مست الدستور وقوانين الأسرة والجنسية والعقوبات، تعزيزا لمكانة المرأة

إصلاحات شاملة فرضتنا أمرا واقعا

إصلاحات شاملة فرضتنا أمرا واقعا
  • القراءات: 2679
حنان حيمر حنان حيمر

لايمكن لأحد إنكار ماتحقق من تطورات هامة في مجال ترقية حقوق المرأة بالجزائر، خاصة في العشر سنوات الأخيرة، وذلك على كافة المستويات سواء التشريعية والقانونية أو السياسية والاقتصادية، وفي مجال حماية المرأة من كل أشكال العنف. ويجب القول ونحن نتطرق إلى وضع المرأة ببلادنا إحياء ليومها العالمي، أن ماتحقق هو انعكاس للدور الكبير الذي باتت المرأة تلعبه على كافة الأصعدة، ولنضالها المستميت لإبراز كفاءتها وقدرتها على أن تكون جنب الرجل أينما حلت. إلا أن كل ما تحقق وماينتظر تحقيقه في المستقبل، لم يكن ليتجسد واقعيا وميدانيا لولا توفر إرادة سياسية قوية، يعد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أول من تبناها منذ توليه سدة الحكم، حيث عمل على كسر العديد من الطابوهات في هذا المجال، ولم تثنه انتقادات كثيرة وسط "مجتمع الرجال" من إحداث مايشبه "الثورة" لاسيما في القوانين التي تحمي المرأة والتي تعطيها مكانة تتوافق والتطورات التي شهدتها الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ليس غريبا أن يثير كل ماله علاقة مع المرأة جدلا واسعا في المجتمع، فموضوع المرأة يحمل عبء عقليات وحساسيات متجذرة في تفكيرنا الاجتماعي والعقائدي وحتى الاقتصادي. فأي تغيير يمس المرأة ينظر إليه من زاوية الريبة والحذر، لأنه قد يؤدي حسب البعض إلى زعزعة كل التوازنات. وجاء التعديل الدستوري ليؤكد التزام وإرادة الدولة في تعزيز مكانة المرأة والرقي بها، من خلال إضافة جديدة تدعم الاضافة التي عرفها التعديل الدستوري في 2008.

التعديل الدستوري يعزز مكتسبات النساء السياسية والاقتصادية

شدّد الدستور الجزائري منذ وضعه على ضرورة تحقيق المساواة بين المواطنين والمواطنات، مشيرا في مادته الـ31 إلى أن "المؤسسات تستهدف ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية".

وحمل التعديل الدستوري لسنة 2008 إضافة هامة على المستوى السياسي،تأنثت بفضلها الخارطة السياسية للجزائر، بعد أن تضمنت المادة 31 مكرر التزاما للدولة بترقية المشاركة السياسية للمرأة، حيث جاء فيها: "تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.يحدد قانون عضوي كيفيات تطبيق هذه المادة". وقد حدد الأخير نسبة تتراوح بين 30 بالمائة و50 بالمائة من التمثيل النسوي في المجالس المنتخبة، وهو ما أدى إلى رفع عدد النساء النواب في المجلس الشعبي الوطني إلى 145 امرأة من أصل 462 مقعدا أي بنسبة تتجاوز الـ30 بالمائة، لتقفز الجزائر إلى المرتبة 25 عالميا في نسبة تمثيل النساء في البرلمان. قفزة كبيرة ناتجة عن قرار شجاع لرئيس الجمهورية الذي فصل في الأمر بعد أن كان الجدل واسعا حول مسألة "الكوطا". فباختياره هذه الأخيرة، راهن الرئيس على فرض التغيير، بالنظر إلى تحجر العقليات السائدة في مجال التمثيل السياسي للنساء التي ماكانت لتعطي للمرأة فرصة هامة في الانتخابات. وجاء تعديل الدستور في 2015 ليستكمل مسار تجسيد المساواة بين الجنسين عندما شدد في المادة 31 مكرر 2 على أن "تعمل الدولة على ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل. تشجع الدولة ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات".

ويحمل هذا الشق الجديد مكسبا جديدا للجزائريات في المجال الاقتصادي الذي مازال يشهد تمييزا معتبرا، حيث يمثل التواجد النسوي في عالم الشغل 16 بالمائة فقط من مجموع العمال، حسب آخر تقرير للديوان الوطني للاحصاء وتمثل نسبة البطالة لدى النساء 16.6 بالمائة، في حين تقدر بـ9.9 بالمائة لدى الرجال، حتى وان كان الأمر مقلوبا في بعض القطاعات، حيث يسود التفوق النسوي مثلما هو حاصل في التعليم والطب. وقد لجأت الدولة إلى عدد هام من الاجراءات لتشجيع النساء على خوض غمار العمل، بتشجيع فكرة المقاولاتية النسوية وحتى دعم الماكثات بالبيوت لانشاء مشاريع مصغرة، وذلك وعيا منها بأهمية الدور الذي يلعبه عمل المرأة في استقرار العائلة بفضل المداخيل التي يدرها عليها، كما أن أكثر من 60 بالمائة من النساء العاملات يعملن في القطاع العمومي، وهو دليل آخر على التزام الدولة تجاه ترقية مكانة المرأة. 

من جانب آخر فإن التعديل الجديد يشير إلى تولي المرأة للمناصب القيادية الذي مازال ضعيفا، رغم ماحققته الكثير من النساء من تفوق في اختصاصاتهن، وهو مايتم السعي إلى تداركه عبر التزام الدولة بتمكين المرأة من مناصب المسؤولية سواء في الهيئات العمومية والادارات وحتى المؤسسات. وإذا كان الدستور قد حقق قفزات هامة في مجال ضمان حقوق الجزائريات، فإنّ التشريعات التي وضعت في إطار الاصلاحات التي نادى بها الرئيس بوتفليقة منذ سنوات، كرست الاتجاه نحو ضمان كامل لحقوق المرأة مهما كان وضعها الاجتماعي. كما عملت الاصلاحات على تقديم الحماية لها من كل أشكال العنف والقهر.

حماية المرأة من العنف...القانون يجتاز موجة الانتقاد بنجاح

اختار المشرع تعديل قانون العقوبات لحماية أفضل للنساء من كافة أشكال العنف بدل سن قانون خاص بهذا الجانب. ورغم ذلك، فإنه واجه موجة من الرفض والانتقادات التي طرحت تساؤلات عديدة، بالنظر إلى أهمية القانون من، حيث انه جاء ليضع حدا لظواهر تفشت في المجتمع عنوانها العنف الممارس ضد المرأة سواء في البيت أو في الشارع أو حتى في مكان العمل.

والرئيس بوتفليقة بحكمته وبعد نظره، كان قد أشار في خطابه بمناسبة الـ8 مارس 2014 إلى تفشي هذه الظاهرة والى مقاومة مكافحتها من بعض الأطراف حين قال "أما العنف المرتكب في حق المرأة، فهو ظاهرة ما فتئت تتوسع. وهو ناجم في الغالب عن تفكك الروابط الأسرية والاجتماعية. وإنه لوضع لا يمكن القبول به، فلا بدّ من إيجاد الآليات المناسبة للتصدي له بفعالية".ليضيف في هذا السياق " لكن تبقى هنا وهناك بعض مظاهر المقاومة التي نحن مسؤولين عنها مسؤولية جماعية، والتي ينبغي معالجتها بالتربية والتواصل والحوار والوساطة ولكن بالقسر أحيانا. تخطر بخلدي اليوم الفئة الأضعف منكن، التي تقع في مرحلة من مراحل حياتها ضحية للإعاقة أو الطلاق أو العنف أو الإقصاء".

من جانبه كان وزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح قد استغرب كل الانتقادات التي وجهت لمشروع تعديل قانون العقوبات، مؤكدا أن الأخير جاء ليحمي الأسرة الجزائرية من التفكك وليحافظ على توازنها، لاسيما من خلال إقراره "مبدأ الصلح والصفح" الغائب عن القانون الحالي.

ولم يغفل الاشارة إلى أن الظاهرة موجودة في الواقع والأرقام هي دليل ذلك، حيث تم إحصاء خلال سنة 2014 وحدها 7737 قضية على مستوى المحاكم تخص العنف بين الأزواج و3202 قضية تخص تعدي احد الأقارب على المرأة، و767 قضية اعتداء على امرأة من قبل زملاء في العمل،و15705 قضايا تخص اعتداءات على امرأة من طرف أشخاص آخرين.

للتذكير، يتضمن نص القانون خمس مواد جديدة وأربع مواد معدلة ومتممة، تخص تجريم العنف الزوجي وحماية المرأة من العنف الجنسي وتوسيع نطاق تجريم التحرش الجنسي وتشديد عقوبته وكذا تجريم مضايقة المرأة في الأماكن العمومية.

ولأن مسألة العنف تتعدى القانون إلى مساهمة كل فئات المجتمع في تحقيقه، فإن السنوات الماضية شهدت تنظيم العديد من الحملات التحسيسية من بينها تلك التي أطلقها المرصد الجزائري للمرأة في 25 نوفمبر 2014، والتي دامت عاما كاملا تحت شعار "هو لحماية هي». 

كما نظمت كل من وزارة الصحة وعدة جمعيات مع دعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان والأونوسيدا حملة لمدة 16 يوما لمحاربة العنف ضد المرأة بعدة ولايات من الوطن خلال العام الماضي، استهدفت ولايات الجزائر ووهران وسعيدة وتمنراست من أجل توعية النساء حول قضية تعرضهم للإيدز وفيروس نقص المناعة البشرية في حالات عنف، سواء كانت لفظية أو جسدية أو عاطفية أو جنسية أو اقتصادية حتى يتمكن من معرفة حقوقهن والحماية المتاحة لهن عبر النصوص القانونية والآليات التي تضمنها الجزائر.

قانون الأسرة.. تعديلات وأخرى في الطريق

ولايعد تعديل قانون العقوبات آخر حلقة في سلسلة الاصلاحات التي تم الشروع فيها لترقية حقوق المرأة ومكانتها وليس أولها طبعا، فهو يأتي ضمن سلسلة من القوانين والاجراءات التي اتخذت في هذا الاتجاه، والتي ينتظر أن تتعزز في السنوات المقبلة بإجراءات جديدة، وهو ما لمّح إليه رئيس الجمهورية في خطابه الأخير بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمرأة في 08 مارس 2015، حين قال :

"أوعزت للحكومة بإدخال تحسينات على النصوص التشريعية الخاصة بحماية المرأة، وذلك بتعديل قانون العقوبات في أحكامه المتعلقة بالعنف الممارس عليها، وبتسديد النفقة الواجبة لها برسم القيام بالحضانة. ولقد سرني ثراء ذلكم النقاش الذي أثاره النصان التشريعيان المذكوران"، مضيفا "إن هذه الإجراءات أملاها الواقع، وما توخيناه هو التجاوب مع ما وعيناه، بعد الإصغاء للمجتمع، وتقديم الحلول لمشاكله".

وفي السياق أعلن حينها الرئيس بوتفليقة عن تعديل جديد لقانون الأسرة يمس الجانب المتعلق بالطلاق، عندما أشار إلى أنه "لما كان قانوننا للأسرة غير منزه من الثغرات، وعلما بأن الطلاق بمختلف أشكاله، ولاسيما منها الخلع، أصبح ظاهرة متنامية في مجتمعنا، آمر الحكومة بتكليف لجنة من أهل الإختصاص بمراجعة وتعديل مواد القانون المذكور ذات الصلة بالطلاق، التي تحتمل عدة تأويلات، وذلك بما يضفي عليها الوضوح والدقة ويسد الثغرات ويضمن حماية حقوق الزوجين والأولاد، والمحافظة على استقرار الأسرة الجزائرية بحيث تساهم في ديمومة مناعة مجتمعنا من الإختلالات والآفات". واعتبر الرئيس انه من الضروري "تطوير تشريعنا الخاص بالأسرة بما يتماشى مع مقتضيات العصر ومتطلبات الحداثة بالنسبة للحياة الاجتماعية للمرأة والرجل، ويضمن، في كل الأحوال، تطابق نظرة المشرع مع شرعنا الحنيف". 

وكان قانون الأسرة قد عرف تعديلات سنة 2005 تضمنت بالخصوص إلغاء الزواج بالوكالة وإخضاع تعدد الزوجات لشروط ولمراقبة القاضي الذي يتمتع بالسلطة التقديرية وتوسيع الأسباب التي تسمح للمرأة بطلب الطلاق وإلزام الزوج بضمان بيت محترم لأبنائه وأمهم في حال الطلاق مع بقائهم في المنزل الزوجي إلى غاية القرار الفاصل وكذا إرجاع الوصاية للحاضن سواء كان أبا أو أما في حال الطلاق. إضافة إلى ذلك عرف قانون الجنسية تعديلات مهمة سنة 2005 في سياق تعزيز مكانة المرأة، حيث أقّر بإمكانية منح أو نقل الجنسية الجزائرية للام بالنسب إلى أبنائها، وحق اكتساب الجنسية الجزائرية عند الزواج بجزائري أو جزائرية،إضافة إلى إلغاء شرط التنازل عن الجنسية الأصلية في حال الحصول على الجنسية الجزائرية.

وبالنظر إلى أهمية كل هذه الاجراءات التي اتخذتها الدولة، فإنه يمكن الملاحظة انه تبقى هي الضامن الوحيد لحماية المرأة، فهي الأكثر توظيفا لها في المؤسسات الحكومية كما رأينا بالأرقام سابقا، كما أنها الأكثر منحا للمساعدات لكافة فئات النساء وفي كل المواقع، وآخرها كان تخصيص صندوق للمطلقات الحاضنات للأطفال. ولذا فإن البعض يرى أنه حان الوقت لتغيير السياسات العمومية نحو تمكين المرأة من تحقيق استقلاليتها بغض النظر عن حالتها العائلية وجعلها قادرة على أن تخوض بنفسها مسار الاندماج في الحياة العامة. إلا أنه من الصعب تجسيد ذلك بالنظر إلى صعوبة تغيير العقليات في ظل غياب شبه تام لدور المجتمع المدني خاصة النسوي الذي مازال حبيس المناسبات.