في أول اقتراع سرّي ينظمه “الأرندي”

أويحيى ينتخب بالإجماع

أويحيى ينتخب بالإجماع
  • القراءات: 782
مليكة خلاف مليكة خلاف

فاز السيد أحمد أويحيي، بالأغلبية الساحقة، بمنصب الأمانة العامة للتجمع الوطني الديمقراطي خلال المؤتمر الاستثنائي للحزب المنعقد أول أمس بفندق الأوراسي، بـ 1513 صوتا مقابل 21 صوتا فقط لمنافسه بلقاسم ملاح، وذلك في أول عملية انتخابية ينظمها "الأرندي" في تاريخه عبر الاقتراع السري. الكلمة الافتتاحية لأويحيي الذي شغل منصب الأمانة العامة بالنيابة منذ ماي 2015 خلفا للسيد عبد القادر بن صالح المستقيل، حملت أبعادا سياسية واقتصادية واجتماعية، عكست الاستراتيجية المستقبلية للحزب في التعاطي مع الملفات الوطنية فيما يتعلق بالتنمية من باب الالتزام بتطبيق برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة؛ باعتبار "الأرندي" من بين مسانديه شكلا ومضمونا، وبكونه طرفا في الحكومة.

 هذا الالتزام فضّل أويحيى تجديده أمام الوزير الأول السيد عبد المالك سلال الذي حضر الافتتاح إلى جانب عدد من أعضاء الطاقم الحكومي، فضلا عن رئيس المجلس الشعبي الوطني ولد خليفة والأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد وعدد من رؤساء وممثلي التشكيلات الوطنية، في حين لم يتسنّ لرئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح الالتحاق بهذه الجلسة الافتتاحية، لتكفّله بمراسم توديع رئيس كوت ديفوار بالمطار في آخر يوم من زيارته لبلادنا. كما أبى الأمين العام الجديد إلا أن يضفي الطابع الوطني الشامل على كلمته خلال افتتاح المؤتمر، الذي يأتي بعد 30 شهرا من انعقاد طبعته الرابعة، رافضا أمام 1600 مناضل حضروا من مختلف الولايات من بينهم 500 امرأة، حصره في عملية انتخابية فقط؛ من منطلق أنه لا يمكن تجاهل "القفزة النوعية التي حققتها الجزائر في تعزيز وحدة شعبها وترسيخ الحريات والديمقراطية والرقيّ بالحكامة إلى مستويات أعلى" من خلال التعديل الدستوري الأخير. 

 أويحيي الذي حرص على إضفاء النوعية على الأشغال، أكد أهمية الخروج بقرارات  ومواقف متكيفة مع المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها الجزائر ومحيطها الإقليمي، وهو ما يستوجب - كما قال - اتخاذ قرارات بشأن المشروع السياسي للحزب، بما "يعبّر عن الحيوية السياسية والروح الديمقراطية" التي تطبع التشكيلة،  وتؤسس لقرارات تتكيف مع المستجدات الراهنة. الأمين العام للأرندي ذكّر بمواقف الحزب خلال الأزمة العصيبة التي مرت بالبلاد، مشيرا إلى أن مواقفه تجعله في الطليعة السياسية في مجابهة تحديات البلاد، لاسيما مع انخفاض أسعار النفط وما انجر عنها من فقدان الجزائر 70 بالمائة من مداخيلها، مؤكدا ضرورة اتخاذ إجراءات للحفاظ على التوازنات الكبرى. كما أشار إلى أن المسألة ينبغي أن تشمل العمل الميداني لإقناع المواطنين بضرورة مواجهة هذه التحديات.

 أويحيى خلافا للمرات السابقة، اعتمد الهدوء واللين في خطابه، بدعوته إلى الابتعاد عن الشعبوية في التعاطي مع القضايا الوطنية، معلنا دعمه الكلي لجهود الحكومة ودعم التنمية، كما خفّض من لهجته تجاه المعارضة في سياق مطالبته الجميع بالالتفاف حول المصلحة العليا للبلاد.   غير أن التخوفات من آثار الصدمة النفطية من شأنها أن تعطي دفعا جديدا للبلاد من باب أن "الأزمة تلد الهمة"، حيث عبّر السيد أويحيى عن اقتناعه بأن الأزمة من شانها أن تعطي دفعا جيدا للجزائر من أجل التحرر من تبعية النفط، وللوقوف إلى جانب المطالب الاجتماعية في إطار تعزيز الالتزام الوطني في خدمة جزائر نوفمبرية. حزبيا، أعرب السيد أويحيى عن أمله في أن يسترجع التجمع الوطني الديمقراطي استقراره الكلي بفضل تغليب سياسة النقاش واحترام آراء الأغلبية، المعبّر عنها بصورة ديمقراطية مع إحداث القطيعة مع كل أشكال ديكتاتورية الأقلية.

  كما ذكّر في هذا السياق، بالتزامه بالتعاون مع بقية التشكيلات السياسية، مشيرا بشكل ضمني، إلى حزب جبهة التحرير الوطني، الذي اكتفى بإيفاد ممثله عضو المكتب السياسي أبو الفضل بعجي، إلى المؤتمر، في وقت كان الجميع يعتقد أن سعداني قد يحدث المفاجأة بدخوله القاعة، لكن يبدو أن هذا الأخير لن يغفر لأويحيى عدم حضوره مبادرة الجدار الوطني للأفلان نهاية شهر مارس الماضي انطلاقا من مبدأ المعاملة بالمثل. وتضمنت كلمة أويحيي إرادة لإرساء التقارب مع باقي أحزاب الأغلبية أيضا، لتكريس علاقات أقوى وتشاور أوسع يصب في خدمة البلاد، في سياق بناء رؤية جديدة.    أويحيى مد يده أيضا لبقية أحزاب المعارضة لفتح نقاش سياسي معها حول أي مشروع أو مبادرة تحترم الدستور ومؤسسات الدولة، للتصدي للمحاولات الدنيئة التي تلجأ إليها بعض الأطراف على المستوى الداخلي؛ من أجل المساس بالوحدة الوطنية، مستندة في ذلك إلى روابط تجمعها بالخارج، والتي "تأكدت مؤخرا علاقتها بالمشؤوم برنار هنري ليفي الذي كان وراء تدمير ليبيا". 

 الأمين العام للأرندي استعرض أيضا في مداخلته، مختلف المراحل التي مرت بها تشكيلته السياسية منذ تأسيسها سنة 1997، مشيرا إلى أن التجمع تبنّى منذ عودة السلم والاستقرار سنة 1999، مجموعة من الخيارات السياسية التي تصب كلها في خدمة الوطن، وفي طليعتها الدعم المستمر لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.  أما منافس أويحيى بلقاسم ملاح الذي بدا عليه الارتياح في افتتاح الأشغال، فقد أكد في تصريح للصحافة، أنه مهما كانت نتيجة الاقتراع في المؤتمر الاستثنائي فإنه يعتبر نفسه منتصرا؛ كونه فرض التعامل بمبدأ الاقتراع السري المباشر بعد أن كان الحزب متعودا في السابق على سياسة التزكية والتصفيق ورفع الأيدي، مشيرا إلى أن ذلك يعد انتصارا يُحسب له. للإشارة، كان المؤتمرون قد صادقوا على تقرير لجنة مراجعة القانون الأساسي للحزب، الذي "قرر عدم اعتبار المؤتمر الحالي استثنائيا"، كما تمت المصادقة على تشكيلة لجان المؤتمر وتقرير لجنة إثبات العضوية، فضلا عن انتخاب أعضاء المجلس الوطني من طرف مندوبي الولايات ومقاطعات الجالية في الخارج، ثم المصادقة على اللوائح السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذا انتخاب المجلس الوطني. وستُختتم أشغال المؤتمر صبيحة اليوم. 

فيما غاب عنصر المفاجأة

أويحيى يُسكت خصومه بالأغلبية الساحقة

 أسكت السيد أحمد أويحيى الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، خصومه ومناوئيه الذين شنوا ضده حملة ضد عودته إلى أمانة الحزب؛ باعتماده طريقة الاقتراع السري التي فاز بموجبها بالأغلبية الساحقة، مما يثبت أنه يظل الرجل القوي للأرندي، هذا الاكتساح سيعطيه أريحية في تسيير دواليب الحزب وهيكلته بنوع من الاستقرار. كما أن حضور وجوه كانت اختفت عن الأنظار في الجلسة الافتتاحية مثل وزير الداخلية الأسبق يزيد زرهوني، ووزير البيئة الأسبق شريف رحماني، أثار الكثير من التساؤلات حول مفاجآت قد تخبّئها "الأقدار السياسية". عنصرا المفاجأة و«السوسبانس" غابا خلال أشغال المؤتمر الاستثنائي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي؛ إذ نجح أويحيى في إغلاق باب اللعبة من أولها أمام منافسه الوحيد بلقاسم ملاح، فملامح سير الأشغال ومؤشرات اختيار الأمين العام الجديد سرعان ما انكشفت قبل بداية الافتتاح الرسمي بساعات.

كل المعطيات كانت تؤشر في البداية إلى هذا الفوز المحسوم للرجل القوي أويحيى صاحب 64 عاما، لا سيما بعد أن قام مناضلوه الذين جاءوا من مختلف الولايات، بتوزيع صور ولافتات مساندة له، وهو الذي سبق أن تولى قيادة الأرندي قبل أن ينسحب في 2012 تحت ضغط التقويميين، ليعود بعدها إلى واجهة الحزب مرة أخرى إثر استقالة الأمين العام بالنيابة عبد القادر بن صالح في 2015. أويحيى نجح في رد الاعتبار لصورته التي لطالما ارتبطت  بالمهمات الصعبة، لا سيما أن انسحابه من عهدته الثانية كانت بدون قلاقل لم تتجاوز صداها حدود مقر الحزب ببن عكنون؛ من باب قناعته بتفادي ترسيخ الانشقاقات التي لم يتعود عليها كثيرا "الأرندي".

عودة الأمين العام الجديد بقوة إلى الحزب أبت إلا أن تكون بترسيخ ثقافة جديدة في أدبيات العمل السياسي للحزب؛ من خلال إجراء الاقتراع بما يعكس الاسم "الديمقراطي"، الذي تتشكل منه تسمية الحزب. كما أن الفوز المحسوم للأمين العام الجديد أبان عنه منذ الوهلة الأولى، الالتفاف القوي للشباب الذي حضر المؤتمر حول شخص أويحيى والذين يرونه أهلا لإعادة الحزب إلى سكته، وبالتالي إجراء القطيعة مع "المرحلة المؤقتة" التي أشرف عليها خلال عام، فضلا عن محو آثار التقلبات التي عرفها خلال الأعوام الماضية. وكان أويحيى قد قطع وعدا بوضع حد للانحرافات التي دخلت بيت التجمع منذ 4 سنوات، والتي يسعى البعض لإحيائها. ما عزّز القراءة الأولية لهذا الفوز هو عدم ظهور أي أثر للمجموعة المعارضة لعقد المؤتمر، وهي التي انتقدت تحضيراته منذ البداية، في حين دوت الهتافات المساندة لأويحيى قاعة "المواقف" بفندق الأوراسي، إلى درجة أن الأمين العام الجديد شعر بالحرج أمام منافسه ملاح، حيث طلب أويحيى من المناضلين عند صعوده المنصة لافتتاح الأشغال، التقليل من التصفيقات؛ كون ذلك يدخل في إطار إضفاء الأجواء الديمقراطية العادلة.

نظرة مساندي أويحيى تنطلق من كون الرجل الخريج من المدرسة العليا للإدارة والمشهود له بحنكته السياسية من قبل القاصي قبل الداني، يظل الرجل الأنسب ليس من أجل مصلحة الحزب فحسب، بل أيضا في تفعيل أبجديات العمل السياسي في البلاد على ضوء التحديات التي تواجهها على كافة المستويات، ولعل الاستقبال المميز الذي خص به الوزير الأول عبد المالك سلال عند مدخل القاعة التي احتضنت الأشغال، تجديدٌ لإرادته في دعم برنامج رئيس الجمهورية والحكومة، التي يعد "الأرندي" طرفا فيها، مثلما جاء في كلمته. رسالة رئيس الجمهورية المهنئة لفوز "سي أحمد" مثلما يحلو للرئيس بوتفليقة مناداة رئيس حكومته السابق، لم تخلُ من أمل أن يسهم هذا الفوز في رفع التحديات الكبرى التي تواجه البلاد، لا سيما فيما يتعلق "بالتنمية الوطنية الشاملة، وضمان الحريات الأساسية، وترقية المرأة، والاعتناء بالشباب وبكل ما من شأنه أن يجعل الجزائر تنعم بالاستقرار والسلم والرقي والتقدم". 

بلا شك، فإن الرؤية البراغماتية لأويحيى في مجال التعاطي السياسي، من شأنها أن تضفي الحركة في العمل الحزبي على ضوء بعض الخلافات القائمة بين الأرندي والأفلان  من باب ترسيخ التموقع في الحلبة السياسية، وهي تجاذبات لطالما شكلت عناصر تشويق  تركز الصحافة الوطنية على نقلها بالتصريحات الابتزازية للطرفين، إلى درجة أن المهتمين يطلقون عليهما اسم "الضريرتين".  في المقابل، يرى المهتمون بالشأن السياسي أن تواجد "الأفلان" و«الأرندي" أمر ضروري في الساحة الوطنية؛ لأنهما يكملان بعضهما البعض، فقد سبق لبلقاسم ملاح المنافس الوحيد لأويحيى، أن أشار في أحد حواراته، إلى أن "الأرندي "هو "الكاركاس"؛ أي هيكل السيارة، و«الأفلان" هو "الموتور"؛ أي محركها؛ فهل يعني ذلك أنهما يتلاءمان في كل مرة، أم أن ميلاد "الأرندي" من رحم "الأفلان"، مثلما يعترف بذلك أعضاء التجمع، لا يعني بالضرورة أن يشبه الشبل ذاك الأسد.

بمناسبة انتخابه أمينا عاما لحزب التجمع الوطني الديمقراطي

الرئيس بوتفليقة يهنّئ أويحيى

 بعث رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة برقية تهنئة إلى الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي السيد أحمد أويحيى، بمناسبة انتخابه، أول أمس، أمينا عاما للحزب. جاء في برقية الرئيس بوتفليقة: "تابعت باهتمام مجريات العملية الديمقراطية التي جرت فيها استحقاقات انتخابكم أمينا عاما لحزب التجمع الوطني الديمقراطي بفوز باهر ومستحق، وهو الحزب الذي تبنّى مواقف وطنية، اتسمت على الدوام بالنزاهة والحكمة وتغليب المصالح العليا للوطن، وهذا بفضل برنامجه السياسي والاجتماعي المتجدد وخطه الوطني الصريح".

وأضاف رئيس الجمهورية: "وقد كنت على يقين من أن مناضلات ومناضلي التجمع الوطني الديمقراطي لهم من الحس السياسي والوعي ما جعلهم ينتخبونكم أمينا عاما لهذا الحزب، آملين أن يسهم فوزكم في رفع التحديات الكبرى التي تواجه بلادنا في التنمية الوطنية الشاملة، وضمان الحريات الأساسية وترقية المرأة والاعتناء بالشباب وبكل ما من شأنه أن يجعل الجزائر تنعم بالاستقرار والسلم والرقي والتقدم". وختم الرئيس بوتفليقة رسالته قائلا: "وبهذه المناسبة يسعدني أن أهنّئكم، وأن أهنّئ من خلالكم مناضلات ومناضلي حزبكم، داعيا لكم بالمزيد من التوفيق في خدمة الجزائر وشعبها ومسار التنمية".