قانون المالية 2017 بعيون الخبراء والشركاء والنقابات

إجراءات واقعية، لكن الدعم الاجتماعي يجب أن يذهب إلى مستحقيه

إجراءات واقعية، لكن الدعم الاجتماعي يجب أن يذهب إلى مستحقيه
  • القراءات: 736
/زولا سومر/حنان حيمر  /زولا سومر/حنان حيمر

الخبير الدولي مصطفى مقيدش لـ«المساء»:  الحكومة واقعية واختيارها موضوعي 

يؤكد الخبير الاقتصادي الدولي مصطفى مقيدش أن تحديد السعر المرجعي لبرميل النفط بـ50 دولارا في قانون المالية 2017 يعد «خطوة استباقية موضوعية وواقعية» للحكومة، لاسيما بعد نجاح اجتماع «أوبك» بالجزائر والذي أدى إلى ارتفاع أسعار الخام إلى 51 دولارا في تعاملات الأمس.

ويفسر الخبير هذا الإجراء في تصريح لـ«المساء»، الذي اعتبره «أمرا جيدا»، بالسعي إلى الرفع النسبي للموارد المالية من الجباية البترولية في السنة المقبلة مقارنة بالسنة الجارية، والذي يتزامن والارتفاع المرتقب في الجباية العادية، وكل ذلك من أجل «التخفيف من العجز في الميزانية».

من جانب آخر، فإن تحديد هذا السعر المرجعي، يعني حسب محدثنا توقع توقف تمويل صندوق ضبط الإيرادات، في وقت يلاحظ أن قانون المالية 2017 تضمن تخفيضا ملموسا في نفقات الاستثمار و«هو ما يمكن أن يؤثر سلبا على نمو قطاع البناء والأشغال العمومية» كما أشار إليه.

وبخصوص نموذج النمو الجديد الذي تم التشديد عليه مجددا في مجلس الوزراء الأخير، فإن السيد مقيدش يرى أنه «مرتبط بتطوير الاستثمار خارج المحروقات والانتاجية خارج الريع النفطي»، قائلا إنه في هذا المجال «الكرة توجد في مرمى القطاع الخاص، لاسيما إذا تم تحسين مناخ الاستثمار والتقليص من البيروقراطية». فسياسة دعم التنمية ونمو الانتاج خارج المحروقات «لن تتم بين عشية وضحاها، ولكن ذلك يمر عبر تطوير مشاريع في الصناعة والصناعات الغذائية والفلاحة، فالقدرات موجودة، ولابد من تحويلها إلى إنتاج من أجل تقليص الواردات وكذا دعم الصادرات»، كما يضيف.

في سياق ذي صلة، فإن الخبير الدولي، وردا على سؤالنا حول أسباب احتفاظ الحكومة بنفس المستوى من الدعم الاجتماعي، في وقت نادت به أطراف وطنية ودولية عديدة بضرورة تخفيضه من أجل التخفيف من عجز الخزينة، اعتبر أن هذا القرار نابع من «مبدأ الاحتراز» الذي فضلت الحكومة التعامل به مع الملف.

ويقول «حتى لو كان لابد من مكافحة التبذير، فإن السلطات العمومية فضلت أخذ وقت أطول للتفكير والقيام بدراسة جدية للنظر في كيفية التخفيف من الآثار السلبية التي يمكن أن تمس القدرة الشرائية للأسر لاسيما ذات المداخيل الضعيفة، خاصة في ظل ارتفاع نسبة التضخم، في حال ما إذا أعادت النظر في الدعم الاجتماعي».

من هذا المنطلق، فإن محدثنا يلاحظ أن الحكومة آثرت عدم اتخاذ قرارات حاليا في هذا المجال، معبرا عن اقتناعه بأن الأمور ستتضح لاحقا تبعا للتطورات في السوق النفطية العالمية وأسعار الخام.»فإذا تطورت الأمور نحو الأسوأ، فإن قانون المالية التكميلي هو الذي سيعالج الأمور، لذا فإن الحكومة ستأخذ الوقت للتفكير إلى غاية السداسي الأول 2017، للنظر في هذا الأمر». 

الخبير إسماعيل لالماص لـ«المساء»:  نخشى زيادة الضرائب، والبرميل بـ50 دولارا مغامرة 

يرى المستشار في الشؤون الاقتصادية، إسماعيل لالماص، أن القرارات التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2017 حتى وإن كان فيها تفاؤل من خلال تحديد سعر برميل النفط بـ50 دولارا فإنها تبقى مغامرة قد تكون لها آثار وخيمة. منتقدا الزيادات التي تم إقرارها بخصوص الضرائب والتي ستنعكس سلبا على كل الأسعار التي ستعرف ارتفاعا يضر بالقدرة الشرائية بالرغم من استمرار الدعم الموجه للمواد الأساسية. 

يرى المستشار في الشؤون الاقتصادية، إسماعيل لالماص، أن القرارات التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2017 حتى وإن كان فيها تفاؤل من خلال تحديد سعر برميل النفط بـ50 دولارا فإنها تبقى مغامرة قد تكون لها آثار وخيمة. منتقدا الزيادات التي تم إقرارها بخصوص الضرائب والتي ستنعكس سلبا على كل الأسعار التي ستعرف ارتفاعا يضر بالقدرة الشرائية بالرغم من استمرار الدعم الموجه للمواد الأساسية. 

وأشار السيد لالماص إلى أن سعر برميل النفط المحدد بـ50 دولارا يطرح العديد من التساؤلات إذا أخذنا بعين الاعتبار توقعات الخبراء في مجال الطاقة لسنة 2017 مع عودة ليبيا ونيجريا إلى السوق البترولية وكذا عودة البترول الصخري الأمريكي، الأمر الذي سيزيد من نسبة العرض. 

وحذر السيد لالماص في تصريح لـ«المساء»، أمس، من انخفاض نسبة النمو في بعض البلدان كالصين والبرازيل مما سيقلص من الطلب والاستهلاك، الأمر الذي يجعل من تحديد السعر المرجعي للبترول بـ50 دولارا «مغامرة» على حد قوله لأنها قد تؤدي إلى نتائج غير مرضية في حال نقص الطلب.

كما توقف المستشار الاقتصادي عند الجانب الضريبي في قانون المالية خاصة ما تعلق بالرسم على القيمة المضافة الذي سيعرف زيادة، ناهيك عن إقرار زيادات في تسعيرات الكهرباء، الغاز، والماء والتي ستضر بالقدرة الشرائية للمواطن وتقلص من الاستهلاك مما سيؤدي إلى انخفاض النمو.

وأضاف محدثنا بأنه «من غير المعقول أن يعتمد قانون المالية على الضرائب والرسوم لمعالجة العجز في الميزانية في الوقت الذي لا يزال فيه الاقتصاد معطلا وغير قادر على خلق الثروة». مقترحا في هذا السياق وضع ميكانيزمات للتصدي للآثار السلبية التي قد تنجم عن الأزمة بتشجيع الاستثمار وتوسيع الوعاء الضريبي من خلال زيادة عدد المؤسسات لتحصيل الضرائب وتوفير مناخ ملائم لجلب الاستثمار الأجنبي للدفع بقاطرة النمو وتحسين كل الظروف التي تنعش الصادرات خارج المحروقات «عوض الاكتفاء بالحلول السهلة المتمثلة في رفع الضرائب التي تثقل كاهل المواطن خاصة ذوي الدخل الضعيف».

وفيما يخص تمسك الدولة بسياسة الدعم الاجتماعي، أوضح السيد لالماص أنه بالرغم من الاستمرار في دعم أسعار بعض المواد الأساسية فإن سنة 2017 ستكون كارثية على المواطن بسبب الزيادات التي ستعرفها أسعار كل المواد الاستهلاكية بسبب رفع تسعيرة الكهرباء والغاز والضرائب التي ستؤدي حتما إلى رفع الأسعار، خاصة بعد رفع الرسم على القيمة المضافة بنسبة 2 بالمائة لتصل إلى 19 بالمائة عوض 17 بالمائة كما كانت في السابق والتي ستنعكس على المواد الأساسية والمواد النصف مصنعة المستوردة.

الخبير عبد القادر مشدال لـ«المساء»:  على الحكومة تقليص الدعم الاجتماعي 

يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر مشدال، أن تحديد السعر المرجعي للنّفط في مشروع قانون المالية 2017 في مستوى 50 دولارا يعني «التخلص من السعر الإداري للنّفط»، مشيرا إلى أن اختيار هذا السعر بالذات من طرف خبراء الحكومة له تفسيرات مختلفة.

إذ يشير إلى الرغبة في العودة إلى «الواقعية» من خلال تبنّي «السعر الحقيقي للبترول في السوق العالمية»، لكنه يلفت الانتباه إلى أن ذلك تم على أساس توقعات خبراء الحكومة الذين ينتظرون تعديلا في السعر سنة 2017، ليتجه نحو مستوى يتراوح بين 50 و55 دولارا، لاسيما بعد اتفاق (أوبك) بالجزائر والذي يفترض أن يترسم في نوفمبر المقبل، ويتم بذلك تخفيض الإنتاج إضافة إلى التوقعات التي تحدثت عنها الوكالة الدولية للطاقة، والتي تشير إلى زيادة الطلب في 2017 بحوالي مليون برميل يوميا. «عوامل جعلت معدي القانون يتوقعون هذا المستوى في الأسعار» ـ حسب الخبير ـ

لكن محدثنا أشار إلى وجود «مخاطر» ناتجة أساسا عن غياب الضمانات بأن السعر سيرتفع فعلا ويبقى في مستوى الخمسين دولارا في العام المقبل «لأن هناك عناصر أخرى ممكن أن تحد من زيادة الأسعار»، كما قال.

من جانب آخر يلاحظ السيّد مشدال، أن تحديد السعر المرجعي بـ50 دولارا يعني أن «الدولة تريد صب كل المداخيل البترولية في الميزانية»، وهو ما يعني أن العجز في الميزانية سيتراجع لأنه «عندما نحدد سعرا مرجعيا بـ37 دولارا والنّفقات تكون في مستوى يقارب 90 دولارا، فإن الفارق بين الاثنين سيمثل «عجزا في الميزانية»، ويتابع قائلا «تصوري لو رفع السعر المرجعي إلى 50 دولارا وتم إنفاق مايعادل 60 دولارا فالنتيجة هي أن العجز سيتقلص».

كما أن صب كل أموال البترول في الميزانية – يضيف الخبير الاقتصادي- يعني أن صندوق ضبط الإيرادات «انتهى دوره»، لأن أموال الصندوق ستنتهي في 2017، فإذا تعدى السعر الخمسين دولارا سيتم تزويده وفي حال العكس فهذا يعني «بداية نهاية الصندوق»، وهو ما يتوقعه محدثنا بالنّظر إلى المستويات المنخفضة للأسعار.

ولأن السعر غير مضمون والحكومة لا تتحكم فيه، فإن نزوله تحت السقف المحدد يؤدي بالحكومة إلى اللجوء لزيادات في الضرائب وأسعار بعض المواد من أجل رفع حجم الجباية العادية، كما أشار إليه.

 لابد من مراجعة الدعم الاجتماعي 

وهو ما يحيلنا إلى مسألة الإبقاء على نفس المستوى من الدعم الاجتماعي، والذي فسره الخبير عبد القادر مشدال، بـ«استمرار شراء السّلم الاجتماعي». ويقول إن الإشكال هو وجود «تراكم كبير في الجزائر في الحاجيات الاجتماعية لاسيما السكن... ونوجد حاليا في مرحلة الاستدراك»، والدولة - كما قال- اختارت طريقة الدعم بدل المساعدات المباشرة، لكن ذلك «يثقل كاهل الميزانية» لذا فإنه يشير إلى ضرورة وضع خطة حكومية للتقليص من هذا الدعم في مستوى مقبول لا يضر بالشرائح الهشة دون أن تستفيد منه الفئات غير المعنية. ذلك الحل –حسبه- لعدم إنهاك ميزانية الدولة لاسيما في الظرف الراهن.

وبخصوص النموذج الجديد للنمو فإن الهدف منه –كما يشير إليه- هو «تطبيق سياسة إحلال الواردات» من أجل تعويض مداخيل النّفط لاسيما من خلال استغلال قطاع المناجم، فضلا عن قطاعات صناعية أهمها الميكانيك والحديد والصلب، إضافة إلى قطاع الفلاحة. قطاعات يرى أنها الأكثر قدرة على أن تمثل بديلا في المدى القصير لمداخيل المحروقات.

الخبير لدى البنك الدولي أمحمد حميدوش لـ«المساء»:  قانون 2017 أكثر تفتحا، لكن الدعم يجب أن يذهب لمستحقيه 

أكد السيّد أمحمد حميدوش، خبير لدى البنك العالمي، أن القرارات التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2017 الذي حدد سعر برميل النّفط بـ50 دولارا فيها الكثير من التفاؤل. مضيفا أن هذا السعر يعد أقرب للواقع وبإمكانه التقليص من عجز الميزانية. غير أنه اقترح على الدولة إيجاد ميكانيزمات لتسقيف هذا العجز وإيجاد آلية للجباية، وترشيد سياسة الدعم بجعله مقتصرا على الفئات المحتاجة دون غيرها للتقليص من النفقات العمومية.

السيّد حميدوش، أكد أن تحديد سعر برميل البترول بـ50 دولارا قرار فاجأ الجميع، وبين أن قانون المالية للسنة الجارية يعد أكثر تفتحا على الواقع لتفادي الفائض الذي يحول لصندوق ضبط الإيرادات والذي تتطلب عملية تحويله لقطاع معين إجراءات بيروقراطية قد تستغرق مدة طويلة.

وأضاف السيّد حميدوش، في تصريح لـ«المساء» أمس، أن تحديد سعر البترول بـ50 دولارا سيقلّص من العجز الافتراضي الذي لن يتجاوز 25 مليار دولار.

غير أن هذا الإجراء ـ يقول محدثنا ـ يجب أن يكون متبوعا بتدابير لوضع حد للعجز المسجل في الميزانية بتسقيفه حتى لا يتجاوز مبلغا معيّنا مثلما هو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية التي لها حائط للميزانية كي لا يتجاوز العجز المحدد في قانون المالية 15 ألف مليار دولار، وكذا في الدول الأوروبية التي وضعت معيارا لهذا العجز يعادل 3 بالمائة من الدخل القومي، بحيث لا يجب أن يتعدى التراكم إذا تجاوز هذا العجز نسبة 60٪ من الدخل القومي.  

في هذا السياق يرى الخبير في الشؤون الاقتصادية أنه حان الوقت لوضع سقف للعجز حتى تكون النّفقات مبنية على الواقع لضمان مستقبل الأجيال القادمة. محذّرا من خطر تواصل هذا العجز الذي سيؤدي إلى الإفلاس في حال تواصله خلال الثماني سنوات القادمة. 

فيما يخص تمسك الدولة بسياسة الدعم الاجتماعي وتخصيص ربع الميزانية للدعم الاجتماعي، ثمّن الخبير هذا القرار الرامي لحماية القدرة الشرائية للمواطن، غير أنه اقترح وضع آليات لترشيد هذا الدعم والنّفقات حتى توجه هذه الإعانات إلى من يستحقها ولا يستفيد منها الغني والفقير على حد سواء كما هو معمول به الآن، حيث يستفيد الجميع وحتى الأجانب الموجودون بالجزائر من الدعم على المواد الأساسية كالخبز، والحليب، والسكر.

ودعا السيّد حميدوش، الدولة للمبادرة بتأسيس صندوق للعلاوات العائلية توجه لذوي الدخل المحدود والفقراء بوضع بطاقية وطنية قابلة للتحيين كما هو معمول به في الدول المتطورة.

وحتى لا تصبح سياسة الدعم عبأ على الدولة اقترح محدثنا وضع صندوق المقاصات لتعويض ودعم المؤسسات عوض دعم الأسعار يتم اللجوء إليه عند ارتفاع سعر مادة أساسية معينة، بحيث يواصل صاحب المؤسسة المنتجة تسويقها بنفس السعر السابق على أن تدفع له الدولة الزيادة في السعر كدعم لحماية المؤسسات الاقتصادية من جهة وحماية القدرة الشرائية من جهة أخرى.

وأكد السيّد حميدوش، أن كل التوقعات الخاصة بـ2017 توحي بتفاؤل نظرا لتحديد سعر برميل النّفط بـ60 دولارا في السداسي الأول و75 إلى 80 دولارا ابتداء من السداسي الثاني. غير أنه عبّر عن تخوّفه من الوضعية المالية بعد 2017، حيث أشار إلى أهمية اتخاذ تدابير حتى لا تكون الميزانية مرتبطة بالجباية البترولية بحيث يتم الاعتماد على الجباية العادية وجباية القطاع الخاص لتمويل ميزانية التسيير، وإبقاء عائدات الجباية البترولية لتمويل الاستثمار والتخلي تدريجيا عن فكرة أن الدولة هي التي تمول كل شيء.

ولتجسيد هذه الرؤية دعا محدثنا إلى إيجاد آليات لتفعيل الاقتصاد وفتح مؤسسات جديدة وبيع بعض المؤسسات الحالية المفلسة ـ يقول الخبير ـ الذي أشار أيضا إلى أهمية تفعيل المؤسسات المصرفية لمواكبة هذه التحولات بإيجاد بنوك استثمار قادرة على تمويل المشاريع الكبرى على المدى البعيد، وبيع البنوك الحالية التي تبقى مجرد بنوك تجارية في البورصة بعد أن أثبتت عجزها في تمويل المشاريع ومنح قروض للاستثمار.