إعلاميون يتحدثون عن التكوين:

المؤسسات فرطت في التكوين لغياب سلطة الضبط

المؤسسات فرطت في التكوين لغياب سلطة الضبط
  • القراءات: 2357
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

يجمع الإعلاميون الذين استطلعتهم "المساء" حول منظومة التكوين والرسكلة على غياب التكوين في أجندة مسؤولي المؤسسات الإعلامية،  والمفارقة أن هؤلاء القائمين على هذه الهيئات ينتظرون ويطالبون الصحافي بتوفير مادة إعلامية جيدة، نوعية ومتميزة. الخلل يبدأ من  الجامعة التي تقتصر على إعطاء الخرّيج أبجديات العمل ولا تدعمه بعمل تطبيقي ميدان جدي، ومرورا بالمؤسسات الإعلامية التي تغض الطرف عن هذا الأمر في غياب سلطة الضبط. وذهب البعض في تشخيص أبعد في أحكامهم القاسية، إلى أن الدولة تخلت عن القطاع وتركته في أيدي الانتهازيين. مستغربين نظرة أصحاب المؤسسات الإعلامية للتكوين على أنه شيء ثانوي وغير ضروري. كما يحمّل آخرون أنفسهم مسؤولية الزهد في الحصول على حقهم المشروع الذي يضمنه القانون. 

الإعلامي كمال حفاصة: “على الصحافيين واجب المطالبة بحظهم في التكوين"

لا يوجد تكوين في المؤسسات الإعلامية بالمفهوم الأكاديمي للتكوين. الصحافي المبتدئ يكتسب الخبرة بالممارسة والمثابرة والاحتكاك بمن سبقوه من رجالات الإعلام، لأنه للأسف الشديد، يتخرج من الجامعة وهو عبارة عن كتلة قابلة للاستغلال لو أتيحت لها الفرصة بين أيادي أمينة تؤمن بالنجومية الإعلامية التي لا يكتب لها ذلك إلا بالتأطير والتربصات المتتالية الداخلية منها والخارجية.

وبالنسبة لمدى التزام المؤسسات الإعلامية بتكوين الصحافي ورسكلته، أكد محدثنا أنه من خلال سنوات عمله المتواضعة التي فاقت عشرين عاما، لم يسمع بأن مؤسسة إعلامية ما أخذت على عاتقها تكوين صحافيين ليصبحوا من المحترفين..." وعليه، فمن اللائق جدا أن يطالب كل إعلامي بالتكوين، خاصة فتح فضاءات للرسكة وتربصات بالخارج. معظم رجالات الإعلام الذين نجحوا ووصلوا إلى العالمية "بتحفظ" لم يصلوا بالتكوين في الجامعة فقط، بل بالتكوين المستمر عبر سنوات العمل المتواصلة". 

الزميل حفاصة أضاف أن ما يصبو إليه رجل الإعلام عبر سنوات عمله في حقل الإعلام هو أن يصبح له اسم في عالم الصحافة، هذا الاسم لا ولن يكتب له أن يتحقق بالتمني أو بالتواكل، بل بالعمل المشترك بين المؤسسة الإعلامية والصحافي وهذا ما تفتقده جل مؤسساتنا الإعلامية سواء منها المكتوبة أو المرئية أو المسموعة أو حتى الإلكترونية.

الإعلامية فتيحة زماموش: “الجامعة تمنحنا الأبجديات والميدان يصقل المهنة"

أكدت الإعلامية فتيحة زماموش لـ”المساء" أنها مارست المهنة لأزيد من سبع عشرة سنة، ووقفت على نقطة ضعف كبيرة واجهتها في بداياتها وهي التكوين أو التدريب الإعلامي الميداني، مثلما لمسته أيضا في مجال السمعي البصري، وذكرت الزميلة أن نقص التكوين تعانيه مختلف المؤسسات الإعلامية في الجزائر والسبب واضح، أن المهنيين أو المتخرجين حديثا من المعاهد والجامعات، سواء من تخصص إعلام أو تخصصات أخرى، يجدون صعوبة في وضع أرجلهم وأيديهم في المؤسسة الإعلامية، مما يعيق عملهم في البداية، وهذا أمر طبيعي، أن الجامعة تعطينا -كإعلاميين أو حاملين لشهادات الصحافة- أبجديات الكتابة نظريا والقليل من التطبيق، والميدان هو من يصقل مهنة الصحافي. 

وتقترح الزميلة زماموش أن يتم إخضاع المتخرجين حديثا ومحبي مهنة الصحافة لتربص داخل المؤسسة الإعلامية لمدة تزيد عن ستة أشهر، وخصوصا على مستوى المؤسسات الحكومية كوكالة الأنباء الجزائرية التي - تقول محدثتنا- "أراها من باب تجربتي وخبرتي في الميدان أنها أهم مؤسسة بإمكانها أن تكوّن الصحافيين، والسبب أن الصحافي أمام التغطيات والمادة الإعلامية الخام ووضعها في برقيات كأولى خطوات الصحافي، فضلا عن الجرائد العمومية التي تقدم خدمة عمومية والتي تمنح للصحافي مجالا في أن يكون في اتصال يومي مع مصادر المعلومات الرسمية، وهو ما يقدم له الزاد للتعامل مع المعلومة، هذه في البدايات.

وتضيف: "في هذه النقطة أيضا أقول إن التدريب والتكوين عبارة عن عمل ميكانيكي دوري حتى للمهنيين الذين مرت على خبراتهم أزيد من عشر سنوات، لأنه بحاجة إلى الرسكلة وتعلم فنون جديدة في الإعلام مع التطور التكنولوجي الحاصل في هذا المجال، فضلا عن التعامل مع أوضاع سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية متجددة تحتم على الصحافي مهما طال الزمن، أن يحظى بالتكوين في مجالات جديدة، خصوصا إن كانت مجالات متعلقة بتخصصات وقطاعات لم تكن لها معارف نظرية سابقة، بالتالي فنحن بحاجة إلى التكوين في مختلف سنوات التجربة، خاصة ونحن في مواجهة يومية مع معلومات تستجيب أو تتقاطع مع الوضع السياسي الداخلي والسياسي الخارجي أيضا وتحديات تواجه الصحافي".

رياض هويلي رئيس تحرير قناة "كي بي سي": “الصحف والمؤسسات الإعلامية لا تستثمر في التكوين"

بخصوص ملف تكوين الصحافيين في الجزائر، ظل هذا الملف مغيبا رغم بعض المحاولات هنا وهناك، ومقارنة بالطاقات البشرية والكفاءات المتوفرة، يمكن القول بأن نقص التكوين والرسكلة من أبرز العناصر التي تبقى تعرقل التطور السليم لمهنة الإعلام، لأن معهد الإعلام لا يوفر سوى التكوين النظري الذي يبقى بعيدا عن التطور الذي يشهده قطاع الإعلام محليا ودوليا من خلال تكنولوجيات الإعلام الحديثة، أما الشق التطبيقي فهو غائب، كذلك عدم استثمار الصحف والمؤسسات الإعلامية في تكوين صحافييها وتأطيرهم، رغم أن ذلك منصوص عليه في قانون الإعلام، أعتقد أن بلوغ الاحترافية والمهنية والوصول إلى تحقيق إعلام في خدمة المواطن يساهم في صناعة رأي عام وطني يجب أن يمر عبر تكوين مكثف للصحافيين.

الكاتب الصحافي محمد بوازدية: "المؤسسات الإعلامية لا تهتم بالتكوين" 

المؤسسات الإعلامية في الجزائر لا تهتم بتكوين الصحافيين، والذي أعرفه أن الجامعة الجزائرية في هذا المجال وفي مجالات عديدة، لا تضمن تكوينا نوعيا، الذي أعرفه من تجربتي الخاصة أن المتخرجين الجدد يلتحقون بوسائل الإعلام في حالة ضعف جد متقدمة، في أغلبهم طبعا... والعدد القليل من الصحافيين الذين ينجحون، مرد ذلك إلى مجهودهم الشخصي، أو بتأثير من وسطهم العائلي أو لأسباب أخرى لا علاقة لها بأداء الجامعة الجزائرية... هذا هو رأيي وأتمنى أن يأتي من يكذبني.

كريم كالي صحافي قناة "الخبر": “الإشكال يكمن في ضعف الإيمان بمبدأ التطوير المستمر"

“تكوين الصحافي" مصطلح كبير في معناه، إلا أنه للأسف الشديد صغير في عيون الكثير من المهتمين بقطاع الإعلام عندنا، فلا الصحافي يحاول تطوير مهاراته الذاتية وتوسعة معارفه، ولا القائمين على مختلف وسائل الإعلام يخصصون مساحات كافية لتكوين إعلامييهم، اللهم سوى عمليات بسيطة لرسكلة معلومات موجودة سابقا، وأعتقد هنا أن الإشكال الأكبر يكمن في ضعف الإيمان بمبدأ التطوير والتحيين المستمر لقدرات الصحافيين.

صحافي "صوت الأحرار" رياض بوخدشة: “الدولة تخلت عن القطاع وتركته للانتهازيين"

أكد الصحافي رياض بوخدشة من يومية "صوت الأحرار" أن التكوين  الذي تقتضيه الاحترافية مفقود تماما، رغم أن هناك محاولات في بعض المؤسسات الإعلامية، لكنها لم تمس نسبة كبيرة من الصحافيين، رغم توفرها على إمكانيات مالية هامة، أما القطاع الخاص فتحول إلى ما وصفه بـ”المهزلة"، وبات نموذج نكبة حقيقية يعيشها الإعلام في المنطقة المغاربة، نتيجة إهمال العامل البشري، والبحث فقط عن الربح، مشيرا إلى أن السلطة السياسية والحكومات المتعاقبة تتحمل مسؤولة ذلك، لأنها تخلت عن تنظيم القطاع وتركته للانتهازيين والمنتفعين.

فيصل مطاوي (صحافي يومية "EL WATAN"): “لابد من جسور بين الجامعة والمؤسسات الإعلامية لضمان التكوين"

رغم الجهود المبذولة من قبل الجامعة، يبقى تكوين الصحافيين ضعيفا أو دون المتوسط، يجب إعادة النظر في كل البرامج التكوينية، مع ضرورة اعتبار واقع المجتمع، متطلبات سوق العمل، تطور تقنيات الإعلام وحق المواطنين في معرفة ما يحدث في الجزائر أو خارج البلاد. على الجامعة أن تخرج من قوقعتها وتمد جسورا مع وسائل الإعلام من أجل ضمان تكوين نوعي للطلبة في الإعلام يكون في الميدان.

فيصل حملاوي (سكرتير تحرير بجريدة "البلاد"): “المطلوب آليات لإجبار المؤسسات الإعلامية على ضمان الرسكلة"

لأسباب مختلفة، يعلمها الخاص والعام، التكوين أو الرسكلة داخل المؤسسات الإعلامية غائب، إن لم نقل منعدم، بسبب مشاكل هامشية دفعت بالصحافي إلى عدم التفكير فيها، كالتسريح غير المبرر وضعف الأجور.. وضغط العمل وأمور أخرى، كل هذه العوامل أنسته "مكرها" الاهتمام بالرسكلة أو التكوين، رغم أهميتهما في المسار المهني للصحافي. والمؤسف حقا أن المؤسسات الإعلامية في حد ذاتها لا تفكر في تمكين صحفييها من حقهم الذي يكفله قانون الإعلام، وهو تخصيص نسبة من مداخيلها لتكوينهم، في ظل صمت مطبق لوزارة الإعلام، لذلك فالحديث عن تكوين صحافيي الجزائر هو مجرد كلام، وأنه من الضروري البحث عن آليات أخرى لتمكينهم من ذلك، تكون ملزمة لكل المؤسسات الإعلامية ومن خلالها كل الإعلاميين والصحافيين، للرقي بالعمل الصحافي، وفقا لما تقتضيه المهنية والضمير الحي.

رضا أنار صحافي "وكالة الأنباء الجزائرية": “لا بد من إشراك ‘القدامى’ في التدريب"

تكوين الصحافيين في بلادنا يقتصر على الجانب النظري في المعاهد والمدارس المتخصصة، لكن يظهر أن الصحافة مهنة تدريبية تعلم في ميدان، بالإضافة إلى التمكّن من اللغة أو اللغات، لذلك، يجب على المؤطرين والمكونين أن يوازنوا خلال عملية التكوين بين النظري والتطبيقي وفيما يخص التكوين داخل المؤسسات الإعلامية (عمومية وخاصة)، من الضروري في هذه الحالة إشراك الصحافيين "القدامي" في تعليم الشباب المبتدئين لتحقيق نقلة نوعية في هذا التخصص، كما أرى  أن التكوين يجب ألا يبقى مجرد شعار، بل لا بد أن يصبح واقعا في يوميات كل الصحافيين دون استثناء.