء البيئـة الاجتماعيـة الإسلامية، وترك العديد منهم لوحات وأعمالا ناطقة تعبّر عن انجذابهم إلى سحر هـذه البيئة وعمقهـا وأصالتها وغناها. وكان من أبرز هؤلاء «دولاكروا» و«فرومنتين» و«سكاسريو» و«إيتيان ديني» وغيرهم من الذين أضافوا لمعروضات المتاحف روائعهم. ولقد بلغ تأثر بعضهم بهذه البيئـة حد التمسك بالإقامة الدائمة في الجزائر؛ من ذلك الرسام الفرنسي الشهير «إيتيان ديني» المتأثر بهذا التراث إلى حد إشهار إسلامه عام 1913، وسمى نفسـه بـ «نـاصر الـدين»، ومـات عقب أدائه فريضة الحج عام 1929، ودُفن في مدينـة بوسعادة الجزائرية بعد أن أقام عدة معارض فنية في الجزائر وباريس، أبرز من خلالها خصوصية التراث الإسـلامي وأبعاده الحضارية والإنسانية.

وبالنسبة لهذه الأعمال فإنها ذات حضور مميز في الذاكرة الفنية الجزائرية، إضافة إلى تعلق الجمهور المتعاقب عبر الأجيال عليها؛ إذ هي صورة جميلة لحياة أجداده وأسلافه؛ لذلك لا يتردد الجمهور في إعادة مشاهدتها والاستمتاع بمناظرها ذات ألوان النور، وبتقاليد وبيئة غابت في أيامنا، خاصة تلك الحياة الأصيلة وكذا العلاقات الإنسانية المتميزة سواء بين الناس أو بين الرجل والمرأة.

بالنسبة لإسماعيل، فقد استطاع خلال مشواره الفني أن يضع بصمة خاصة به في عالم الفن التشكيلي الجزائري؛ من خلال لوحاته التي تؤدي معاني ورسالات عميقة ودلالات ترسخت بفعل التكوين العالي والموهبة، لينتج حسا راقيا وثقافة واسعة مكنته من أن يغوص في كل عوالم الفن.

بعد دراساته العليا في مدرسة الفنون الجميلة عام 1990 بالعاصمة، شرع في تدريس مادة التربية التشكيلية لمدة 15 سنة، وحاليا يدرس بالجامعة اختصاص «الفن بلاستيك» بالجلفة، ويبقى متأثرا بالمستشرقين الفنيين أمثال «ديني»، «دولاكروا»، «فرومونتان» وغيرهم؛ قلّد أعمالهم في البداية، وتعلّم منهم الكثير من تقنيات وأسلوب وغيرهما، وهو الآن في اتجاه آخر يُعرف بتوظيف الحرف العربي  في الفن الحديث، علما أنه قدّم حيزا كبيرا في المعرض خاصا بالحرف العربي. ومن ضمن ما قدّم لوحات تحمل الشعر وأخرى آيات قرآنية أو حكما، وبعضها يحمل خلفيات، منها «صرخة الحرف»، ومنها هندسة وحروف، مستعملا الأسلوب التجريدي والتقنيات المختلطة.

بالنسبة للفنان بوتفاحة بن عالية فهو مولع أيضا بهذا التراث، ويحرص على تقليد أعمال الروائع بحذافيرها، وقد مكّنه هذا الأسلوب من افتكاك بعض الجوائز منها جائزة القرطاس بالجلفة عن «بورتريه العربي».

للإشارة، فإن من ضمن اللوحات المعروضة «أطفال يلعبون» و«الأرجوحة» و«المصلي» و«الخروج من المدرسة القرآنية» وغيرها للفنان  دينيه، و«الفارس» و«الفرسان العرب» لروسو، و«منظر من بسكرة» لأوجي جيراردي وغيرها من اللوحات، منها «الراقصة» التي تُعتبر لوحة جدارية، وكلها أعمال كلاسيكية واقعية، تعكس، بشكل خاص، الصحراء الجزائرية، خاصة بمنطقتي بسكرة وبوسعادة.