الفروسية تنتعش في الأوراس ..

تقنين نشاط الفنتازيا لتجنب الحوادث المميتة

تقنين نشاط الفنتازيا لتجنب الحوادث المميتة
  • القراءات: 1974
حكيم حكيم

عادت الفروسية والفنتازيا بالأوراس خلال السنوات الأخيرة بقوة، لتستعيد بذلك مجدها وسحرها من خلال إضفاء الطابع التقليدي على الأعراس ومختلف التظاهرات في مظاهر يطبعها الاستمتاع برقص الخيول والفرح والفرجة، لتؤصل بذلك لموروث تقليدي هام بعد تراجع دام سنوات، إلا أن هذا النشاط أصبح بحاجة إلى ضبط قواعد ممارساته وتقنينه، لا سيما مع مخاطر حمل السلاح غير المرخص وكثرة الحوادث التي باتت محل تساؤلا ت في كل مرة.

ترجع أسباب انتعاش هذا الموروث الثقافي الجميل من جديد وبشكل غير متوقع ـ حسب عدد من المهتمين ـ إلى اهتمام  شباب الجيل الجديد الكبير به وتطويره، من خلال تأسيس عشرات الجمعيات الثقافية المختصة في هذا الميدان على مستوى الولاية بمعدل أكثر من جمعية واحدة في كل بلدية، أهمها جمعية بريكة للخيالة والبارود، جمعية جبل ملحم للبارود والخيالة تالخمت، جمعية نقاوس، وكذا جمعية شيليا للبارود والخيالة، جمعية البارود والخيالة فاروق ويوسف، الجمعية الأوراسية للفنتازية، الأوراس ثقـافـة وتراث للخيالـة والبـارود القليدي، فرع أشبال الأوراس للبارود التقليدي، جمعية أولاد دراج للخيالة والبارود وجمعية ازلماظن للخيالة والبارود بباتنة، بالإضافة إلى فرقة بريكة لألعاب البارود والخيالة والأفراح والمناسبات.. الخ. مما دفع بالمسؤولين القائمين على قطاع الشباب والرياضة التفكير في إنجاز مركز ضخم للفروسية والسباقات بمواصفات جد عالية ويحتوي على كل المرافق الضرورية واللازمة بغرض تثمين الجهود القائمة وتشجيع هذا النوع من النشاط أكثر. وقد تحقق ذلك بالفعل ببلدية جرمة،  القريبة من مقر الولاية، بالإضافة إلى مركز تربية الخيول الكائن ببريكة.

لأنهم يجدون في هذا الفن ما يظهر رجولة الفارس الذي لا يقهر وسط هالة عنفوان قوة السلاح وجموح الفرس وفي التفاخر والتباهي ورمزا للانطلاق والتحرر من كل القيود لحظات الانطلاق وهواية في تحقيق المتعة والتسلية وإشباع رغبة جامحة تسكنهم، وهم يعبرون عن فرحتهم وافتخارهم وهم يمتطون بسرعة صهوة جيادهم البربرية والعربية الأصيلة المزينة، الراقصة تحت أنغام القصبة والبارود وزغاريد النسوة، وهم يحملون بنادقهم التي يعطر بارودها الأجواء المعفرة بالغبار الذي تثيره حوافر الخيل، مجسدين بذلك أدوارا تاريخية بأسلوب مثير، كون الفانتازيا تتمتع بشعبية واسعة في أوساط مختلف فئات المجتمع الجزائري.

كما أن الحراك في المشهد الثقافي والسياسي خلال السنوات الأخيرة ـ حسب بعض من رؤساء الجمعيات المهتمة - وتحسن الوضع الاجتماعي كثيرا، سمح هو الآخر للكثير بإيلاء الاهتمام بتربية الخيول بشكل غير منتظر، كما كان له دور كبير في تشجيع البعض الآخر على اقتحام عالم الفروسية وتعلم فن الفنتازيا كون هذا النشاط أصبح يدر مداخيل كبيرة لبعض الجمعيات وفرق البارود،  خاصة التي وجدت فيه الكسب السهل والسريع.

إلا أن مشاكل عديدة باتت تقف في وجه هذه الجمعيات باستمرار في غياب البديل، يختصرها بعضهم لـ«المساء"، كون نشاطهم يرتكز على استعمال البنادق التقليدية غير المرخصة، لاسيما المقطوعة الماسورة من نوع – قرافوزي – مما يتسبب في حجزها ويعرضهم للتوقيف وإخضاعهم للتحقيقات وتقديمهم للجهات القضائية مع كل مناسبة تقريبا، بسبب ما يعرفه هذا النشاط من حوادث وتعريض حياة الناس للخطر وعرقلة حركة المرور من خلال إطلاق البعض العنان للبارود والمبالغة في استعماله بداع يراه فنيا، لكنه يتحول بفعل العشوائية إلى حوادث مميتة، نظرا لقلة تجربة وخبرة الكثير منهم وسوء تقدير أعضاء فرق البارود في كثير من الأحيان لخطورة الحركات والألعاب الفنية التي يقدمون عليها إرضاء للجمهور وتحقيقا للمتعة والفرجة خلال مواكب الزفاف في أحياء المدن خاصة وعبر الطرق، مما يستوجب التفكير في إيجاد حلول نهائية وتسوية قانونية لهذا الإشكال.   

من جهته، يرى السيد عبد الحميد مسوس، رئيس جمعية أشبال الشاوية للخيالة والبارود الرحبات التي تأسست سنة 2011 والتي ساهمت هي الأخرى في بعث هذا النشاط، والذي يتقاسم رأيه مع آراء من التقيناهم من مربي الخيول، أن جمعيات الخيالة والبارود تواجه وفي غياب الدعم المالي الكثير من المشاكل، لأن هذا النشاط مكلف جدا، لاسيما مع ما تتطلبه تربية الخيول من اهتمام خاص ورعاية مستمرة، إلى جانب الأعباء الكبيرة الناجمة عن تربية الخيول، خاصة من ارتفاع أسعارها في الأسواق، حيث تفوق الـ20 مليون سنتيم، زيادة على مصاريف تغذيتها الكبيرة.. الخ. يواصل قائلا: "إضافة إلى مشاكل أخرى تكمن في صعوبة ومخاطر اقتناء مادة البارود من مصادر غير مرخص بها كذلك أو من خلال مختلف الجمعيات فيما بينها خلال الأعراس والحفلات، حيث يتم ذلك بطرق غير شرعية، مما يخلق لنا إحراجا باستمرار أثناء تنقلاتنا للمشاركة في إحياء الأعراس والحفلات في كل مرة في غياب فواتير من شأنها تبرير حمل الذخيرة الحية، خلال نقاط المراقبة وعمليات التفتيش الأمنية ونفس الشيء في غياب التراخيص بحمل السلاح، والتي تنتهي دوما بتقديمنا أمام المحاكم في كل مرة كون معظم الأسلحة التي يحملها عشاق الفنتازيا ذات طابع تقليدي توارثته الأجيال أبا عن جد، ولم تستطع هذه الجمعيات تسوية وضعيتها غير القانونية والحصول على ترقيم لها من طرف مصالح الولاية، كما أن اقتناءها – أي الأسلحة – رغم قلتها وإصلاحها هو الآخر يتم بصعوبات كبيرة أمام انعدام مصادر البيع، خاصة مع غياب الورشات التقليدية لصناعتها والتي كان يشرف عليها أشخاص خلال الثورة التحريرية خصوصا ومشاركة الجزائريين في الحرب العالمية الثانية وفي مختلف حركات المقاومة، في امتلاكهم الخبرة الكافية لصناعة مختلف أنواع السلاح وكذا الذخيرة المخصصة للحرب، والتقليدية الموجهة لإحياء الأعراس، مما يدفعنا في كل مرة إلى استلافها من فرق أو جمعيات أخرى خلال المشاركة في الأعراس وفي مختلف التظاهرات.   

وأمام هذه الوضعية المقلقة، باتت العامة تطالب السلطات الولائية بمنع استعمال البارود إلا وفق ضوابط محددة، وهو ما أشار إليه الكثيرون في حديثهم لـ«المساء"، وهو ما تتقاسمه معهم كذلك المصالح الأمنية التي تجد نفسها في كثير من الأحيان محرجة في تطبيق القوانين التي عادة ما يتحتم عليها اعتماد المرونة في مسايرة هذا الواقع الاجتماعي لعدم إفساد أفراح الناس، بينما تبقى هذه الجمعيات تنشط باستعمال سلاح تقليدي خارج القوانين وهو ما يضع هذه المصالح أمام تحد آخر، وهي التي تواجهها تحديات أخرى، لاسيما في هذه المرحلة، من خلال محاربة السلاح غير المرخص، خاصة القادم منه من وراء الحدود.