قضية رفض منح الاعتماد لمحامين تونسيين تكونوا في الجزائر

محامون جزائريون لـ"المساء": هناك سوء فهم للاتفاقيات ولابد من حوار مسؤول وهادئ

محامون جزائريون لـ"المساء": هناك سوء فهم للاتفاقيات ولابد من حوار مسؤول وهادئ
  • القراءات: 1007
مليكة خلاف مليكة خلاف

تباينت آراء المحامين الجزائريين الذين تحدثت إليهم "المساء" بخصوص المنحى الذي أخذته قضية رفض نقابة المحامين التونسية منح الاعتماد لـ164 محاميا تونسيا حصلوا على شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة بالجزائر ورد فعل الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين الذي هدد نظيرته التونسية بالمعاملة بالمثل، ففي حين حذر البعض من تحول القضية إلى أزمة باعتبار أن المسألة تحمل بصمات السلطة في تونس كونها قدمت ضمانات لهؤلاء الطلبة لمواصلة الدراسة في الجزائر، يرى آخرون أن القضية أخذت حجما أكبر مما تستحقه وأن هناك سوء فهم للاتفاقيات المبرمة بين الجانبين في هذا المجال، بينما ذهب رأي آخر إلى حد وصف ما قامت به عمادة تونس بـ"الإهانة" التي يجب أن ترد بالمثل.

مصطفى بوشاشي: هناك سوء فهم للاتفاقيات المبرمة

قلل المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي في تصريحه لـ"المساء" من المنحى الذي أخذته قضية عدم ترسيم المحامين التونسيين  الذين واصلوا دراستهم في الجزائر، مشيرا إلى أن المسألة أخذت بعدا ينم عن سوء فهم للاتفاقيات المبرمة في هذا المجال. وأشار إلى أن المسألة لا تعني عدم الاعتراف بالشهادة الجزائرية والدليل أنه يحق للمحامين الجزائريين المرافعة في تونس، في حين أن الطالب  التونسي الذي تلقى تكوينا في الخارج يخضع لإجراءات معينة عندما يعتزم ممارسة المهنة في بلاده.

رغم إقراره بعدم الانتساب إلى الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين إلا أنه تفاءل بمعالجة هذه القضية بكل روية بعيدا عن تهويل الأمور.

خالد بورايو: التهويل الإعلامي التونسي أثار مغالطات

تقاسم المحامي خالد بورايو رأي زميله بوشاشي عندما أشار في تصريحه لـ"المساء" إلى أن التهويل الإعلامي التونسي أثار مغالطات كبيرة بخصوص هذه القضية، مضيفا أن الأمر لا يتعلق بعدم الاعتراف بشهادة الكفاءة الممنوحة لهؤلاء الطلبة الذين أكملوا دراسة الحقوق في الجزائر وإنما بإجراءات تخص الإطار التونسي في ممارسة مهنة المحاماة كونه يخص بالدرجة الأولى الطلبة الجدد وليس ممارسي المهنة، كما أشار إلى أن العديد من المحامين الجزائريين سبق لهم المرافعة في تونس في قضايا مختلفة وأحرزوا تقدما كبيرا في هذا المجال.

أمين سيدهم: على الطلبة اللجوء إلى مجلس القضاء الإداري التونسي

أوضح المحامي أمين سيدهم في تصريح لـ"المساء" أن رفض منح الاعتماد للطلبة التونسيين الذين تكونوا في الجزائر، مشكل قديم يعود لسنوات مضت، مشيرا إلى أنه سبق له أن أشرف شخصيا على تكوين عدد من الطلبة التونسيين تعرضوا للمشكل ذاته عندما عادوا إلى وطنهم، واضطروا لرفع دعاوى قضائية على مستوى مجلس القضاء الإداري التونسي الذي أعطى لهم في النهاية حق ممارسة المهنة في بلدهم، ونصح هؤلاء الطلبة بالقيام بما قام به زملاؤهم.

سيدهم أقر بوجود اتفاقية في إطار الاتحاد المغاربي تسمح لمحاميي هذه الدول بالمرافعة حيثما كانوا في هذه الدول، مشيرا إلى أن المسألة تخص بالدرجة الأولى الذين يمارسون المهنة وليس الطلبة. وفيما يتعلق بشهادة المعادلة، كشف سيدهم عما أسماه ببعض "التحايل" من قبل الطلبة التونسيين الذين يفضلون إكمال دراستهم في الجزائر تجنبا للتعقيدات التي تصادفهم خلال دراستهم للحقوق ببلادهم، كونها تخضع لإجراءات معينة تختلف عن تلك الموجودة بالجزائر.

كما أضاف أنه في حال النظر إلى القضية برؤية موضوعية، نجد أنه من اللاعدل أن تمنح الأولوية للطلبة الذين درسوا في الخارج، في حين أن الطلبة في تونس يواجهون تعقيدات في الدراسة.

في رده على سؤال حول موقف الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين الذي هدد بالمعاملة بالمثل، أبدى سيدهم استغرابه من كيفية تطبيق ذلك، باعتبار أن ظروف وإجراءات مزاولة الدراسة في البلدين مختلفة، حيث أن التعليم العالي في الجزائر مجاني بينما في تونس يتم بدفع مبالغ مالية.

صالح دبوز: الدخول في حوار هادئ ومسؤول لتفادي الأزمة

صالح دبوز رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أكد في تصريحه لـ"المساء" أن الرأي الذي أصدره الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين لا يرقى إلى أن يكون أزمة، مشيرا إلى أن منظمة المحامين في الجزائر لها الحق في أن تعامل أي منظمة أخرى تربطها اتفاقية بالمثل لما تأخذ المنظمة الأخرى اتجاها معينا.

السيد دبوز الذي أقر بإلمامه بالملف ومتابعته له عن قرب أكد أن الإشكالية تكمن في أن الطلبة الذين أوفدتهم السلطات التونسية إلى الجزائر وبضمانات عليا أدوا اليمين في مجلس قضاء بجاية وأن عمادة المحامين بتونس أعطتهم موافقة مبدئية للعودة إلى بلادهم شهر فيفري الماضي، غير أنه بعد انتخاب العميد الجديد أعاد فتح الملف وعبر عن رفضه لهذا القرار وهو ما يعني أن ذلك يخص الطرف التونسي لوحده وليس الطرف الجزائري.

المتحدث الذي برر موقف العمادة التونسية بوجود أسباب تحاشى ذكرها كونه ليس مخولا له ذكرها بحكم المنصب الذي يشغله، دعا إلى عدم التعامل مع هذا المشكل عن بعد بل بالدخول في حوار مباشر لفهم دواعي رفض ترسيم هؤلاء الطلبة الذين من حقهم المشروع  ممارسة المهنة في بلدهم. كما أشار إلى أنه سبق أن التقى هؤلاء الطلبة في تونس و راسل العمادة التونسية والتقى مسؤوليها وقدم لهم اقتراحاته المكتوبة لحل المشكل شهر فيفري الماضي ليتم التوصل إلى اتفاق بين المحامين المتربصين والعمادة من جهة وبين المحامين المتربصين ومنظمة محاميي ناحية بجاية من جهة أخرى كون هؤلاء أدوا اليمين في هذه الولاية وتحصلوا على موافقة مبدئية من طرف العمادة التونسية للانتقال إلى بلادهم.

السيد دبوز أشار إلى أنه لا يجب إغفال أمر مهم و هو أن هؤلاء الطلبة قدموا إلى الجزائر لدراسة الليسانس والكفاءة المهنية بدعم معنوي من قبل السلطة العمومية في تونس وأن القرار النهائي يعود لها كونها رخصت لهم الدراسة في الجزائر وفق اتفاقية موقعة بين الجانبين سنة 1963.

من هذا المنطلق، يرى المتحدث أن تطرق الجانبين إلى هذه النقاط ببراغماتية، من شأنه أن يقود إلى حل يرضي جميع الأطراف، مشددا على تبني حوار هادئ ومباشر ومسؤول حتى لا تتحول القضية إلى لعبة كرة الطاولة "بينغ بانغ"، في حين أشار إلى أن المشكل جديد يخص هذه الدفعة فقط، كما لفت في المقابل إلى أنه لا يجب إغفال بأن مسألة رفض منح الاعتماد لهؤلاء المتربصين يعتبر بطريقة أوبأخرى طعنا في عمل اتحاد المحامين الجزائريين وفي الشهادات التي يسلمها. وعليه فلا يجب أن نصل إلى هذا الأمر -يضيف السيد دبوز - الذي دعا العمادة التونسية إلى عدم إثارة أمر قد يفسر وفق رؤية مخالفة للواقع ويتحول إلى أزمة سياسية لأن هناك التزام من الدولة التونسية بدعم هؤلاء الطلبة.

كما دعا دبوز الاتحاد الوطني للمحامين إلى عدم التسرع في إصدار ردود الأفعال المتسرعة، كما طالب عميد نقابة المحامين التونسيين عمر محرزي الذي انتخب منذ شهرين فقط على رأس الهيئة للتعاطي مع هذه القضية بحكمة ترقى إلى مستوى المكانة التي تحظى بها لاسيما أنها فازت بجائزة نوبل للسلام بالتقاسم مع هيئات تونسية أخرى نظير ما قدمته من جهود لمرافقة التغيير نحو نظام ديمقراطي وتأطير الأحزاب.

محدثنا أوضح أنه من غير المنطقي أن تقع العمادة في مأزق مع متربصين ينادون بحقوقهم ومن ثم الدخول في أزمة مع الاتحاد الوطني للمحامين الجزائريين، مؤكدا أن هيئته تبقى مهتمة بالأمر ورهن طلبات الأطراف المعنية بالقضية لإيجاد حل لها.

فاروق قسنطيني: موقف النقابة التونسية إهانة

رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني وصف في تصريحه لـ"المساء" موقف النقابة التونسية بأنه "إهانة"، مؤيدا موقف الاتحاد الوطني الذي يعتزم المعاملة بالمثل من منطلق أن الطرف التونسي يريد من خلال موقفه هذا بعث رسالة مفادها أن الشهادة الجزائرية ليست في المستوى دون مراعاة الاتفاقيات المبرمة في هذا السياق.

قسنطيني أوضح أن الآية انقلبت اليوم، فبعد أن كان الطلبة التونسيون يحلمون بالدراسة في الجزائر سنوات السبعينيات، أصبحت أطراف تونسية تشكك في شهاداتها.

سيليني لا يرد

من جهة أخرى حاولنا الاتصال عدة مرات بمكتب النقيب الوطني للمحامين الجزائريين عبد المجيد سيليني لمعرفة رأيه حول حيثيات  القضية غير أنه لم يرد على مكالماتنا. 

للإشارة، ينتظر أن يجتمع الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين يوم 24 سبتمبر الجاري للنظر في القضية واتخاذ موقف واضح بخصوصها.