معرض مفصل يحتضنه قصر الثقافة مفدي زكريا

رحلة الموسيقى العربية "من المقام إلى النوبة"

رحلة الموسيقى العربية "من المقام إلى النوبة"
  • 1307
د. مالك/ وكالات د. مالك/ وكالات

يعود معرض تاريخ الموسيقى العربية "من المقام إلى النوبة" بقصر الثقافة مفدي زكريا بالجزائر العاصمة، بعد توقف دام شهرا، يوم 4 سبتمبر الجاري، ويتواصل إلى 15 أكتوبر المقبل. ويروي المعرض فصولا من تاريخ الموسيقى العربية والموسيقى الأندلسية التي لاقت اهتماما واسعا في دول المغرب العربي.

يضم المعرض في داخله كمّا هائلا من المعلومات والأدلة، ويتيح فرصة للتعرف على مختلف جوانب الموسيقى المرتبطة بأصالة وتراث مدينة الجزائر البيضاء، كما يعكس المعرض مسار ثمان مائة سنة من إبداعات الموسيقى العربية، عبر فضاء تفاعلي ثري ينطلق من الحجاز، مرورا بالأندلس، وصولا إلى المدارس المغاربية للموسيقى.

رحلة المعرض تشمل محطات تاريخية مهمة في تطور الموسيقى العربية، ويستعرض المعرض الذي يحمل عنوان "من المقام إلى النوبة"، الروابط التي نسجتها الموسيقى العربية الكلاسيكية حول هذه البنية النغمية المشتركة. وينقسم المعرض إلى عشرة فضاءات تبحر في ذكريات نجوم الغناء العربي ممّن أدّوه ببراعة، وتضع الزائرين في صورة رحلة التطور التي مرّت بها آلة العود قبل أن تصل إلى شكلها الحالي. كما تسرد المساعي المتباينة التي عملت على تدوين هذا الإرث الموسيقي؛ من خلال إعادة التذكير بالمدارس الموسيقية في المشرق والمغرب، فضلا عن فتحها المجال أمام الجمهور للتعرُّف على الجمعيات الموسيقية الجزائرية القديمة وامتداداتها الروحية.

عند مدخل المعرض اصطفت صور ضخمة لأعمدة الغناء العربي (فيروز، صباح فخري، أم كلثوم، وديع الصافي، محمد عبد الوهاب، وردة الجزائرية، عبد الوهاب الدوكالي.. إلخ)، وكأنها ترحب بالزوار وتدعوهم إلى خوض رحلة اكتشاف الموسيقى العربية عبر تاريخها الطويل.

في فضاء "تاريخ الموسيقى العربية" نكتشف أولى المحاولات الإيقاعية التي قامت حول الشعر الجاهلي في الحجاز، خلال مرحلتي الخلافتين الأموية والعباسية، وكيف بلغت المقام المكتمل في بغداد والنوبة الأندلسية والمغربية. وهناك شخصيات أساسية لعبت أدوارا مهمة منذ حادي العيس، عاشق العناء، حتى الخليفة العازف، مرورا بالقيان والشعراء والعلماء ممن غنوا حكاية المقام المثيرة.

أما فضاء "عبر الزمن" فيأخذنا في رحلة تتبّع لعدد من المراحل والشخصيات الأساسية التي ساهمت في تطور الموسيقى العربية منذ فترة ما قبل الإسلام حتى مطلع القرن العشرين، حيث نقرأ أسماء خالدة مثل مضر بن نزار، وحسان بن ثابت، وإبراهيم الموصلي، والكندي، وزرياب، وابن سينا، والأصفهاني، وابن باجة، والتيفاشي، وميشال مشقة.

ويتتبّع فضاء "مؤتمرات الموسيقى العربية" أهم المحطات التي ساهمت في حفظ التراث الموسيقي العربي، حيث تطرق لمؤتمرين أساسيين شكّلا الأسس الأولية لوضع حصيلة للموسيقى والغناء العربيين، وعملا على حفظ هذا التراث بالتسجيلات.

ففي سنة 1932، خلص مؤتمر القاهرة بمصر إلى تبنّي ربع المقام، ليُدرَج بذلك ضمن الموسيقى العالمية.

وفي سنة 1939، واصل مؤتمر فاس بالمغرب التفكير في عرض مقاربات فنية، ليكتمل الإثراء بإنشاء مجمع الموسيقى العربية سنة 1971.

ومن الفضاءات المهمة أيضا التي ضمّها معرض "من المقام إلى النوبة"، فضاء "تدوين النوبة في المغرب العربي"، وفيه تخطيط زمني، يعيد رسم تاريخ تدوين الموسيقى الكلاسيكية القديمة في المغرب العربي.

وبين التدوين والنشر كانت هناك العديد من الطرق المتاحة، أولها الشفاهة، ثم وضع العلامات وكتابة النوتات، قبل أن تجيئ الأسطوانة ذات 78 لفة، ثم الإذاعة والتلفزيون، وصولا إلى المرحلة الرقمية الحالية.

وتبدو الجزائر، وسط كلّ هذا الزخم، كما لو كانت قارة موسيقية من خلال المعلومات التي وفّرها الفضاء المسمى "الموسيقى العريقة"، حيث تأثرت الموسيقى التي تتوفر على تراث غني بهذا الثراء الثقافي، فكانت "المقامات"، وهي ميراث الموسيقى العربية، رافدا أغنى تلك الموسيقى الروحية المنتشرة عبر الكثير من مناطق الجزائر، خاصة الصحراوية منها، كالحضرة بمنطقة عين صالح، والعيساوة بمنطقة تقرت، والديوان بمنطقة بشار.

ويوفر الجناح الذي خصصه المعرض لاقتفاء رحلة "تطور العود"، مادة غنية للباحثين وطلبة الموسيقى، فضلا عن الجمهور العادي. والعود، كما هو معروف، كان منذ القرن السادس الهجري وعلى مدى قرون طويلة، متوَّجا لدى أهل الحجاز على أنّه "سلطان الآلات".

وقد شهدت هذه الآلة الموسيقية الوترية سلسلة من التطورات بداية من البربط الفارسي. كما إن للعود العديد من المدارس والأشكال مثل أشكاله الأوروبية، وتلك التي عُرف بها في بلاد المغرب من عود عربي و«كويترة".

وفي فضاء "المقامات والطبوع" يتعرف الزائر على المعنى الحرفيّ لهذه المصطلحات، وهو "الميزة" أو "الخاصية". كما يتعرف على أشكالها التي هي أقل تنوعا من الأوزان العربية التركية، وهي توافق أحيانا القلب إلى وزن آخر. كما شهدت تهجينا وقع عليها خلال القرون الأربعة عشرة بين مشرق العالم العربي ومغربه. وإضافة إلى كلّ تلك الفضاءات، بإمكان الجمهور أن يستمتع بأفلام حول "نوبة مدارس الجزائر"، وهي أفلام من الأرشيف الوطني حول الموسيقى العربية الأندلسية بمدارسها الجزائرية الثلاث: الجزائر وقسنطينة وتلمسان.

وأنجز القائمون على هذه التظاهرة الثقافية فيلما كارتونيا (رسوم متحركة) يستعرض تاريخ الموسيقى العربية عبر مسيرتها الحافلة.