خبراء في القانون والاقتصاد يوصون بترجيح العدالة الوطنية ويحذّرون:

التحكيم الدولي يمس بسمعة الدولة وسيادتها

التحكيم الدولي يمس بسمعة الدولة وسيادتها
  • القراءات: 1731
محمد. ب محمد. ب

حذّر خبراء في القانون والاقتصاد أمس من التأثيرات السلبية والمخاطر المترتبة عن الإجراء التعاقدي المتعلق بالتحكيم الدولي التجاري، مبرزين سلبيات هذه الآلية القانونية، التي عادة ما تتسبب في خسائر مالية جسيمة للدولة، وتمس بمصالحها وسيادتها. ودعوا في هذا الإطار الهيئات العمومية والمؤسسات الوطنية الاقتصادية والتجارية، إلى التحضير الجيد والدقيق لبنود العقود التي يتم إبرامها مع الشركاء الأجانب، والحرص على ترجيح اللجوء إلى العدالة الوطنية في حال الوقوع في نزاعات. رغم كونه وسيلة قانونية لتسيير النزاعات التي قد تحدث بين مؤسستين إحداهما أجنبية عن الوطن، بحيث يضمن لهذه الأخيرة استرجاع حقها في حال لم تثق في العدالة الوطنية، إلا أن التحكيم الدولي التجاري يبقى إلى حد يومنا، "سلاحا فتاكا" تستفيد منه المؤسسات متعددة الجنسيات، التي تستغل قلة خبرة الدول النامية في التعاقد لمضاعفة أرباحها وتقوية مصالحها على حساب مصالح الدول "الضعيفة".

هي الفكرة العامة التي أجمع عليها المتدخلون في اليوم الدراسي الذي نظمه مركز البحوث القانونية والقضائية والمدرسة العليا للقضاء، أمس بفندق الرياض بالجزائر، بمشاركة خبراء قانونيين واقتصاديين وأساتذة جامعيين وممثلي هيئات نظامية، حيث تم استعراض إيجابيات وسلبيات هذا الإجراء القانوني التعاقدي المنصوص عليه في المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي تبنّتها الجزائر في إطار تكييف منظومتها القانونية الوطنية مع هذه المواثيق، (الجزائر انضمت في 5 نوفمبر 1982 إلى اتفاقية نيويورك لسنة 1958، واتفاقية واشنطن لسنة 1965 حول التحكيم الدولي والمركز الدولي لتسوية الاستثمارات، فضلا عن الاتفاقية الأوروبية حول التحكيم التجاري. وتبنت الجزائر هذا النظام في التعديلات التي أدخلتها على قانون الإجراءات المدنية والإدارية في 2008).

وحسب الدكتور أحمد الشافعي مدير مركز البحوث القانونية والقضائية، فإن بعض المحللين والمختصين في العالم يعتبرون هذا الإجراء آفة قائمة بذاتها بفعل تشعب مخاطرها، وفي مقدمتها المساس بسيادة الدول؛ من خلال عدم الاعتراف بعدالتها الوطنية، فضلا عن الخسائر والتكاليف المترتبة عن فرض اللجوء إلى التحكيم الدولي، الذي تُعتبر قراراته ملزمة وغير قابلة للاستئناف، فيما تتم جلسات التحكيم في سرية تامة، وكثيرا ما تجانب الحيادية والاستقلالية في التحكيم، ويتكفل بها محامون أو مجرد أساتذة يعملون لدى مراكز التحكيم الدولي. وأشار المتحدث في تصريح لـ "المساء"، إلى أن الهدف من تحسيس القانونيين والمتعاملين الاقتصاديين الوطنيين بمخاطر التحكيم الدولي، يرمي، بكل بساطة، إلى حثهم على ضرورة العمل على تفادي إدراجه في العقود المبرمة مع المؤسسات، والسعي لفرض التحكيم القضائي الذي تتكفل به العدالة الوطنية لتسوية النزعات مع الشركاء، لا سيما في ظل الحركية التي تعرفها الجزائر في مجال تنمية الاقتصاد وتكثيف الشراكة والاستثمار.

من جهته، قدّم رئيس اللجنة الوطنية التابعة للغرفة التجارية الدولية محمد شملول، أرقاما حول عدد قضايا التحكيم الدولي المسجلة للجزائر خلال السنوات الأخيرة، حيث تم في 2010 تسجيل 13 قضية للجزائر في التحكيم الدولي، منها 5 قضايا بطلب من الجزائر و5 قضايا بصفة دفاعية. وارتفع عدد القضايا المحالة فيها الجزائر على التحكيم الدولي في 2013، إلى 44 قضية، منها 8 قضايا بطلب من الجزائر، و36 قضية بصفة دفاعية، في حين تراجع العدد في 2014 لينحصر في 16 قضية، منها5 قضايا طلبت الجزائر تسجيلها، بينما دخلت القضايا الـ ١١ الأخرى بصفة المدعَى عليه. ولفت السيد شملول إلى أن تسجيل القضية لدى مراكز التحكيم الدولي التي تُعتبر بمثابة المحاكم الخاصة، لا يعني بالضرورة أن القضية مطروحة للتسوية، "بل هناك مؤسسات تتخذ من الإعلان عن اللجوء للتحكيم الدولي، أداة للضغط على الشركاء، وحملهم على الخضوع لمطالبها". كما نبّه المتحدث إلى ضرورة الحرص على استقرار التشريعات الوطنية التي تنظم مجال الاستثمار، وكذا قانون الصفقات العمومية وتبنّي إطار قانوني واضح وناجع؛ من أجل تفادي الوقوع في فخ التحكيم الدولي.

وعرض فريد بن بلقاسم عضو مركز الوساطة والصلح والتحكيم لدى الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، حالات واقعية، أثبتت التأثير السلبي للتحكيم الدولي على البلدان النامية، حيث ذكر حالة تخص دولة بوليفيا، التي خسرت في قضية مع شركة متعددة الجنسيات لتسيير الموارد المائية، ما قيمته 25 مليون دولار، وذلك في قضية تخص مشروعا لا تتعدى قيمته الأصلية 1 مليون دولار. كما أثار المتحدث الارتفاع المذهل للتكاليف الخاصة بالتحكيم الدولي، والتي تتراوح في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين 400 و500 دولار للساعة، مؤكدا أن الخطر الأكبر المترتب عن هذا الإجراء الإرادي هو مساسه بسيادة الدول في قراراتها. وأشار في هذا الصدد إلى مثال مؤسسة متعددة الجنسيات اعترضت مؤخرا على قرار الحكومة المصرية برفع أجور العمال، وهددت باللجوء إلى التحكيم الدولي. كما لفت في سياق متصل، إلى أن الإعلان والتشهير بقضايا التحكيم الدولي في حد ذاته، يمس بصورة المؤسسات ومكانتها وسمعة الدولة التي تنتمي إليها. وذكر، في هذا الخصوص كمثال، قضايا حصلت مع مؤسسات جزائرية، مثل سوناطراك والخطوط الجوية الجزائرية.

بخصوص الحلول التي يمكن أن تتبعها المؤسسات الجزائرية لتفادي التحكيم الدولي، ذكّرت السيدة ياقوت عكرون قاضية وأستاذة في المدرسة العليا للقضاء ورئيسة محكمة التحكيم الرياضي سابقا في تصريح لـ "المساء"، بضرورة تكوين المستشارين القانونيين التابعين للمؤسسات، في كيفية إبرام العقود بالطريقة التي تفرض حماية مصالح المؤسسة والدولة، معتبرة أن انعدام الشفافية في تسيير التحكيم الدولي وهيمنة الرشوة على مثل هذه القضايا، يجعل أحسن طريقة لتحصين مصالح المؤسسات والبلاد من مخاطر التحكيم، تفادي إدراجه خلال التعاقد.