رقصتا على أنغام سيرتا

قطر واليابان تلتقيان في قسنطينة

قطر واليابان تلتقيان في قسنطينة
  • القراءات: 1214
زبير. ز زبير. ز

أنارت لؤلؤة الخليج ضوءها في سماء قسنطينة وشدّت سفينة قطر شراعها إلى عاصمة الثقافة العربية، حاملة معها تراثا من عبق الأجداد حافظت عليه وصانته أجيال بكلّ فخر واعتزاز، وعانقت الدوحة الأبية في ليلة فنية ممزوجة بالنخوة العربية وعلاقة المحبة الأخوية... هي الصداقة الصافية بين شعبين، يجمعهما دين واحد ولغة واحدة والعديد من القضايا المشتركة، كانت من أحد مشاهدها لوحة ثقافية، تعبّر عن مدى الارتباط الوثيق بين دولة، هي قطر التي رسم حدودها بطليموس والتي صنعت لنفسها اسما داخل المشهد العربي وحتى الدولي وبين شقيقتها الجزائر التي فتحت ذراعيها لكلّ أشقائها العرب وحتى الأجانب ولم تبخل بالنصيحة، السند والدعم لكلّ القضايا العربية المشتركة والقضايا العادلة في مختلف أنحاء العالم، في المقابل، كان التواجد الياباني مميزا، حيث عكس التزواج بين الثقافات، وحملت أرض منبع الشمس عطرها الإمبراطوري، لتعبق به المكان وترحل عبر الزمان، لتقول سلاما من اليابان لأهل مدينة الكرام.

أحيت فرقة "اللؤلؤة" من دولة قطر مؤخرا، حفلا فنيا ساهرا بقاعة العروض "أحمد باي"، في إطار الأيام الثقافية القطرية ضمن فعاليات "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، وتزامن عرض القطريين، مع حضور فرقة "واسان بوم" من اليابان التي افتتحت الحفل الفني بحضور سفير اليابان بالجزائر، السيد ماسيا فوجي وارا، حيث أبت إلاّ أن تكون حاضرة وقدّمت عرضا في إطار أيام اليابان ضمن فعاليات "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، وأمتعت الجمهور بوصلات فنية تراثية تعكس مدى تعلّق اليابانيين بتقاليدهم وجذورهم الضاربة في أعماق التاريخ، رغم الثورة التكنولوجية الباهرة التي يشهدها بلدهم، وحملت معها فرقة "واسان بوم بقيادة" الفنان يماموتو داي، نسمات عطرة من مدينة طوكيو، زفتها إلى جمهور قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري.

ورسمت الفرقة القطرية التي تحمل اسم "الؤلؤة" التي تأسّست سنة 1977، صورة عن عادات وتقاليد الفرد القطري، المستمدة من التراث الشعبي الذي يفتخر به كل "عنابي"، حيث قدّمت 7 لوحات فنية، كانت عبارة عن فسيفساء، تعكس التنوّع الثقافي بدوحة العرب، وكانت تروي في كلّ لوحة عن رحلة وحكاية وعن أصالة الشعب القطري، تخللها عزف على آلة العود من طرف الفنان علي إبراهيم، وكانت البداية من خلال تقديم لوحة "العرضة" وهي مشتقة من كلمة العرض العسكرية، وهي رقصة شعبية فلكلورية قديمة تؤدى باستعمال السيوف الأصيلة، كما أنها رقصة تستعمل عادة في تحميس المحاربين الذين يرقصون رقصة نشوة الانتصار، ومن الآلات الموسيقية التقليدية التي يعتمد عليها خلال هذه الرقصة؛ الدف والطار، وقد ردد الراقصون بعض الأبيات التي قالوا في مطلعها: "اليوم يوم السعد في ديرة أهل الحامية...دار التميمي حمد صبوا لها الشاذلية".

أما اللوحة الثانية، فحملت عنوان "الفجيري" وقد جسدت فنا من فنون البحر القديم جدا، ورغم أن طقوسها زالت من المجتمع القطري، إلا أن موسيقاها تبقى حاضرة، خاصة أنها تحاكي تفاصيل حرفة قديمة وهي حرفة الصيد التي اشتهرت بها قطر في السنوات الفارطة، حيث تجسد اللوحة الفنية غياب هؤلاء الصيادين، وهو الغياب الذي يمتد من شهر ماي إلى شهر سبتمبر من كل سنة ويدوم عادة أربعة أشهر وعشرة أيام ويبعدهم عن أهاليهم في رحلة البحث المضني عن اللؤلؤ، ونشد الفنانون خلال رقصهم بعض الكلمات من بينها؛ "دموع العين مجراها... على الخدين جرى ماها"، ويشمل الرقص "الفجيري" خمس أنواع وهي البحري، العتساني، الحدّادي، المخولفي (سريع) والحساوي.

وكانت اللوحة الثالثة بعنوان "فن الصوت" ويعتبر من أقدم الفنون واللوحات التي تعتمد على آلة العود العربي وإيقاع يطلق عليه اسم "المرواس"، هذا الأخير يعد فنا عربيا أصيلا يمتد إلى العصر الجاهلي الذي تغنى بشعره أصحاب المعلقات السبع، أمثال عنترة  العبسي والنابغة الذبياني، ويشمل فن الصوت، الفن الشامي، العربي  والمروبع الذي يختتم بموشحات أندلسية جماعية تؤدى غالبا من طرف شباب، بإيقاع جميل يعتمد على المرواس والطار، وشمل عرض الوفد القطري، رقصة "السامري" وهو من فنون البادية العربية الأصيلة، وقد سمي بالسامري لأنه يؤدى في السهرة عند تسامر الأصدقاء والأحبة على ضوء القمر، حيث يتنافس الشباب وفطاحلة الشعر حول سحر الكلمة وجمالها، ويقول الراقصون خلال أداء عرضهم في مطلع الرقصة: "يا ابن سالم ترى قلبي عليكم حزين"، أما اللوحة الأخيرة التي تم تقديمها من طرف القطريين، فهي رقصة "الدزة" التي تعتبر من الفنون الشعبية القديمة التي تؤدى في الأعراس والأفراح القطرية ويكثر فيها ذكر الرحمان والصلاة والسلام على النبي محمد عليه أفضل الصلوات والسلام. وختمت فرقة "اللؤلؤة" القطرية السهرة الفنية بأغنية أهدتها للجزائر، تدعو فيها الله أن يحفظ الجزائر ورئيسها وشعبها من كل مكروه، حيث ردد أعضاء الفرقة أغنية "الله يحفظ الجزائر"، وهم يهمون بمغادرة الركح، تاركين المجال لجو التكريمات.

من جهتها، قدمت فرقة "واسان بوم" التي تضمّ ثلاثة فنانين، لوحات فنية تقليدية من التراث الذي تشتهر به اليابان، مستعملة في ذلك آلات تقليدية، نفخية، وترية وإيقاعية، حيث تفنّن الثلاثي يماموتو داي على آلة "ساميسان دو تسوغاري" (آلة وترية تشتهر في شمال اليابان وتشبه آلة القمبري بالمغرب العربي)، هابكي توان على آلة "الشاكوهاشي" (ألة نفخية تشبه الناي وهي أكبر منه) وأوباما أكيهيتو على آلة "الودايكو" (ألة إيقاعية في شكل طبل كبير، تقرع بأنواع مختلفة من العصا وكانت تستعمل للتنبيه من خطر الغزاة في القرون الغابرة)، في إمتاع الجمهور الحاضر بوصلات موسيقية من بلاد التنين، حيث قدّم الثلاثي الياباني مقطوع موسيقية بعنوان  "كاي" ومعناها الافتتاحية، كما قدّمت الفرقة معزوفة أخرى بعنوان "رقصة طوكيو" وهي عمل فني جديد، قدم في مهرجان "مونبودولي" بعاصمة اليابان، وتمّ تقديم مقطع "فولوساتو" (بلد المولد) وهي مقطوعة موسيقية تقدم عادة للأطفال في اليابان ومقطع "لينغوري واكي" (أغنية التفاحة) وهي مقطوعة مشهورة أدتها المغنية الشهيرة باليابان "هيبالي ميسولا".

وفاجأت الفرقة اليبانية "وزان بوم"، جمهور قاعة العروض "أحمد باي" في السهرة المخصّصة لليلة اليابان بعاصمة الثقافة العربية، بعزفها مقطوعة عربية مشهورة في فن العيساوة من أغنية "يا شادلي يا بلحسن"، وهي أغنية جدّ مشهورة في قسنطينة والشرق الجزائري، كما تمتد شهرتها إلى تونس وليبيا، واجتهدت الفرقة التي أرادات مغازلة جمهور قسنطينة، في تقديم معزوفة للغنية باستعمال آلات الودايكو، الشاكوهاشي وشاميسن دو تسوغاري، فكان مزيجا بين الطابع العيساوي وطابع جنوب غرب آسيا، لكن الجمهور تفاعل مع هذه الهجين الغنائي وأعجب كثيرا بالفكرة التي صفق لها كثيرا، كما أصرت الفرقة على الجمهور من أجل مشاركتها بالغناء في آخر لوحة فنية قدمتها تحت عنوان "راسيرا راسيرا" وكان التفاعل كبيرا على أنغام الموسيقية اليابانية.

وفي هذا السايق، عبّر الفنان الياباني يماموتو داي، عضو فرقة "واسان بوم"، عن إعجابه بتفاعل الجمهور القسنطيني مع اللوحات الفنية التي قدّمتها الفرقة التي تأسّست منذ 13 سنة، والتي جابت مختلف أنحاء العالم، حيث أكّد أنّ الحفل كان ناجحا وأكّد المقولة التي تعتبر أنّ الفن عابر للحدود، وأنّ الموسيقى لغة عالمية يفهمها الجميع، مضيفا عقب نهاية العرض الذي قدمته فرقته، أنه تفاجأ برد فعل الجمهور الجزائري مع العرض الموسيقي المقدم رغم عدم فهمه للغة اليابانية، وأن عدم فهم اللغة لا يقف عائقا في وجه الفنان خلال تمرير رسالة القيم، وقال في تصريح لـ«المساء"؛ "نحن سعداء وفرحين بعدما رأينا تفاعل الجمهور في هذه القاعة، ونأمل نجاح تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية".   

وصف السفير الياباني، ماسيا فورجي وارا، من جانبه العلاقة بين بلده والجزائر، بالعلاقة القديمة التي امتدت إلى ما قبل استقلال الجزائر، معتبرا أنّ هذه العلاقات متميزة وممتازة في شتى المجالات، خاصة في مجال الاقتصاد، مضيفا أنّ اليابان يريد في المستقبل تعزيز وتدعيم التعاون مع الجزائر، خاصة في نقل الخبرة والتكنولوجيا، لمساعدتها على تجاوز الأزمة التي تمر بها، وكذا الوقوف مع المجهودات التي يبذلها الجزائريون لدفع الاقتصاد، وقال بأنّ هناك العديد من المشاريع التي تدخل حيز اهتمام اليابان وعلى رأسها مشاريع تطوير الطاقات المتجددة التي يجب، حسب قوله، تجسيدها على أرض الميدان.

أما في المجال الثقافي، فاعتبر سفير اليابان في الجزائر، أن مشاركة بلده في تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، خير دليل على رغبة اليابان في توطيد التعاون الثقافي مع الجزائر، مضيفا أن هذه المشاركة ستكون حتما بداية لمشاريع ثقافية أخرى بعدما نظمت سفارة اليابان في الجزائر بعض التظاهرات الثقافية، على غرار أيام الطبخ الياباني، ومعرض الثقافية التقليدية، وقال في تصريح للصحافة بعد نهاية السهرة الفنية؛ "هناك مشاريع كثيرة نأمل في تجسيدها السنة المقبلة، نعلم أن هناك اهتمام كبير من طرف الشباب الجزائري بالرسوم المتحركة اليابانية التي أخذت بعدا عالميا، وسنسعى إلى تنظيم تظاهرة في هذا الشأن".   

وعن تقييمه للسهرة الفنية التي قدمتها فرقة "واسان بوم"، قال سفير اليابان "نحن جدّ سعداء بمشاركة بلدنا اليابان في هذه الليلة الفنية التي تركنا من خلالها بصمتنا في "تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"، هي المرة الأولى التي يشارك فيها اليابان في مثل هذه التظاهرات، وقد جئنا بوفد يضم فرقة موسيقية تقليدية، هي فرقة "وسان بوم" التي جاءت بآلات تقليدية من اليابان، أتمنى أن تكون قد لاقت إعجاب الجمهور الذي تابع السهرة، أظن أن هناك العديد من الأمور المشتركة في الثقافة بين الشعبين الجزائري والياباني، سندعم أكثر علاقتنا في العديد من الأمور". 

علي عبد الله (فنان قطري):

الجزائر دولة مضيافة ونعتبر نفسنا في بلدنا

عبّر الفنان القطري علي عبد الله عن سعادته بمشاركته رفقة الوفد القطري في فعاليات تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، وأثنى على حفاوة الاستقبال من طرف الجزائريين خلال زيارتهم، وقال في دردشة مع جريدة "المساء" بعد نهاية السهرة الفنية التي قدمتها فرقة اللؤلؤة؛ "شاركنا في المهرجان الثقافي لدولة الجزائر ضمن فعاليات عاصمة الثقافة العربية لسنة 2015، كانت الجزائر ولا تزال دولة مضيافة وشعبها طيب إلى أبعد الحدود، ولم نرى منهم إلا الجميل، أظن أننا خرجنا من بيتنا في قطر ووجدنا بيتا أخرا في الجزائر، لا يسعني إلا أن أقول بأن تفاعل الجمهور معنا كان رائعا، لقد قدمنا صورا فنية تعكس التراث القطري وتمسك الجيل الجديد بتقاليد أجداده".

خالد المعضالي (مستشار في وزارة الثقافة القطرية ورئيس الوفد):

تفاجأنا بالإمكانيات التي وضعتها الجزائر

أبدى خالد المعضالي، مستشار بوزارة الثقافة القطرية ورئيس الوفد، انبهاره بالإمكانيات التي وضعتها الجزائر في سبيل إنجاح تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، سواء ما تعلق بقاعة "أحمد باي" أو بالخبرات التي تسيرها، وقال في تصريح لـ"المساء"؛ "نشكر إخواننا في الجزائر على شرف الضيافة، وشرف عظيم مشاركتنا في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، ونتمنى أن تتكرّر مثل هذه التظاهرات في الجزائر أو في قطر لإبراز الفنون والتراث الشعبي المشترك"، وأضاف "هناك اتّفاقات كثيرة بين البلدين وكان يتواجد وفد جزائري منذ مدة في قطر لإبراز الموروث الثقافي الجزائري، نقلنا خلال هذه السهرة الخاصة بدولة قطر، عروضا شعبية من الفنون القديمة التي تقدم عادة في المناسبات الرسمية، على غرار الزواج واحتفالات أخرى، كما قدمنا فنونا تقام على البحر وجلسات السمر".

وأوضح قائلا؛ "نظن أنّ احتضان قسنطينة لتظاهرة عاصمة الثقافة العربية شيء رائع جدا، تفاجأنا بالإمكانيات الكبيرة التي وضعتها الجزائر من أجل إنجاح هذه التظاهرة وبهذه القاعة الضخمة والرائعة، وبالخبرات الموجودة، هذا شيء يرفع الرأس ونتمنى أنّ كلّ الدول العربية تحذو حذو الجزائر في هذا المجال، نتمنى تواجد الجزائريين عندنا لنقدم لهم بعض ما قدموه لنا، كنا نأمل أن يكون عرضنا لأربع أيام، لكن بعد الظرف الطارئ الذي حلّ بالجزائر والحداد الذي جاء على إثر وفاة القائد الثوري آيت أحمد، اضطررنا إلى قطع الاحتفالات، ونسعى إلى أن تكون هناك تبادلات ثقافية أخرى في الأفق".