المتحف المركزي للجيش

مسيرة إنجازات واعتماد التجديد والإثراء

مسيرة إنجازات واعتماد التجديد والإثراء
  • القراءات: 1197
مريم.ن مريم.ن

يتكفل المتحف المركزي للجيش بحماية الذاكرة الوطنية، مستعينا في ذلك بكل الوسائل والتقنيات الحديثة مما جعل شهرته تتجاوز الحدود ويصبح بالتالي مزارا للوفود الأجنبية، خاصة رفيعة المستوى، التي تبني أفكارها ومواقفها عن الجزائر أرضا وشعبا من خلال هذا الفضاء، ناهيك عن آلاف الجزائرين الذين يقصدون المتحف من 48 ولاية.

"المساء" زارت مؤخرا المتحف وطافت بأجنحته وحملت ما يختزنه من ذاكرة.

يستوعب متحف الجيش أربعة طوابق كبرى بطاقة 10 آلاف زائر، وهو ذو فضاء مريح ومفتوح يراعي التسلسل التاريخي المضبوط الذي يخضع باستمرار للتحيين والإثراء والتجديد، كما أنه يساير على الدوام المناسبات الوطنية والدولية منها مثلا شهر التراث، ويشهد هذا المتحف إقبالا منقطع النظير خاصة أيام العطل والمناسبات، حيث يصل عدد زواره أيام السبت إلى 10 آلاف زائر. 

بابا مرزوق يرحب بالوافدين 

رافق الرائد عكريش "المساء" في جولتها، والانطلاقة كانت بمدخل المتحف (البهو) حيث نصب مجسم مدفع بابا مرزوق (القرن الـ16) كي يراه الزوار، خاصة الأطفال منهم، ليكتشفوا تاريخه الذي هو جزء من تاريخ المقاومة الوطنية الباسلة.

أكد مرشدنا في هذه الرحلة عبر التاريخ أن الأجانب (وفود رسمية أو سياح ترافقهم الوكالات السياحية) مولعون بهذا التاريخ الفريد من نوعه والممتد عبر أغوار الزمن، حيث بدأ مع تاريخ البشرية .

بالمتحف خمس مراحل تم تعزيزها سنة 2014 بجناح الجيش الوطني الشعبي (فترة ما بعد استرجاع السيادة الوطنية سنة 1962) سليل جيش التحرير وهو جناح موجه في الأساس للشباب للتعرف على تاريخ هذه الهيئة السيادية وأيضا اكتشاف الإمكانيات المعروضة من دراسة وتكوين وبحث علمي وصناعة عبر مختلف المعاهد والورشات ذات الكفاءة العالية وقيادات القوات بغية اعتناق الحياة العسكرية.

تنطلق الرحلة من  الطابق الأرضي، حيث عرضت صور مختلف الرؤساء الذين حكموا الجزائر منذ 62 وكذا مجسمات لقادة جزائريين عظماء منهم الأمير عبد القادر والرايس حميدو وعبد المؤمن بن علي وغيرهم.

في الطابق الأرضي أيضا عرضت الهدايا التي قدمها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، للمتحف منها النياشين والسيوف وغيرها.

غير بعيد، يظهر جناح الرئيس الراحل هواري بومدين وكل ما فيه تقريبا هبة من حرمه السيدة أنيسة بومدين ضم صوره ووثائقه وحقائبه ولباسه المدني والعسكري ومصحفه وسلاحه وأقلامه وهداياه التي تسلمها من زعماء العالم وحتى سيارته السوداء "لا ديياس" التي جذبت الجمهور ليتذكر الأيام الخوالي بعزة وافتخار.

يعرض المتحف بتسلسل تاريخ الجزائر عبر مختلف العصور مستخدما أرقى وسائل العرض فنجد المجسمات والنماذج (معارك مثلا) والصور والوثائق والمخطوطات والخرائط وغيرها.

دليل مجسد للمؤسسة العسكرية

دشن في سنة 2014 جناح من طرف الفريق أحمد قايد صالح بمناسبة ستينية الثورة وقد خصصت فيه قاعة لقيادة أركان الجيش، علما أنه في أوت سنة 1962 صدر قرار بتأسيس الجيش الوطني الشعبي الذي كان قبل الاستقلال جيش التحرير الوطني، وبالمناسبة علقت صورة عن مراسم رمزية لتسلم الراية من جيش التحرير إلى الجيش الوطني الشعبي، تضمن الجناح أيضا صورا ومعلومات عن أنشطة (استقبال الوفود وتقليد الرتب والإشراف على تخرج الدفعات وغيرها) وزراء الدفاع منذ الاستقلال أي منذ الراحل بومدين، كذلك الحال مع رؤساء الأركان، ابتداء من الراحل بومدين إلى طاهر الزبيري ثم بولوصيف وغيرهم ثم الأمناء العامون لوزارة الدفاع الوطني من عبد القادر شابو إلى بولوصيف إلى قاصدي مرباح وصولا إلى زناخري محمد.

خصصت قاعة من هذا الجناح للحرب العربية - الإسرائيلية ومشاركة الجيش الجزائري (أربعة ألوية) فيها بالسلاح وبالتضحيات، حيث استشهد العشرات من الجنود، حيث وهب الجيش كل معداته لمصر حين مغادرته لها، وهناك صورة للفريق قايد صالح الذي كان ملازما أول (صورة له سنة 1968 يؤطر الجنود كرئيس فيلق مدفعية )، كذلك صورة الراحل عبد الرزاق بوحارة، وذلك على مختلف الجبهات المصرية ومن بين الصور أيضا مراسم دفن شهداء الجزائر في هذه الحرب أقيمت بأرض الوطن.

كما علقت بنفس الجناح الأوسمة والتشريفات التي تحصل عليها الجيش الجزائري عقب الحرب ومن ذلك وسام "النجمة" العسكرية الذي قدمه الرئيس الراحل أنور السادات في 24 جوان 1975 للجيش الجزائري.

يعطي هذا الفضاء المخصص للجيش الوطني الشعبي من خلال أجنحته صورة شاملة عن هذه المؤسسة ومهامها العسكرية والمدنية والعلمية وغيرها.

يوجد بالجناح حيز مهم للقوات البرية وهي أكبر القوات بمجموعة أسلحة منها  المدفعية والمدرعات وسلاح النقل والمشاة وغيرها كذلك اللباس الذي يتماشى ومهمات التدخل من ذلك بذلة الصحراء، وهناك هندسة القتال والألغام وسلاح الحروب الإلكترونية.

أما القوات البحرية فهناك صور ومجسمات للبواخر العسكرية، وصورة تذكارية لاسترجاع القاعدة البحرية بالمرسى الكبير بوهران، أما القوات الجوية فلها مهامها ومن ذلك مهام قيادة قوات الدفاع الجوي عن الإقليم مع عرض مختلف أنواع أجهزة الرادار وعمليات المطاردة الجوية وكذا مهام البحث والإنقاذ.

بالنسبة للدرك الوطني فالمهام لا تقل أهمية خاصة فيما يتعلق بحفظ النظام العام خارج المناطق العمرانية، كما تم التعريف أيضا بالحرس الجمهوري.

في الطابق العلوي المخصص أيضا للجيش، يتم التعريف بمختلف المديريات منها مثلا المديرية المركزية للعتاد والمديرية المركزية المعتمدية، ويكتشف الزائر بعض نشاطات الجيش منها التخييم والمأكل (وجبات باردة تعرف بعدّة المقاتل وكذا مأكولات أخرى)  وهناك المديرية المركزية للإشارة والصحة العسكرية والصناعات العسكرية والشراكة مع الخارج منها ألمانيا والإمارات فيما يتعلق بصناعة الأسلحة أو بعض التجهيزات مما يتيح للمؤسسة فرصة الاستقلالية، كما يساهم الجيش في التشغيل بتوفير مناصب العمل عبر مختلف جهات الوطن من خلال وحداته الصناعية.

توجد أيضا مديرية الاتصال والإعلام والتوجيه التي انطلقت مهامها إبان الثورة بما كان يعرف بالمحافظة السياسية، وطبعا حضرت أنشطة أخرى منها النشر وكذا المجال الرياضي الذي توج بنيل كأس العالم في كرة القدم (البطولة العسكرية).

يلتفت الجيش أيضا لجيل الغد الذي يمثل الامتداد والاستمرارية وذلك من خلال مديرية أشبال الأمة التي فتحت مدارسها عقب الاستقلال بإشراف الراحل بومدين وكان أغلب المنخرطين من أبناء الشهداء، وهذه المدارس الآن تضمن أرقى مستويات التدريس والتكوين العلمي وقد أبرم الجيش اتفاقيات مع وزارة التربية الوطنية وهي تحصد حاليا نسبة نجاح 100 بالمائة في نتائج البكالوريا.

المتخرجون من هذه المدارس يواصلون غالبا في المدرسة الوطنية التحضيرية لدراسات مهندس ثم المدرسة العسكرية متعددة التقنيات وفي المتحف عرضت مجسمات مشاريع التخرج وهنا يسهب المعرض في تقديم الإنجازات والمهام العلمية خاصة في المنظومة الرقمية الحديثة، كما يوجد المركز الوطني للأرشيف العسكري والمعهد الوطني للخرائط والكشف عن بعد للمجال البري بوسائل متطورة وصولا إلى مديرية الخدمة الوطنية.

تلاحم الجيش مع المجتمع

يحضر الجيش في مختلف المهام، ابتداء من السد الأخضر والقرى الفلاحية والسكك الحديدية وطريق الوحدة الإفريقية إلى تدخل الجيش أثناء الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل وانقطاع الطرقات شتاء بسبب الثلوج وغيرها، وهذا القرب من المواطن يعكس عمق العلاقة بالمجتمع وفي هذا الإطار يعمل الجيش  أيضا على ترسيخ العمق التاريخي من خلال الأبواب المفتوحة التي تخصص لتظاهرات تخلد المناسبات الوطنية فمثلا تقام بالمتحف فعاليات معرض تاريخي يمتد لشهر تخليدا لمجازر 8 ماي 45 بمشاركة 43 جمعية ومدرسة، وزاره في أيامه الأولى أكثر من 4 آلاف تلميذ  وهناك أيضا قاعة للسينما تعرض الأفلام التاريخية وهي مفتوحة للجمهور ولنشاطات الجمعيات وهناك مكتبة بحوالي 8 آلاف عنوان وفي الأفق أيضا مشاريع خاصة ببعض المرافق منها الكافيتيريا وبيع الهدايا التذكارية.