بيطام/ باتنة

المجاهدون يطالبون بالكشف عن مستشفى جيش التحرير

المجاهدون يطالبون بالكشف عن مستشفى جيش التحرير
  • القراءات: 1535
 حكيم حكيم

لايزال مجاهدو بلدية بيطام بباتنة يطالبون منذ أكثر من 25 سنة، المسؤولين بالتفاتة خاصة من خلال تخصيص مشروع يمكّن من انتشال مستشفى جيش التحرير من تحت الردم والتنقيب عليه وتهيئته وإقامة طريق معبّدة ووضع إشارات تعريفية له؛ من شأنها الكشف عن أهمية هذا المعلم التاريخي الذي يرجع إلى الفترة الاستعمارية وتحويله إلى قبلة سياحية يستفيد منها الباحثون ويكون عبرة للأجيال.

يُعد المستشفى المتواجد بمنطقة النكبة على بعد 05 كيلومترات من بلدية بيطام، عبارة عن سبعة مراكز صحية مطمورة تحت الأرض حتى الآن، تم إنجازها تحت أقدام العدو من طرف مجاهدي المنطقة خلال الثورة التحريرية ما بين 1957 و1958 قصد فك الخناق عن الثورة وتخفيف الضغط عن المناطق الجبلية المستهدفة من جهة، ومن جهة أخرى توزيع الوسائل والقوات عبر مناطق الولاية الأولى الأوراس النمامشة، والذي يبعد الواحد عن الآخر مسافة 03 كيلومترات كاملة، يتم من خلاله علاج المرضى وإجراء العمليات الجراحية للمصابين من كل النواحي والولايات المجاورة، بالإضافة إلى اتخاذ بعض المراكز منه لإصلاح الأسلحة وخياطة الألبسة الخاصة بجيش التحرير وتخزين المؤن وحفظ الوثائق الثورية، ومنه ما خُصص لحجز الأسرى من قوات العدو والمشتبه فيهم.

وقد بادرت قسمة المجاهدين ببلدية بيطام دائرة بريكة، بمساعدة السكان وبإمكانياتهم المتواضعة مع مطلع التسعينات، بمحاولة إيجابية تمثلت في إجراء حفريات مكنت من الكشف عن إحدى هذه المراكز الطبية السبعة التي ظلت مطمورة منذ الاستقلال، وذلك بعد إزاحة الرمال عنه. كما تم الكشف عن آخر في وقت لاحق. ويتم التسلل إلى المركز عبر فتحة صغيرة تسمح بمرور شخص واحد إلى الداخل من خلال سلّم ترابي ينتهي برواق ضيق، يتفرع إلى ثلاث غرف صغيرة نُحتت بارتفاع وقوف الشخص، وعلى جانبيها أسرّة وأماكن للجلوس كالكراسي، لكنها من صخر كلسي مقاوم مفتوحة على رواق مدعم بمنافذ خاصة للتهوية مغطاة بنباتات شوكية بإحكام حتى لا تظهر للعيان. وقد عُثر داخلها على بعض أدوات العلاج المستعملة آنذاك، منها حقن وشاش وقنينات، مما يحتّم تفكيرا جديا لحمايته من الانهيار بفعل العوامل الطبيعية.

وحسب شهادة المجاهد بوجمعة عيساني أمين قسمة المجاهدين لبلدية بيطام، فقد تم إنجاز هذا المستشفى في سرية تامة من طرف فريق "الجيني" بالمنطقة، والتي تولى مسؤوليتها المجاهد بريش بلخير المكلف إلى جانب مجموعة من المجاهدين والفدائيين، من بينهم محمد عقوني، الذي شارف الآن على العقد التاسع وناصر عيسى وناصر محمد، الذين حفروا هذه المواقع بطريقة تمويهية على أرض منبسطة في منطقة شبه صحراوية شاسعة، حيث باشروا عملية الحفر تحت بيت من الشعر للتمويه من الطائرات الاستكشافية. وفي ظلمة الليل للإبقاء على السر وتحت حراسة مشددة لا يسمح بالاقتراب منها مساء بعد مغيب الشمس، كون العملية محفوفة بالمخاطر، بحيث يجري إخفاء الأتربة الناجمة عن عمليات الحفر تحت الكثبان الرملية حتى لا يُكتشف الأمر. 

ومن أجل محو آثار الأقدام عن المسالك الرملية يتم التنسيق مع الرعاة، وذلك بتمرير قطعان الماشية، إضافة إلى استعمال مخلفات الإبل والماعز وبعض المواد والسوائل التقليدية التي تحول دون تمكين كلاب العدو من شم رائحة الأتربة الجديدة، ومنه كشف المكان.

وقد أكد الشهود أن هذا المستشفى لم تطأه أقدام المستعمر الفرنسي، ولم تتمكن عيونه من كشفها خلال الفترة الاستعمارية إطلاقا رغم المحاولات العديدة التي باءت كلها بالفشل، وذلك بالنظر إلى تواجده بمكان آمن تحت الكثبان الرملية المتحركة بمنطقة النبكة بمشتة أولاد جحيش المكسوة بالحلفاء ونباتات صحراوية أخرى، وهي منطقة آهلة بالعقارب والأفاعي، وكان سكانها آنذاك أغلبهم من البدو الرحّل.

للإشارة، فقد قامت البلدية في السنوات الأخيرة، حسب موسى بودراس، الأمين العام للبلدية "بإنجاز معلم تاريخي بالمكان الذي يمثل بحق ورقة حية من الذاكرة التاريخية لهذه الأمة ضد أعتى قوة استعمارية، يخلّد هذا الإنجاز العظيم، وأقامت سياجا يحفظ معالمه ويطلع الزوار من أجيال الاستقلال على أسراره المدفونة، ويكشف لهم عبقرية الثورة"، ولكن تبقى هذه التحفة الفنية، حسب أمين قسمة المجاهدين، تنتظر مبادرة من الجهات المعنية، وذلك من خلال تخصيص مشروع لمسح المكان والكشف عن المراكز المطمورة الخمسة المتبقية، وانتشالها من تحت الردم والنسيان، سيما مع وقوعها في منطقة صعبة تتحدى زحف الرمال في غياب الإمكانيات.